محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الأحد، 15 سبتمبر 2013

الاسلام هو الحل.. لكن ليس اسلامكم


(1)
يقول الله في سورة المائدة:
(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة. ولكن ليبلوكم في ما أتاكم. فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا. فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)

الله في الآيات يضع قانونا ثابتا يستمر باستمرار الحياة.. تعدد الشرائع والمناهج والسبل.. ليس صراع وجود يقضي فيه طرف على الآخر.. لن نكون دينا واحدا أو ثقافة واحدة أو منهجا واحد.. والتعدد هو إرادة الله في الأرض.
...

لو أراد الله لجعلنا أمة واحدة. لكنه لم يرد.. ولو أصر انسان على جمع الناس على عقيدة واحدة فهو يحارب سنة الله ويجافي جزءا من عقيدة دينية ثابتة بالقرآن.

وإقرار التعدد واستمراريته وحيازته قوة إلاهية هو الباب الأول أمام التعايش والمغفرة.. ثم يقول "فاستبقوا الخيرات". أمر موجه للجميع على اختلاف شرائعهم. سباق الخير بالعمل الصالح والأثر الطيب.. ثم مرجعكم إلى الله. ينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. فليس للناس حساب بعضهم بعضا.

وهكذا تضع الآية شريعة أو دستور لنا.. التعددية / سباق الجميع نحو الخير / الله تعالى وحده هو الفصل في اختلافات الناس العقيدية.

(2)
ما بين طرفين أحدهما يدعو لاستبعاد الدين تماما، والثاني يستدعي تفسيرا ضيقا قشريا معبأ بتراث سلفي يقدس المراحل الزمنية، فنحن في حاجة ماسة إلى تنقية الدين مما لحق به من أساطير تحولت إلى قطعيات.. إن عدو الحقيقة الأول هو الشائع والموروث والمألوف.

بداية التعايش سيدتي يتوقف على اعتراف كل طرف بحق غيره في الوجود. والإقرار أن التعددية هي أصل تقوم عليه الحياة. الزهور ألوان والناس لغات والجغرافيا جبال ووديان. والعقائد تتنوع بتنوع البشر.. وهنا يتدخل دور الدين في تشكيل ثقافة ووعي المؤمنين فيؤتي أثرا إيجابيا قويا مدفوعا بقوة العقيدة والروح المستنيرة. التي تتفوق على هدير المدافع وأزيز الطائرات.

في أوروبا لجأوا لبديل جيد، نزع الدين من الدنيا وجعله تصورا روحيا يختص بحياة كل فرد.. كان معهم حق، فما لديهم من نصوص دينية وتراث متراكم ما كان ليمكن الاستمرار به.. مثلا كانت هناك عقوبة على إقامة قداس بروتستانتي في مجتمع كاثوليكي، تتمثل في إعدام الكهنة وإرسال الرجال للتجديف حتى الموت.

وكانت القوانين تسمح بإعدام الآباء لابنائهم العاقين استنادا إلى الكتاب المقدس. سفر التثنية (الإصحاح 21).

وعندما عجزت بريطانيا عن إيجاد حل للتوفيق بين الطائفتين قامت ببناء سور ضخم في مدينة بلفاست في ايرلندا الشمالية للفصل بين الكاثوليك والبروتستانت.

بخصوص الإسلام الأمر يختلف. نحتاج فقط إلى إعادة قراءة الدين بإنصاف ونقاء ونظرة شمولية تراعي الثوابت والمتغيرات.

(3)
روى الطبري في تفسيره، أن جاء للرسول رجل من الأنصار يدعى أبا الحصين، يقول: إن ابني تنصر، فهل أكرهه على الإسلام؟ فرفض الرسول، ونزل في ذلك قول الله (لا إكراه في الدين).

وفيما روي عن ابن عباس، أن نساء الأنصار كن إذا ولدن ولدا جعلنه لليهودية، حتى يحفظه الله، فلما أجليت بنو النضير سألوه أن يبقوا أبناءهم أو يكرهوهم على مفارقة اليهود. فرفض الرسول وترك للأبناء حق الاختيار.

هكذا يصير من حق الابن أن يقرر مصيره الديني والعقيدي بمعزل عن والديه. ورغم ترابط العلاقة، إلا أن الإسلام أقر التعددية داخل البيت الواحد.. فضلا عن المجتمع الواحد.

يجب أن يعترف كل واحد بحق غيره في الحياة والعبادة ونحن أول المستفيدين؛ كل سنة يموت ثلاثة آلاف مسلم في الفلبين بإجمالي 120 ألف قتيل في الثلاثين سنة الأخيرة، نتاج صراع أحمق بين جبهة مورو الإسلامية ذات التوجه الانفصالي، وبين البوذيين.. العراق صارت موطنا للتفجيرات المتبادلة بين السنة والشيعة.. وسوريا في الطريق.. ربما زرع الاحتلال بذرة التقسيم والطائفية ولكن نفوس الناس كانت مؤهلة لهذا الاحتقان القديم.

يقول فولتير من يقول لك وهو خارج السلطة اعتقد ما اعتقده وإلا لعنك الرب. لا يلبث أن يقول لك وهو في السلطة اعتقد ما اعتقده وإلا قتلتك.

و القانون الدولي وحده لا يكفي. فهو يقوم على توازن القوى أكثر منه نداءات الحق.

لاحظي صلح فرساي عقب الحرب العالمية الأولى عام 1919، وكيف تعامل الحلفاء المنتصرون مع المانيا المهزومة بشكل انتقامي.. أجبروها على التنازل عن 90% من أسطولها التجاري. وخسرت ألمانيا 13% من أرضها الوطنية خصوصا مقاطعتي الألزاس واللورين. وخسرت 15% من الأراضي الصالحة للزراعة و 75% من المعادن الحديدية. والتخلي عن قواتها الجوية وغواصاتها.. ما جعل الألمان يعتبروه صلحا مفروضا. وبتعبير أدق: عارا مرفوضا.

الطائرات بدون طيار "درون" تقصف جبال بيشاور وافغانستان عشر سنين لكنها لم تقضي على العقائد المتمترسة في الصدور.. تركوا افغانستان ورحلوا لليمن والعراق وسوريا وغرب افريقيا وجبل الحلال في مصر، وبعضهم ذهب لشوارع لندن ونيويورك بذات الأفكار.

والأفكار لا تموت بموت أصحابها.. أبو نور المقدسي مات ولم يمت تنظيم جند الإسلام في غزة وسيناء. وأبو مصعب الزرقاوي قتل في غارة أمريكية ولم يمت تنظيم القاعدة في العراق. كذا الأمر مع محمد يوسف في نيجيريا زعيم جماعة بوكو حرام.

(4)
لسنا في حرب كونية لالزام الناس بتصورنا العقيدي على كل حال. تلك هي الأصول الثابتة التي تتسم بالديمومة بغض النظر عن المرحليات التي قد تتطلب نصوصا متغيرة تليق بمواقف الصراعات والحروب.

الرسول عاش بين ظهور الكافرين ثلاث عشرة سنة. حاربوه وطردوه. وفي عودته إلى مكة في العام السادس الهجري قبل الفتح. ظل يحدث أصحابه أسفا على ما جرى من حروب. وقال، لو تركوني لكان خير. بل قال لو دعوني اليوم إلى صلة رحم لأجبت.

وتبعث قريش خالدا وكان على الكفر، قائدا لمجموعة قتال بغية الاشتباك مع المسلمين فيغير الرسول الطريق لتجنب القتال.. ويعقد صلح الحديبية، الذي أقر الهدنة عشر سنين. ويتنازل عن الكثير من حقوقه في العقد حتى غضب الصحابة. ويعود وهو بملابس الإحرام دون أن يصل للبيت الحرام. الذي هو من حق العرب جميعا وليس لقريش أن تصد أحدا عنه حتى لو كان عدوا.

وفي العام التالي 7 هـ يعود معتمرا. عمرة القضاء. ويطوف بالبيت وبه 360 صنما وسطهم كبيرهم هبل. ولا يغضب. ويخطب السيدة ميمونة بنت الحارث. وينوي الزواج وسط قريش في مكة. الكافرين الذين طردوه وحاربوه. فيرفضوا. فيستجديهم أن يصنع عرسا ويعد طعاما، لحما وثريدا، ويدعوهم يأكلون. لكنهم يسارعوا في إخراجه.

تخيلي محمدا الرسول يتزوج ويصنع طعاما ويكون "المعازيم" هم كفار قريش!

أرى في عينيك تساؤلا حول حديث يناقض ما أدعو له إذ يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الهأ.. أعرف أنه ورد بالبخاري.

لكنه في النهاية حديث آحاد. رواه واحد عن واحد في طبقتيه الأولى والثانية. والثابت أن حديث الآحاد ظني الثبوت كما أقرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف بقيادة الشيخ المشد قبل عقدين.. فكيف أجعله حاكما على القرآن الكريم الواضح الدلالة قطعي الثبوت.

أنا لا التزم بأي نص يخالف القرآن الكريم وما كان للسنة أن تفعل. فالله أوضح طبيعة عمل الرسول وأنه بيان وتوضيح يدور في فلك القرآن (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) 44 النحل.

السيدة عائشة عندما سمعت عبد الله بن عمر يروي حديثا عن الرسول، "أن يعذب الميت ببكاء أهله عليه." قالت والله ما كان لرسول الله أن يقول ذلك. وفي القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) 164 الأنعام.

رغم أن الحديث ورد بعد ذلك في البخاري ومسلم. فهو مرفوض عند السيدة عائشة.

كتب الحديث تعتبر الصحابة كلهم عدول، وأن أي حديث يصل بسنده الى مرتبة الصحابة وجب الاخذ به.. وها هي عائشة أم المؤمنين تسمع حديثا من صحابي. لكنها لا تلتزم به مباشرة وتمرره أولا على كتاب الله وعلى ميزان العقل. لأنها تعرف أن الخطأ وارد على الجميع. ليس تشكيكا أو تكذيبا، لكن احتمالية الخطأ والنسيان واردة.

خاصة وأن رسول الله كان ينهى عن كتابة حديثه. كما روى مسلم عن أبي سعيد: "لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فليمحه."

بل عندما صرح بالكتابة لأحد الصحابة لأنه ينسى ولأنه من اليمن "أبي شاه" كان في حدود ضيقة وبشكل استثنائي. ومنها صحيفة ابن عمر الصادقة التي لم تتجاوز بضع عشرات من الأحاديث.

إذن فضبط الحديث بالقرآن الكريم أمر ضروري حتى لا نتوه وسط المرويات.

(5)
كان حاطب ابن أبي بلتعة من الصحابة العظام الذين شاركوا في بدر. وهو أيضا ارتكب جريمة خيانة عظمى. حيث بعث خطابا للمشركين يدلهم على بعض ثغور المسلمين. وأرسل الله للنبي بذلك فقبض على الكتاب قبل وصوله للكفار. وعاتب الرسول في ذلك حاطب. وكانت حجته أن له أهلا وعيالا لدى قريش. وأنه يخاف عليهم وليس له من جميل يحفظوه في عياله. فأراد فعل ذلك. ونزلت آيات سورة الممتحنة تنهى عن هذه الفعلة العظيمة.

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم .. تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم. ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) 1 الممتحنة.

ولأن الله يعلم أن هناك روابط انسانية تصلهم بمشركي مكة، جاءت الآية 7 تبشرهم:
(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة. والله قدير. والله غفور رحيم)

فالبشارة هنا بعدم استمرار حالة العداء. وأن الله قد يعيد المودة بينهم وبين مشركي قريش. طالما كفوا عن القتال والتربص والأذى. فالخصومة ليست عقيدية في المقام الأول بقدر ما هي مرتبطة بتصرفات عدائية تحرم المسلمين حريتهم العقيدية.

أرجوكم اخرجوا اسم الله المقدس من صراعاتكم اللعينة، والذي تضعوه ستارا لسوءات نفوسكم من أنانية وكره وسلطوية وتكبر. و لأنكم تعلمون أنها صراعات حقيرة ولأنكم أكثر جبنا من الاعتراف بالخطأ، تحاولون إلباسها ثيابا مقدسا تنتصرون بشجاعة زائفة لما بداخلكم من همجية وجهالة.


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK


الصفحة الرسمية

 
 

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق