محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الخميس، 16 مايو 2013

آيات في الطلاق

دعيني أشرح لك شيئا عن الطلاق الذي هو عنوان سورة في كتاب لا ريب فيه..
من يحسن الطلاق سيدتي يحسن الزواج .. ومن يتعامل برقي وقت الأزمات هو شخص تأمنيه بقية حياتك.. وفي الخلافات تظهر معادن الناس.. النحاس والذهب يبرقان لأول وهلة تحت ضوء الشمس، ولكن بكثرة الاحتكاك يظل الذهب يلمع، بينما النحاس يعلوه الصدأ ويذهب لونه.

قبل أن نتجول في سورة الطلاق، دعيني أذكرك بآية سورة البقرة ..

(وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين)

لو وصل الشقاق بين رجل وامرأة حد الطلاق، فالله لم يمنعها نصيبها في المتاع، وجعل متاعها حق، وليس فضل.. ومن يقوم به يصير تقيا بشهادة القرآن.

وصل احتدام الازمة بين اثنين درجته القصوى، ولكنك كرجل ملتزم بفرض نصيب من مالك لمتاعها.. ولو كانت المطلقة تستمتع، فما بالك لو ظلت زوجة، كيف تكون المعاملة.. في مجتمع يضرب الاسلام في جزوره، كم مطلقة فيه تجد المتاع ، وكم مطلقة تجد الاهانة والصد..

كلمات الآية تقدم الرقي وسماحة النفوس وقت الخلاف .. في ظل مجتمع بدوي خشن، طبعته البيئة بطابعها الصحراوي الجاف، فلم يكن يلتمس تلك اللطائف في مشاكله اليومية .. مر على الاسلام ألف عام وزيادة ولازالت النفوس جدباء كسفح جبل، ولازالت الخلافات تخرج أسوأ ما فينا، ولا زالت النساء حائرات..


وظلموا الإسلام ما بين رمال صحراء مكة ومصب النهر في الوادي.

*
نمشي مع الآيات..

(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)

تضع الآية المبدأ الأول.. لو أردت طلاق زوجتك فيجب أن تكون مستقبلة عدتها.. أي لا تكون حائضا.. فالمرأة وقت الحيض تكون متوترة، سريعة الانفعال..أحيانا مهزومة، وكثيرا ضعيفة.. تتألم، تنزف دما.. فلا تكن قاسيا وتزيد ألمها.. لتتجاوز الخلاف الشخصي وتقف عند التقدير الإنساني.

وهنا لفتة.. لو وصل بك الغضب حد الطلاق، فعليك أن تسألها عن عادتها الشهرية.. وهذا يعطي مساحة من الوقت للهدوء والمراجعة.

ووضع الفقه شرطا ثانيا مستوحيا حديث الرسول في رواية البخاري .. أن تكون الزوجة في طهر لم تمسسها فيه.. أي أنك لو عاشرتها خلال فترة الطهر (25 يوم في الشهر) فلا يحق لك أن تطلقها خلال تلك المدة.. وعليك الانتظار حتى ينتهي الطهر، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم تنفذ قرار الطلاق.. المدة تطول، واحتمالات التفاهم تزيد، والغضب يتراجع.. لاحظي.

الحديث، أن ابن عمر طلق امرأته وقت حيضها، فأخبر أباه، فأخبر الرسول.. فأوصاه بمراجعتها، ثم الانتظار حتى تطهر.

(بالمناسبة طلبوا من عمر بعد طعنه، وقبيل موته بلحظات، أن يعين ابنه عبد الله ، الصحابي العالم الورع ، لخلافته في الحكم .. فقال لهم ، كيف أعين رجلا لا يحسن طلاق زوجته، على إمارة الناس!)

وكلها لمحات رقيقة.. وكأنه يستنكر، كيف تعاشرها سيدي، ثم بعد بضعة أيام تقرر الانفصال.. هل هذا يليق بها. أو بك؟

ولو طلقتها في حيضها أو في طهر جامعتها فيه يكون طلاقا آثما.. تتحمل إثمه.. يسميه الفقهاء طلاقا بدعيا. يقع عند جمهورهم، وخالف ابن تيمية، وقال لا يقع. ولا يرتب آثاره وهو والعدم سواء.

*
(ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وتلك حدود الله)

فالمرأة لا تخرج من بيتها ( لاحظي أن الله نسب البيت لها تكريما وتشريفا) حتى بعد الطلاق، طوال فترة المراجعة، إلا بفاحشة مبينة.. وفترة المراجعة هي فترة العدة، ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار . لتظل احتمالات العودة قريب. وتكون المراجعة بلا عقد أو مهر جديدين، وتكون بالإشارة الصريحة أو الضمنية.

(لو طلقت زوجتك ، التغيير الوحيد أنها تأخذ البطانية وترحل إلى الغرفة المجاورة. ولن تناولك أدوات الحلاقة في الصباح. وتظل كذلك ثلاثة شهور تقريبا.. ويكون التراجع بمجرد كلمة أو إيماءة.. وإن لم يحدث تصير بائنة كطلقة أولى. وهنا ينفصلا)

ونذكر واقعة الصحابية فاطمة بنت قيس، عندما طلقها زوجها ثلاثا فخرجت من بيته . وقالت للخليفة عمر أنها سمعت الرسول يقول أن المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكن . وحديثها رواه عنها الإمام مسلم فيما بعد.. ولكن الخليفة عمر قال لها وللجالسين، أنترك كتاب الله وما فيه، ونسمع لقول امرأة حفظت أو نست!

واستشهد بالآية (ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) .. (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.)

العبرة هنا أن عمر كان حريصا على ألا يتجاوز القرآن لوجود شكوك في رواية حديث.. لاحظي أن فاطمة صحابية. سمعت من الرسول. ولكن عمر يعتبرها رواية واحد. آحاد. لا تعد مرجعا في التشريع طالما كتاب الله حاضر وواضح.

وهذا يجعلنا نراجع الكثير من الموروث حول حجية الحديث الذي يصل بسنده الصحيح إلى صحابي أو صحابية .. هل يؤخذ به كمرجعية ، أم يجب التوثيق أولا من كتاب الله.

وبسبب ذلك ثار خلاف فقهي كبير بين المذاهب .. هل واقعة فاطمة بنت قيس هي المرجعية، أم رأي عمر بن الخطاب.. بالمناسبة معظم الفقهاء القدامى يرجحون كلام فاطمة على كلام عمر، رغم أن عمر كان أكثر رفقا بالمرأة.

*
(فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف . وأشهدوا ذوي عدل منكم)

بلغن أجلهن، أي تجاوزن فترة المراجعة، فصار طلاقا بائنا.. ولازالت الآيات تؤكد على الرقي، واستعمال المعروف كأصل يربط الناس في اللقاء والهجر.. في الزواج والفراق .. وأنه ليس هناك مبرر ، حتى لو نشأت خلافات ، أن يكون التعامل بين رجل وطليقته، فيه أذى أو ظلم ..

أعرف أنها مثالية .. رومانسية .. عظمة .. وهكذا كتاب الله .. ولكننا لا نقرأه .. وإذا قرأناه لا نفهمه..

تريدون تطبيق الشريعة .. إذن كونوا رومانسيين حتى في الفراق . وتجاوزوا الأنانية والانتقام . أمور صعبة ؟ ولكن الإسلام نزل لترويض أصعب ما في الأرض.. والدخول إلى أعماق النفس البشرية لتهذيبها وهدايتها. أروقة النفس وليست أروقة الحكم هي هدف الله الأول في الآيات.

النصف التالي من الآية يثير تساؤلا (وأشهدوا ذوي عدل منكم) أي عليك أن توثق قرارك ، بالمراجعة أو الانفصال ، بشهود عدول ليكون أمرا جادا ملزما لطرفيه ، فلا يتعدى أحدهما على الآخر .. وهنا نتساءل، هل يجب، كي يقع الطلاق، أن يكون في حضور شهود، تماما كالزواج .. وأن من يطلق بلا شهود فطلاقه ناقص أو غير ملزم ؟

أنا فقط أتساءل .. من وحي الآيات.

*
(أسكنوهن من حيث سكنتم) .. أي توفر لمطلقتك سكنا يتناسب مع مستوى سكناك.. قصر منيف أو غرفة فوق السطوح.

(ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) .. أي لا تتعمد إضرارها في المسكن، لتجعل حياتها نكدا، فتضطر إلى تركه وتبحث عن آخر بعيد عنك ولو على نفقتها.

(لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله . لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها . سيجعل الله بعد عسر يسرا)

يحث الله من يستطيع الانفاق أن ينفق . ولا تكون نفقته بناء على ما يكفي مطلقته . ولكن بناء على ما لديه من مال . ربما ما يكفيها قليل . ولكنك تستطيع أن تمنح أكثر . إذن اعطها فوق حاجتها . سعة من سعة الله . ولو كان المال قليلا فشاركها في بعضه ولا تبخل.

ونهاية الآية بشارة.. لا تكن شحيحا خائفا، لأن الله يجعل من عسرك يسرا.. لا تجعل العسر وضيق الرزق مبررا لامتناعك عن النفقة، ولو كانت قليلة.

ولأن منظومة الأسرة هي العلاقة الأبدية التي لا تخلو الحياة منها.. ولأن خلالها تبين معادن الناس.. فقد وضع الله في نهاية بعض الآيات كلمات صارمة، مثل (وتلك حدود الله . ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) .. أو تنشيط الضمير الجمعي بكلمات مثل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا )

اعقد مقارنة بين آيات سورة الطلاق، التي لا تتجاوز ورقة واحدة من القرآن، وبين سلالم محاكم الأسرة وما تحويه من كوارث، لتعلم مدى إيماننا بالإسلام .. رغم ذيوع بعض مظاهره.

هناك تعليق واحد:

  1. وظلموا الإسلام ما بين رمال صحراء مكة ومصب النهر في الوادي.
    الحقيقة :(

    ردحذف