محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الاثنين، 9 سبتمبر 2013

ماذا حدث للمصريين


بعد أن هزمت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وتم احتلالها وتفكيك جيشها، جلس بعض الخبراء لمراجعة ما حدث.. لماذا حدث.. هل كان ينقصهم الديمقراطية مثلا؟ فاكتشفوا أن هتلر قد وصل الى الحكم بطريقة ديمقراطية شفافة قائمة على صندوق اقتراع نزيه.. وهنا أدركوا أن ما ينقص الألمان ليس الديمقراطية، ولكن الوعي الديمقراطي.. المعرفة القوية، حتى لا ينخدع الشعب مرة أخرى في خطابات عاطفية تحرك الدهماء، ودعاوى امتياز عرقي جوفاء.

وانا اقرأ في تكوين الحركات الاسلامية في أوائل السبعينات في مصر. سواء الدعوية أو المسلحة، والتي تدعو للجهاد كفريضة غائبة يؤدي استعادتها الى استنقاذ أحوال الأمة من الضعف والتخلف. أجد أن هناك حالة خواء اجتماعي وثقافي كاملين، ما جعل تلك الأفكار الهشة وهذا الخطاب المفكك ينتشر انتشار النار في العشب الجاف.

الدولة في عهد السادات، لا شك، ارتكبت خطيئة كبرى عندما تركت مساحة شاغرة داخل الجامعات المصرية لهؤلاء تحت زعم ضرب التيار الناصري واليسار عموما. حتى أن الجماعة الاسلامية كانت تنشئ فعاليتها تحت رعاية رسمية من ادارات الجامعة. ومنها انبثقت الجماعة الاسلامية المسلحة التي قادها كرم زهدي فيما بعد.

لكن الفراغ الثقافي والمعرفي سمحا لأي داعية أن يجد جمهورا كبيرا مؤمنا لديه ما يكفي من الجهل ما يجعله مندفعا دون بحث جاد عن الحق.

ما الذي حدث..؟

لازال إيماني أن مصر فيها حركة تنوير وثقافة حديثة قوية بدأت منذ قرنين من الزمن، منذ أن قرر محمد علي ابتعاث طلاب الازهر إلى فرنسا لتلقي العلوم الحديثة والتواصل مع الثقافة الغربية وتعريبها ونقلها الى مصر. وامتدت روافد تلك الحركة حتى تجلت في تنوير ديني قاده أمثال الامام محمد عبده، وحركة تعليم قوية تمثلت أحمد لطفي السيد، وأدباتي سليط اللسان مثل عبد الله النديم، وجذر وطني ينادي بالحرية مثل مصطفى كامل، وما تمخض عنه انشاء الوفد المفاوض على الجلاء..

هذه الفترة انتجت تراث مصر الحديث الحقيقي وقوتها الصلبة في الثقافة والسياسة والفنون. وهي ما جعلت افكارا جديدة تظهر، كأن يكتب الشيخ علي عبد الرازق لأول مرة في نقد نظام الحكم في الإسلام. ما أهال عليه عاصفة كبرى. وما جعل طه حسين يراجع التراث العربي كاملا في كتابه الشعر الجاهلي. وإن كان متأثرا بمدرسة المستشرقين، وهو ما راجعه فيما بعد وعدل عنه في كتابات أخرى اكثر نضوجا. لكن كانت هناك حركة ابداعية كبرى ومساحة متسعة من الحرية الفكرية والنقاش والجدل والأخذ والرد، حتى كتب احدهم كتابا، لماذا أنا ملحد. فيرد عليه آخر بكل بساطة بكتاب، لماذا أنا مؤمن (!)

تلك الحرية هي التي جعلت رجلا يقف أمام الرسول، وبكل تبجح يتهمه في عدالته في توزيع الأنصباء على مستحقيها. فيقول ما هذه قسمة أريد بها وجه الله. ويهم الصحابة بالاعتداء عليه فيمنعهم الرسول. ويرد عليه بكل حياد، ومن يعدل إن لم أعدل."رواية مسلم". ويقف رجل آخر. صحابي. ويقول دون مواربه أو إخفاء لمشاعره، إني اكره علي.. علي بن أبي طالب ربيب الرسول وزوج ابنته والمبشر بالجنة. ظنا منه أن عليا يأخذ فيئا أكثر من حقه. فيرد الرسول بكل هدوء ويبين للرجل، والله إنه يستحق أكثر من ذلك. ولم يتعقبه باللوم لأنه صرح بكراهية رجل مبشر بالجنة."رواية البخاري".

هل ضعفت تلك الحركة التنويرية في مصر؟؟ أم أنها موجودة لكنها مبعثرة؟؟ أم أنها وقعت في فخ النخبوية فصارت أطرافا بلا جذور. وورقا بلا ساق تحملها؟؟ ربما الإجابة هي كل ما سبق.

أيضا، انسحاب الدولة أن تكون صاحبة رأي ورؤية ومؤسسات قوية فاعلة منتشرة ومؤثرة.. وتكاسل المثقفين المستنيرين عن أداء دورهم الاجتماعي.. وتنامي طبقة رأسمالية منفصمة عن الواقع رسخت لفكرة الكمبوند. المستوحاه من فكرة الجيتو القديمة. فنمت حوائط غليظة بينهم وبين الناس ما سمح للأحقاد الاجتماعية والكراهية أن يسيطرا على نفوس الكثيرين. وازدياد حالة الإحباط ما يجعل الموت هو المخلص من كل هذا العنت.

عبد الناصر كان لديه مشروع حقيقي يدور حول التصنيع والسيادة الوطنية والموقف الدولي. لكن الناس لم تؤمن به بشكل كامل. فرض عليهم بشكل فوقي دون أن يهتم النظام أن يقنع الناس به. كما قال محمود أمين العالم. لذلك مات المشروع بموت صاحبه، وبدأنا عصر الانفتاح والخصخصة واقتصاديات السوق وانسحاب الدولة فلم يعترض أحد. بل لم يدافع الناس عن مشروعهم.

لست ميالا لإلقاء العبئ بشكل كامل على فكرة الفقر.. وإن كان ضروريا، ربما المدرسة الماركسية تفسر كل شيء بوصفه صراعا طبقيا، ديلكاتيك "جدل" بين الأضداد. المشكلة الرئيسية، كما أراها، في التعليم والمعرفة. أولا. ثم الشعور العام بالإحباط. وفقدان الانتماء. وغياب الدولة. وتراجع الحراك الثقافي.

الكثير من هذه الحركات المتطرفة وجدت مريديها في خريجي الجامعة المصرية وأبناء الطبقة الوسطى.. يحيى هاشم أحد مؤسسي الجهاد في نهاية الستينات كان وكيلا للنيابة. سالم رحال قيادي مؤسس، فلسطيني تلقى تعليمه الجامعي هنا في الازهر الشريف، بل حصل على الماجستير.. عصام القمري ومحمد عبد السلام فرج كانا ضابطين بالجيش المصري.

مركز بصيرة لبحوث الرأي العام منذ أيام كان يقيم مسحا حول دور المرأة في الحياة العامة. وعدد الوزيرات في مجلس الوزراء. وهل يكفي ثلاث وزيرات بين ثلاثين وزارة. أي عشرة بالماءة, بينما المرأة المصرية تعول اربعين بالماءة من الاسر، ما لا يتناسب ووزنها الاجتماعي والاقتصادي. وكانت النتائج مخيبة. بل كانت النساء هن الأكثر ذكورية وتعصبا من الرجال أنفسهم.

والفاجعة أن الردود لم تختلف بين شريحة المتعلمين والأميين والجهلاء.

ما يدل على أن التعليم في مصر لا يمثل أي قيمة مضافة لدى المنتسبين له عبر أكثر من 16 سنة من حياة الفرد. وتلك هي الكارثة التي يجب التنبه لها. 

 


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK


 


الصفحة الرسمية

 

https://www.facebook.com/M.ELDWIK






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق