محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الاثنين، 20 مايو 2013

انتشار الدين.. بين السيف والكلمة

الدين الإسلامي يتميز أنه ليس دينا إقليميا محصورا في منطقة بعينها مثل اليهودية أو البوذية.. لكنه ينتشر عبر مساحة جغرافية واسعة تمتد عبر قارتي افريقيا واسيا، وتخترق عمق أوروبا والأمريكتين.

...
لو أن الإسلام قد انتشر عبر هذه المساحة الضخمة بحد السيف، كما يزعمون، فالأمر يبدو غير معقول .. من أين للمسلمين بجيوش تملك عتادا ورجالا تغزوا قارات العالم الخمسة؟

إلا لو افترضت أن الملائكة كانت تحارب معهم.. أو أن الإسلام امتلك جيشا اسطوريا كأفلام الخيال العلمي لديه أسلحة ليزر ومركبات فضاء تخرج منها كائنات خارقة خضراء لديها عين واحدة مشقوقة.

الغريب أن المنطقة الاسلامية على مدار قرون كانت معرضة للغزو من كافة الثقافات والحضارات.. ورغم احتلالها لعشرات السنوات من قبل التتار والمغول، ثم من قبل الانجليز والفرنسيين والايطاليين والبرتغال، إلا أن النتيجة انتهت إلى أغلبية مسلمة متمثلة في مليار ونصف مسلم يمثلون ربع العالم، و 57 دولة مسلمة عضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي.

والملفت هنا أن تعداد العرب المسلمين لا يجاوز 15% من مجموع مسلمي العالم.. بينما من ينتمون له الناطقين بلغات أجنبية غير عربية يفوقون 85% من تابعيه.

يهيأ لي أنه دين انتشر بالاقتناع، لأن الناس لا تتنازل عن معتقدها بسهولة، ولو اظهرت العكس نتيجة لظروف تاريخية معينة، فسرعان ما تعود إلى أصولها الدينية.

ورغم أن المسلمين عاشوا في أوروبا نحو ثمانية قرون في اسبانيا وفرنسا، ووصلوا إلى قلب النمسا، إلا أن الإسلام هناك لم يتحول إلى أغلبية.. لأن أهل هذه المدائن تعاملوا مع المسلمين على أنهم محتلين غاصبين لأرضهم، ثم خلطوا بين الدين وأصحابه، فاعتبروه دين احتلال وسلب وسلطوية، فكرهوه، وأصروا على مسيحيتهم.

من يظن أن دينا قد ينتشر بالحرب ورصاصات البنادق أو التربص بالسيوف في الخنادق، فهو لم يعرف حركة التايخ، ولم يدرس أعماق النفس البشرية بدقة.

ولما كان ذلك كذلك، فلماذا لم يتحول الناس عن دين الإسلام خاصة وهو يعيش أضعف واسوأ حالالته منذ ما يزيد عن خمسة قرون!

يذكر الدكتور ميلاد حنا في بحثه المتخصص في تاريخ الشخصية المصرية، أن المصريين كي يتحولوا من اللغة القبطية إلى اللغة العربية أخذوا وقتا كبيرا امتد الى ثلاثة أو أربعة قرون (400سنة).. وكي يتحول أغلبهم إلى الإسلام تأخر ذلك إلى خمسة قرون (500سنة) على دخول العرب..

ولم يكن عدد العرب بالشيء الذي يذكر. فقد كان جيشهم 4 آلاف مقاتل، في ظل تعداد سكاني ضخم للمصرين وصل إلى 8 مليون!

وأن الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية يمتلكون نفس التركيبة الأنثروبولوجية ونفس مقاسات الجمجمة ونفس الثقافة وذات اللغة واللهجة.

وهو ما يدل على أنه كان تحولا بطيئا قائما على الاختلاط والمعايشة والانتقال السلس لقناعة الأفراد.

*

ولكن، الأديان أحيانا تحتاج لمن يدافع عنها ولو بالقوة..

المسيحية أوشكت على الفناء عندما عادتها الامبراطورية الرومانية، التي ظلت تقتل المسيحيين المؤمنين ثلاثة قرون، فيما سمى عصر الشهداء.

قصة أصحاب الاخدود في القرآن بالمناسبة تحكي عن المسيحيين المضطهدين الشجعان، الذين صبروا على دينهم، رغم ما لاقوه من تعذيب وظلم.

( أي رقي هذا، أن يهتم الدين بمعاناة أتباع دين سابق، فيثني عليهم ويخلدهم في النص المقدس، كأبطال، واجهوا مصيرهم بإيمان وثقة)

والتحول الرئيس حدث على يد الامبراطور قسطنطين الرابع عندما آمن بالمسيحية، فتبدلت أحوال المسيحين في العالم، وتوقف القتل والظلم، وصار الدين الرسمي في مملكة الأرض لمملكة السماء.

كان هذا في مطلع القرن الرابع الميلادي.. اعتناق قسطنطين للمسيحية أثر بشدة في انتشارها وتحولها من دين سري لدى مجموعة محدودة مضطهدة إلى دين لأكبر امبراطوريات العالم، فصار الانتماء للمسيحية، بذاته، كافيا للترقي في الوظائف الحكومية.

ومن هنا بدأ عصر اضطهاد اليهود في الثقافة الأوروبية! لدرجة أن بعض الفنادق كانت تفخر أنها لا تقدم خدمة لليهود..

دعني أسألك، ماذا لو لم يؤمن الملك، قائد الجند، بالمسيحية.. ماذا كان مصيرها في مساحة التاريخ وحدود الجغرافيا ؟

الرسول محمد في بداية بعثته عندما واجه الإعراض والملاحقة، أرسل أتباعه إلى الحبشة / الصومال ، وقال لهم إن فيها ملكا عادل لا يظلم عنده أحدا..

وكان ملكا مسيحيا..!

الرسول عرف أن عدالة الملك مهمة لحماية تعاليم الدين.. وليس العكس.

حتى اسرائيل عندما أرادت تجميع شتات شملها عبر أصقاع أوروبا بما لاقته من إقصاء وعنصرية، قامت بتشكيل عصابات الهاجاناة المسلحة التي كانت نواه الجيش الذي أقام دولة يهودية.

*

الدين – أي دين – لا ينتشر بالحروب، ولكنه يحتاج للقوة كي يؤمن سبل الدعوة..

وكما قال الله لرسوله (لست عليهم بمسيطر).. و (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

ويجب ملاحظة أن ثمة فرق بين تعاليم الدين المثالية التي تنتقل بالحوار والاقتناع والتبشير، وبين الواقع العملي الذي لا يتصف بتلك المثالية.

وعندما تحاكم التاريخ فيجب أن تضعه في سياقه الكامل حتى تستطيع فهم أحداثه بشكل منطقي ومنصف، بدلا من الاجتزاء الذي يبني نتائج مشوهة غير حقيقية.

 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق