محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الخميس، 16 مايو 2013

أبو حنيفة واللاب توب والإعلان العالمي لحقوق الانسان

قاعد أجهز لمقال , وباستخدم 2 لاب توب , واحد صغير بكتب عليه والتاني كبير للبحث , ومعايا CDs تحوي مكتبات ضخمة لآلاف كتب الفقه والحديث والسير , وعن يميني مكتبتي الورقية التي تحوي بضع مئات من الكتب المنقحة , والشيخ جوجل جزاه الله خيرا بيساعد برضو .

الفقهاء القدامى كان الواحد منهم يسافر لشهور للحصول على حديث أو ورقة أو مخطوطة .. كان الحصول ...
على حبر وصحائف في حد ذاته انجاز كبير , فالناس كانت تكتب على الصخور وعلى جريد النخل .. لو ان ابا حنيفة استيقظ الان ووجدني اكتب بتلك الدقة وتحت يدي مراجع وعلوم وطرق بحث حديثة , و أجلس على منضدة مستوية واتناول القهوة الامريكية , لنفض كل علومه وبدأ في التعلم من جديد .

الامام الشافعي لمجرد أنه سافر من العراق الى مصر , قام بتغيير فتاويه والكثير من آرائه حتى صار له مذهبان , رغم ان العراق ومصر متقاربان في المكان والحضارة , والشافعي حياته كلها كانت 50 سنة , فهو لم يعش لبضعة قرون ليرى تلك التغيرات التي يصعب استيعابها .

احنا عايشين في زمن واحد ومش قادرين نفهم كل حاجة عن العلوم والاقتصاد والشركات الدولية وثورة الاتصالات فما بالك بمن كان يعيش منذ اكثر من الف سنة ؟؟

لماذا نحتقر انفسنا ونصر على علم الاسلاف - رغم عظمتهم - ولا ننهض لنصنع علما موازيا حداثيا يستلهم مقاصد الاسلام ويواكب روح العصر ؟؟ الارتداد الى الماضي في كل شيء هو اكبر دليل على الانهزام والفرار من المسئولية . بعض دول شرق اسيا الاسلامية مثل اندونيسيا وماليزيا اثناء نهضتها ادركت انه من دون نهضة في الفكر الاسلامي فلا نهضة في الفكر الحديث .. فمنعت تدريس اي كتاب فقه يزيد عمره عن مئة عام , وألزمت المشايخ وعلماء الدين بالتجديد والتأليف والكتابة والابتكار في أمور الحياة بدلا من العيش في أضابير الماضي .

يجب أن نأخذ من الماضي المقاصد والاحكام والاهداف الكلية والنصوص المؤكدة .. ثم نعيد تطبيقها وانزالها على الوقائع الحالية بانعزال عن هذا الماضي .

هناك باب كامل في الفقه الاسلامي يتعلق بوظيفة "السقا" وهو الرجل الذي يحمل قربة من الجلد على ظهره ليبيع الماء , مات السقا وصارت هناك محطات ضخ وتحلية مياه , دعوا السقا الى حال سبيله ويكون الحديث عنه من باب التاريخ المنضوي , فلا نريد أن نجعل السقا هو المفتي الذي يقود عصر منشآت البنية التحتية من سدود ومصارف ومحطات .

*

لا نريد أن نقول ( إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على أثارهم مهتدون ) فتلك مقولة الذي كفروا وضلوا ضلالا بعيدا .. وكان رد أنبياء الله عليهم ( أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه أباءكم ! ) , فكان الصراع بين التقليد والحداثة هو الصراع بين الحق والباطل , والحق كان هو الأحدث .

*

الاسلام لا يقصد تلك التفاصيل بل هي بنت زمانها تعيش معه وتموت بموته , ولذلك يجب عبورها سريعا والتعاطي مع ما يجد عليها .. وكلامي هذا ليس بدعا من الخلق فلقد ردده الشيخ "محمود شلتوت" في كتبه , وأكد أن الاسلام هو خطوط عريضة تحمي حياة الانسان وتنظم علاقته بالمجتمع وتهديه من العبثية وفساد الاخلاق وتحض على العدل والتكافل والتراحم والاصلاح وتنهى عن الظلم بكل صوره , وما دون ذلك من تفصيلات فهي أمور مؤقتة دخيلة على الفقه الاسلامي الذي يجب أن يغير ثوبه كل فترة .

وأكد على ذلك العالم الجليل الشيخ "عبد المعطي بيومي" رحمه الله , وقال أن أي نظام يحقق العدل والرفاهية والانضباط فهو نظام اسلامي بغض النظر عن المسميات .. علماني / يساري / ليبرالي / قومي .. الخ . فلا مشاحة في الاصطلاحات انما النتائج المتحققة من خلف هذه الانظمة هو المهم .

والدكتور "علي جمعة" مفتي مصر , كتب عدة مقالات في هذا الشأن , وقال أن الليبرالية بمفهومها الحديث القائم على حرية الفكر والمساواة بين البشر والإعلاء من شأن حقوق الانسان لا تمس الدين في شيء بل تتفق مع كثير من أحكامه .

وحينما جلس عرابي ومحمود سامي البارودي مع الشيخ محمد عبده يتشاورون في النظام السياسي الامثل لمصر , هل تظل ملكية أم تتحول الى جمهورية , تحدث الامام محمد عبده عن النظام السياسي " الامثل" الذي يحقق مصلحة البلاد والعباد , ولم يقحم مصطلحات مثل الدولة الاسلامية أو الخلافة , لأنه يدرك أن الاسلام لا ينص على نموذج بعينه , إنما يتصالح مع أي نموذج يحقق العدل والرفاهية وينهى عن الظلم والقهر .

وبمراجعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ببنوده الثلاثين - كما تقول الدكتور فوزية العشماوي رئيس قسم الدراسات الاسلامية بجامعة جنيف - والذي اجتمعت ثقافات العالم كله لوضعه , تجده يتفق مع روح الاسلام في 27 مادة , بينما الخلاف في ثلاثة مواد فقط . مما يدل على أننا قريبين جدا من منتجات الثقافة العالمية الحديثة وأن مقدار الاتفاق كبير جد والخصومة هامشية .

*

نحن نعيش خصومة وهمية مع أنفسنا ومع التاريخ ومع الحضارة الحديثة , ونضيع الوقت في مهاترات ساذجة , وننصرف عن الطرق الرئيسية الكبرى الى الأذقة الداخلية المعتمة , وتركنا عبادة الله إلى عبادة الأسلاف , وبدلا من أن كانت وصايا الدين تحمي الانسان من الظلم والقهر والفساد والانحطاط السلوكي , صارت طقوس مفرغة ومظاهر ساذجة وجدل بيزنطي عقيم .

والغريب أن كلمة " سلف " لم ترد في القرآن سوى مرة واحدة من باب الذم , في الآية 56 من سورة الزخرف ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم مثلا .وسلفًا. للآخرين ) .. فلماذا نصر على الاستمساك بكلمة جعلها الله عنوانا لقوم هالكين ثم نضعها نحن شعارا للإسلام ؟؟! لازلت مندهش .

..............
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق