محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الأحد، 25 أغسطس 2013

لمصلحة من..؟


 

لمصلحة من ما يحدث ؟ هل هو مخطط منهم ؟ أم غباء منا ؟ ذات الخطط القديمة يعاد تكرارها وتنجح كل مرة ولا أحد يتعلم.. تفتيت المفتت وتقسيم المقسم.. سايكس بيكو جديدة.. قسموا الخليج إلى إمارات وممالك وكذلك الشام ومنطقة الهلال الخصيب إلى دويلات. والخطة الجديدة إعادة تفتيت كل وطن إلى أوطان. والشعب إلى شعبين وثلاثة..

غزة تنفصل عن رام الله.. لم تعد قضية فلسطين بل قضية الصراع... بين الضفة والقطاع.. فتح وحماس.. حماس تصعد للسلطة بالانتخابات ثم تركل السلم بقدمها كي لا يصعد احد بعدها.. منذ 2006 بعد فوز حماس في الانتخابات ومن بعدها لم تحصل انتخابات ثانية على مر اكثر من سبع سنين.. ثم الجديد صراع داخل غزة بين سلفيين متشددين وبين حماس.. الحركات السلفية تشكو التعامل الأمني القاسي من سلطة حماس واعتقالات ومداهمات أمنية. بل تقتل قائدهم عبد اللطيف موسى وتقصف مسجد ابن تيمية بالصواريخ! اسرائيل تركت غزة في عهد رابين وهي مرتاحة.. الفلسطينيون مقسمون وكلها مزايدات. حماس تزايد على فتح . ثم أنصار الشريعة وجند الإسلام تزايد على حماس.. واسرائيل تقضي شهر عسل. والكل يبحث عن هدنة معها.

حماس ترعى هدنة مع اسرائيل لوقف اطلاق النار.. مبدأ جديد لم يكن في أدبياتها الجهادية السابقة.. لكن حماس منهكة بعد الرصاص المصبوب في 2008 و 2012. غزة أعلى كثافة سكانية في العالم. حيث طلقة الرصاص تقتل رجلين. والقنبلة تدمر أكبر مساحة مرسومة لها. اسرائيل تحفظ طرق غزة فهي التي انشأتها قبل أن تنسحب منها في عهد اسحاق رابين في التسعينات.. رابين كان مؤمن بالسلام "هكذا يبدو" إلا أنه مات على يد متطرف يهودي اتهمه بالتسيب والتفريط.

تلك كانت المرة الوحيدة بالمناسبة التي سافر فيها حسني مبارك إلى اسرائيل. لقضاء واجب العزاء ثم العودة في نفس اليوم دون مبيت.

تونس، شهدت انقساما اسلاميا مماثلا وإن كان أقل حدة .. بعد الانقسام العلماني الإسلامي، انقسام اسلامي اسلامي.. الحركات السلفية تتهم النهضة الاخوانية بالتفريط في المشروع الإسلامي.. بعضهم يحمل سلاح والجيش يطاردهم.. ثم اللجوء إلى ملف الاغتيالات الذي لم ينته عند شكري بلعيد، بل مؤخرا يغتال محمد البراهيمي. ووزير داخلية الترويكا الحاكمة يسارع بالصاق التهمة بالسلفيين.

لن أمتد إلى العالم الإسلامي الكبير الذي يعاني ذات المشاكل.. اقتصاد متخلف. ديمقراطية هزيلة. تطرف ديني. مجتمع ضائع.. نواز شريف ينجح في باكستان ويحاول التفاوض مع حركة طالبان لوقف العنف. لكنهم يطلبون شروطا مجحفة لإقامة وهم الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة.. ومؤخرا يفجرون السجون لإخراج معتقليهم الإرهابيين.. الأمر تطور، كانوا قديما يفجرون المساجد، ويقتلون المصلين لنصرة الدين (!)

وفي بنجلادش الدولة الإسلامية المنفصلة عن باكستان في السبعينات . الدولة الفقيرة التي شهدت تنمية بشرية واقتصادية ملحوظة منذ الثمانينات على إثر تجربة العبقري محمد يونس الحائز على نوبل في الاقتصاد لتجربته في بنك الفقر.. أيضا تشهد مدا إرهابيا كبيرا، يتنكر لفكرة الدولة والتنمية وتحديات العصر وضرورات الحداثة ومصطلحات عالم جديد، لتصير متطلباتهم تدور حول النقاب وقطع يد السارق وغلق التلفزيونات.

العراق كانت أيام الديكتاتور المهووس صدام، لديها أفضل تأمين صحي في العالم. وأفضل شبكة صرف صحي. وأكبر جيش بالمنطقة.. تورط في حروب حمقاء مع ايران ومع الكويت.. ثم جاء الاحتلال. فضاعت واحدة من أقوى وأعرق دول العرب. التي خرج منها الفقه الإسلامي وتراث اللغة والفلسفة.

وقبل أن ترحل أمريكا تأكدت أنها زرعت ما يضمن بقاء العراق بلدا ممزقا ضائعا متصارعا، كي لا يعيد انتاج حضارته ويعوض ما فاته لتقف العراق الدولة النفطية الكبرى كقوة عربية مسلمة تجابه الظلم والامبريالية. تركت أمريكا وراءها الفتنة الطائفية والتقسيم العرقي.. تحالفت مع الشيعة. رغم خلافها معهم في ايران.. لكنها فعلت ذلك لأن الشيعة أقلية، فبذلك تدعم فرقة ضعيفة كي تشتد شوكتها ضد عدوها السني. في نفس الوقت لبذر الكراهية في قلوب السنة تجاه الأقلية الشيعية. وتبدأ حربا لا تنتهي. والكل يخسر عدا أمريكا والشيطان وشركات النفط وتجار السلاح.

في شهر يوليو فقط حصيلة قتلى العنف الطائفي في العراق 1000 انسان ! لن نحتاج إلى احتلال يقتلنا.. نحن نوفر عليه الجهد والمال ونفعل ذلك ببراعة شديدة.. عندما تحض تابعيك على تكفير الآخر واتهامه عقائديا وتصفية الخلافات الدينية هنا في الدنيا وكأن الله فوضك بديلا عن حساب الآخرة. فالنتيجة تكون مذبحة. انثر الكراهية تحصد القتل.

وسوريا التي خضعت لحكم ديكتاتوري اربعين سنة دخلت دائرة التفكك.. جيش حر ضد جيش نظامي.. ثم انقسام داخل الجيش الحر ليخرج منه فصيل متطرف يدعو لدولة اسلامية تقيم أنقاض الشريعة، وتدعو لإمارة مستقلة داخل وطن تائه. فيترك الجيش الحر معركته قليلا مع النظام لتصفية المتمردين عنه.. وهكذا..

لمصلحة من يتم استحضار الدين للمزيد من التقسيم وبث الطائفية والنزاع العقيدي بين دولة واحدة و وطن واحد. تم تقسيمه منذ عقود..؟

وترحل سوريا وطن وجيش وشعب .. لتنفرط حبة أخرى في العقد المرصوص..

إلى جوار ذلك بلد صغير اسمه لبنان.. عانى حربا أهلية ربع قرن، منذ منتصف السبعينات وحتى أوائل التسعينات، لم تنته إلا بقدوم مليونير ذكي هو رفيق الحريري. حزب الله الوحيد الذي استطاع الحاق هزائم واضحة بجيش الاحتلال الاسرائيلي في الربع قرن الأخيرة يتم استنزافه في قتال في سوريا، ثم يتم إدراجه على قوائم الإرهاب الدولي، وهو ما أدى لتداعيات سيئة داخل لبنان.

أمريكا لديها ورقتان واضحتان تلعب بهما دوليا لتبرير التدخل المسلح لدولة ما.. الحرب على الإرهاب، وحماية الأقليات الدينية.. طبعا لا تلجأ لهما إلا وفق ما يتراءى لها ملائما.. فهي تركت الصومال يتحلل خمس سنين قبل التدخل.. وتركت جرائم حرب في البوسنة مات على إثرها ملايين المسلمين . وتغض الطرف عن مسلمي الروهينجا في بورما. ومسلمي اقليم سينغ يانغ في الصين.. لأنه ليس لديها مصالح مشتركة هناك.

أمريكا تسمح بتنامي هامش تطرف ديني (ربما تشجع عليه) في بعض الدول المتخلفة حتى لو استدعت مصالحها التدخل فيها تجد غطاء دولي لما تقوم به. ذات الأمر مع الأقليات الدينية.

الأمر قديم ومتكرر حتى صار مملا، لكننا كالأحمق الذي يقع في الشرك المنصوب ألف مرة.. بريطانيا عندما جاءت إلى مصر عام 1882 كان أحد أسبابها المعلنة حماية الأقليات الدينية.. وفي ثورة 19 أدركت الروح الوطنية المصرية تلك التكئة، فصرح الأنبا كيرلوس الخامس، لو جاءت بريطانيا لحماية المسيحيين، ليمت المسيحيون ولتعش مصر.

كذلك فعل عبد الناصر في الستينات عندما اقتطع من ميزانية الدولة ارضا وأموالا ومنحها لكيرولس السادس حتى ينشئ الكتدرائية المصرية العظيمة التي صارت مركزا للأرثوذوكسية في منطقة الشرق، وكانت تتبعها الكنيسة المركزية في أثيوبيا، وفي الافتتاح حضر عبد الناصر بنفسه وكان إلى جواره آخر امبراطور افريقي هيلاسيلاسي.

شرحت في مقال سابق أن أعداء الرسول في المدينة أرادوا شق الصف فلم يستطعيوا، لأن الله ألف بين القلوب، ومحمد القائد استوعب الجميع تحت عباءة "أمة من الناس" وذوب القبلية والتراشق الديني وترك مساحة من الحريات العقيدية والشخصية ليتحرك الجميع في سعة من أمره. وجعل حق النقد مكفول في حق الجميع حتى في حق الرسول. وسعى لبناء علاقات اجتماعية قوية قبل أن يهتم بإنشاء دولة. فالمجتمع الذي يهتم بقيم انسانية / دينية مثل التراحم والتكافل والعفو والصدق والعدالة والعمل الجاد والمساواة هو الذي يصد أي مؤامرة أو استهداف خارجي.

هؤلاء الذين أرادوا شق الصف أقاموا مسجدا، يستقطبوا فيه جماعة من المسلمين وخطوة خطوة يصير الشعب الواحد شعبان. ثم تنشأ عداوات. وتراشق. ومزايدة دينية. واتهام ابناء كل مسجد أبناء المسجد الثاني أنهم أقل ايمانا.. وهنا تنشأ الحرب الأكثر شراسة لأن كل طرف يظن أن الله قد فوضه لينتصر لشريعته على الأرض. والله يلعن كل سافك للدم وكل من أثار الفتن.. والفتنة أشد من القتل كما قال الله.. فبعض المشايخ الذين يحوزون مهابة عظيمة لدى ألاف التابعين يرتكب أفحش الجرائم بسبب جهلهم بتحديات الواقع والأولويات وعدم نفاذهم لروح الدين.

نحن نعطيهم أكبر فرصة عن طريق نشر التطرف الديني وبث الكراهية والصراع الداخلي سواء كصراع ديني مباشر أو صراع سياسي ذو مظاهر دينية.

ومصر تكاد تكون النقطة الأخيرة الصامدة بجيش صلب لم يتورط في أي حروب داخلية أو خارجية خلال اربعين سنة.. وبشعب نهشه الفقر والأمية والجهالة والتعصب. إلا أنه لم ينزلق بعد إلى صراع أهلي مخيف.. الشعب المجاور للنهر منذ القدم ينتظر الفيضان ليزرع وينتظر الدولة المركزية لتوزع حصص الماء.

أرجوكم لا تضيعوا مصر..

 
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي



 

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية


 

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق