محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الاثنين، 20 مايو 2013

ابدأوهم بالسلام

في رواية البخاري عن عائشة.. أن اليهود كانوا إذا مروا بالرسول قالوا، السام عليكم.. يحرفون الكلمة ويضغموها فلا يسمعها الرسول.. لا يسلمون ولكن يدعون عليه بالموت والسأم.
 
فغضبت عائشة لزوجها، وردت عليهم بقسوة.. قالت:

لعنكم الله، وغضب عليكم..

نهاها الرسول عما فعلت.. وقال،

"يا عائشة، عليك بالرفق.. وإياك والعنف. أو الفحش."

تخيل.. يهود كارهون متطاولون مستهزئون، لا يحسنون الجوار، ولا يحترمون الرسول، حتى على المستوى الإنساني. ورغم ذلك، لم يكن مبررا أن يسمح لزوجته أن ترد عليهم بمثل ما فعلوه.

ثم أوصاها بالرفق.. والبعد عن العنف والفحش. حتى مع عدو، قليل التهذب!

لو أن الرفق هو وصية الرسول في معاملة مخالف في العقيدة، قليل الأدب.. فكيف تكون المعاملة لو كان مهذبا؟ هل هناك شيء يفوق الرفق!


(ملحوظة، الرسول ترك زوجته تدافع عنه، ولم يأنف من ذلك أو يقول "الستات عندنا ملهاش كلمة". فقط أوصاها بالرفق ونهاها عن الفحش..

أيضا كيف لعائشة أن تسمع من يسلمون على الرسول.. هل كانت معه في مجلس عام منفتح ومختلط يراه الناس ويمرون به؟ شيء أشبه بندوة أو اجتماع أو حلقة نقاش؟ فقط أحاول أن أستوعب الظرف الإنساني فيما خلف النص المكتوب.)

*
على نقيض ذلك لدينا حديث رواه الإمام مسلم عن سهيل، أنه قال، لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وألجئوهم إلى أضيق الطرقات..

وللحديث روايات عدة بألفاظ مختلفة. وفي رواية سفيان الثوري، لا تبدأوا اليهود.

حديث سهيل رواه الإمام مسلم في نهاية الباب.. ومسلم في منهجه يروي لأهل الحفظ والاتقان في بداية الباب ثم يترك المختلف في لفظه لآخر الباب.

وأول الباب أورد مسلم حديثي عائشة وأنس في رد السلام، بمعنى أنهما أعلى سندا ومتنا من حديث سهيل.

ولكن روى جهينة أن هذا الحديث له سبب خاص، عندما خانت يهود بني قريظة العهد مع الرسول وتخلوا عن الدفاع عن المدينة عند حصار الأحزاب، وتواطأوا مع مشركي مكة لصنع كماشة توشك على القضاء على الرسول وصحبه.. الكفار من الخارج واليهود من الداخل.

ولما انكشفت الغمامة وزال الخطر، أمهلم الرسول يوما، وقال لصحابته، لا تبدأوهم بالسلام وألجئوهم إلى أضيق الطرقات، فإني سأسير لهم غدا.

وهنا تتضح الرواية.. الرسول منعهم من مسالمتهم ومصافحتهم لأنهم نقضوا العهد وارتكبوا خيانة كبرى هددت المؤمنين. وبذلك يتم تفسر الرواية في خصوصيتها التاريخية.

يدعم ذلك أنه في الصحيح، عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا سأل الرسول أي الإسلام خير.. فقال،

"أن تطعم الطعام .. وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.."

إذن فالسلام واجب على المسلم على كل من يلقاه، سواء عرفه أم لم يعرفه، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون.

وباتفاق الفقهاء أن من أعمال البر الكبرى في الإسلام هي إطعام الطعام، دون تقيد بدين متلقي الطعام.. والرسول قال أنه في كل كبد رطب صدقة.. مسلم أو كتابي أو كافر.. انسان أو حيوان.. حماية النفس وإكرامها وسداد حاجتها أمر شامل في الإسلام.

وللاسف انقلبت الآية وصارت كل منظمات الاغاثة الدولية منظمات غير مستندة لأرضية إسلامية، بينما صارت أفقر شعوب العالم التي تتلقى المعونات هي الشعوب المسلمة..

يا حسرة على العباد ! ثم يريدون عداء الآخر، بينما نحن من نتسول منه الطعام والدواء والسلاح..

*
كان أول ما قاله الرسول عندما دخل المدينة، كما روى عبد الله بن سلام، أنه قال:

"يا أيها الناس، أفشوا السلام.."

الخطاب عام مبدوء بـ ، يا أيها الناس .. والمدينة كانت تحوي المسلمين واليهود. والرسول لم يخصص. فالسلام من الجميع للجميع.. وهذا دليل على جودة إسلام المرء.

وهذا ما ذهب له الطبري، وما يوافق ظاهر القرآن، عندما تحدث عن العلاقة مع المشركين المعرضين.. (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)

وفي سورة الزخرف.. (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون . فاصفح عنهم وقل سلام)

أي تجاوز عن أفعالهم السيئة وقل سلام عليكم.

الآية تضع الطريقة التي يتعامل بها المؤمنون مع غير المؤمنين المعرضين ، أن يكون بالصفح والقول اللين بإلقاء السلام.. دون غلظة أو عداوة أو خشونة أو بذاءة.

هل منهجنا مع المخالفين يقوم على آيات القرآن (اصفح عنهم وقل سلام) !

هل نقرأ القرآن.. هل آمنا به ! العفو والمسالمة مع الكفار المعرضين هي وصية الله لعباده المؤمنين.. فهل نطبقها حتى مع المسلمين المخالفين؟

وكان الصحابي أبو أمامة، إذا مر على مسلم أو نصراني أو يهودي يبدأه بالسلام، ويقول، أوصانا رسول الله بإلقاء السلام..

وعلاقتنا بالكفار غير المحاربين وضعتها آية سورة الممتحنة.. والتي أكدت على البر والقسط.. والبر هو الوفاء والعشرة الطيبة والرقة.. والقسط هو العدل.. وكلمة البر استخدمها الله في القرآن مرات قليلة منها في معاملة الوالدين.

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) .. فقط لا يقاتلونا ولا يطردونا من بيوتنا..

*
من القصص المثيرة المسكوت عنها، رغم ثبوتها، كما روى الهيثمي، أن بنت الرسول، زينب، كانت متزوجة من مشرك، أبو العاص ابن الربيع، لم يدخل الإسلام عندما بعث الرسول.. ففرق الرسول بينهما.

واشترك ابو العاص في حرب مع قريش ضد حماه، ووقع في أسر المسلمين، فعلمت زوجته، بنت الرسول، فبعثت سرا بعقد لأمها خديجة كي تفتديه وتحرره من أسره..

ولما أن رأى الرسول العقد في المغانم عرفه.. وعرف القصة.. فاستأذن الصحابة أن يتركوه ويعيدوا العقد لابنته!

يا إلاهي.. بنت الرسول، تدافع عن زوجها، الكافر، الذي خرج لمحاربة أبيها النبي..

الأمر مؤثر للغاية.. وإنساني لأقصى درجة.. والرسول يتجاوز عنه رحمة بابنته.. يا ربي الرحيم. نبضات قلبي وصلت لحدها الأقصى من الانفعال.

الرسول يقر أن العلاقات الانسانية من حنان ومودة وحب قد تتجاوز الخصومة العقائدية.. بنت الرسول المسلمة، تشفع في زوجها الكافر!

*
نهاية الأمر، أننا من نشوه الدين بأيدينا، وذلك بالجهل والسطحية والاجتزاء والرغبة في كراهية الجميع بوازع ديني.. وترك الكليات والأصول والمقاصد والعموميات، ونتمسك بالفروع والجزئيات والمتغيرات التاريخية التي ذهب زمانها.. ثم نستنكرلماذا يكرهونا..

خطابنا الحضاري هو من يعطيهم الفرصة سانحة كي يصنعوا منا عدوا حضاريا للبشرية، ويبرروا الاحتلال والقتل بدعوى نشر المدنية ضد الهمجيين العرب المسلمين.

فقط أتساءل، هل من الممكن ألا نبدا النصارى بالسلام، بينما نتسول منهم 5 مليار دولار من البنك الدولي.. ونقبل يد السيدة كاثرين أشتون، مفوضة الاتحاد الأوروبي، من أجل 5 مليار يورو.. ونلعق حذاء أمريكا من أجل مليار دولار معونات.. ويذهب لهم الرئيس ليعلن أنهم أصدقاء.. ويسعى لهم السلفيون بوصفها زيارة "دعوية" !

السياسة تكشف الجميع، ولكن يجب إزالة حالة الازدواجية التي تقبع في وجدان المجتمع المسلم ليكون أكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر.

 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق