محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الخميس، 9 مايو 2013

أمريكا بين ثورتين

عندما قال الدكتور مصطفى الفقي عام 2010 أن رئيس مصر القادم يأتي بموافقة امريكية ومباركة اسرائيلية.. كانت كلمة صادمة للجميع وأولهم رجال النظام القديم حيث كانوا يعدون جمال للرئاسة.

ولكن الكلمة صادقة لأقصى درجة.. أمريكا موجودة في مصر منذ وقت مبكر جدا.. عندما قامت بريطانيا وفرنسا واسرائيل ضرب مصر عام 56 وقام طيرانهم بمهاجمة الاهداف الحيوية للجيش المصري وتوغلت القوات الاسرائيلية...
داخل سيناء وانهزمنا عسكريا هزيمة كبرى أمام قوات لا طاقة لنا بها ، تدخلت روسيا وأمريكا للضغط على فرنسا وبريطانيا لسحب قواتهم.. بل هددت روسيا بضرب فرنسا بالصواريخ بعيدة المدى.

وانسحبوا في النهاية ليعد ذلك نصرا كبيرا لنظام عبد الناصر رغم أننا نلنا ضررا عسكريا بالغا.

ولم يحدث افتراق بين عبد الناصر والولايات المتحدة الامريكية إلا بعد مشروع السد العالي عندما طالبته أمريكا بسياسات اقليمية معينة تجاه اسرائيل كي تدعمه. ولكنه رفض.

الدكتور جلال أمين له مقال مهم في مجلة الهلال يتحدث فيه عن ثورة 52 وأن الضباط تواصلوا مع السفارة الأمريكية للحصول على موافقة ضمنية قبل قيامها كي تنسق أمريكا مع بريطانيا وتمنع القوات الانجليزية في منطقة القناة كي لا تعارض حركة الجيش ضد الملك. كما فعلت انجلترا من قبل مع عرابي ضد الخديوي توفيق. عندما تدخلت لقمع حركة الجيش ضد القصر.

بل إن سياسات عبد الناصر في قانون الاصلاح الزراعي عام 54 لم تزعج امريكا في شيء؛ حيث أنه قام بتفتيت الملكيات الزراعية الكبرى ووزع خمسة فدادين على صغار المزارعين. وتفتيت الملكية يعد خطوة مهمة في البعد عن السياسات الشيوعية التي تقوم على الملكية الجماعية الكبرى للأرض. وأمريكا هدفها الأول هو محاربة الشيوعية وعدم تمددها في تلك الدول الناشئة.

وكما ذكرنا ساندت امريكا عبد الناصر في العدوان الثلاثي . وكانت بداية الخصومة مع حيلولة امريكا دون حصولنا على صندوق النقد الدولي لبناء السد العالي عندما رهنت القرض بتوجهات سياسية معينة في المنطقة تخص العلاقات مع اسرائيل.

وجرت في النهر مياه كثيرة.. إلى أن جاء السادات وقال كلمته الشهيرة، أمريكا تمسك في يدها 99% من اللعبة.

أقفز مباشرة إلى ثورة 25 يناير، لأن علاقة مبارك بهم أوضح من أن تشرح.

عندنا رجل مهم في العلاقات المصرية الامريكية هو الدكتور سعد الدين ابراهيم رئيس مركز ابن خلدون.. سعد الدين مستشار مهم في البيت الأبيض وحضر كل الحوارات المتعلقة بمصر قبل وبعد الثورة التي جرت في أمريكا.. وهو عراب العلاقات الأمريكية الاخوانية منذ عام 2007.

قال سعد الدين ابراهيم ان الاخوان تتواصل مع أمريكا منذ عدة سنوات.. وبعد الثورة تحديدا زاد التواصل، وكانت هناك وعود وتأكيدات من الاخوان للمسئولين في أمريكا أنهم الأكثر "اعتدالا" وأنهم وحدهم القادرون على الحفاظ على "السلام" في المنطقة ورعاية الاتفاقات الدولية. وبوضوح شديد عدم التعرض بأي أذى أو القيام بأي حماقة تجاه الحدود الشرقية التي تفصلنا عن اسرائيل.

وأن أمريكا ضغطت على المجلس العسكري لتسليم الحكم للمدنيين.. وكان ضغطهم يصب في صالح الإخوان.

لذلك حرص الدكتور مرسي على التأكيد على تبني اقتصاد "السوق" الرأسمالي كأساس لمصر بعد الثورة.. وطبعا أمريكا ترحب بهذا النمط من الانتاج والاستهلاك، وتطمئن له، لأنه امتداد لها بطريقة أو أخرى.

وعندما تعرف أن وفدا اقتصاديا سافر أمريكا ، أرسله الدكتور مرسي ، ليعرب عن رغبته في توسيع العمل باتفاقية الكويز، وهي اتفاقية ثلاثية للتصنيع بين مصر واسرائيل وأمريكا، فيجب ألا تندهش.. وعليك أن تنسى كل الخطاب الحنجوري الأهوج لدغدغة مشاعر الناس الذي كانت تتبناه الاخوان بالهجوم على أمريكا من قبل.

كلمتان تنهيان الأمر.. الاقتصاد والتسليح.

الدكتور مرسي يحكم مصر منذ 300 يوم تقريبا. وحتى الآن لم نرى له مشروعا واضحا في الإدارة والحكم.. ضاع الشيء الخرافي المسمى مشروع النهضة ولم يتعب مرسي نفسه في وضع خطة بديلة للتنمية والتطوير. وصار يمشي على خطا الانظمة السابقة.. ابقاء الوضع على ما هو عليه مع اللجوء لسد العجز بالاقتراض من الخارج .. وخليها على الله.

والاقتراض يكون من الخليج أو من المؤسسات الدولية الغربية.. وكلاهما أذرع أمريكية بعيدة المدى.

أما الجيش فهو يتلقى سنويا 7 مليارات جنيه للدعم.. والفريق السيسي مع كامل تقديرنا للرجل فهو يتلقى تعليماته من وزارة الدفاع الأمريكية وليس من القيادة السياسية في مصر.

إنه الزمن الأمريكي يا سادة.. لذلك يحاول السلفيون الآن التواصل مع أمريكا عساهم يجدوا لأنفسهم مكانا على خريطتهم.. ولينسى الجميع خطابات التحرر والاستقلال الوطني والمقاومة.. فالاحتلال الآن لا يتم بالجيوش ولكن بالدولار.. ومن خلال الأغبياء الذين يحكمون أوطانهم بلا رؤية.

أمريكا لا تخاف من الذين يصلون الفجر.. بل قد تشجعهم على التقوى.. أمريكا تخاف فقط من الذين يفكرون.

ويوما يولد من يلبس الدرع كاملة . يوقد النار شاملة . يطلب الثأر . يستولد الحق . من أضلع المستحيل .. كما قال الراحل أمل دنقل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق