محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

السبت، 17 أغسطس 2013

عن شيء اسمه الاسلام

(وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف) الأنفال 63.

كان أكبر تجلي لمعجزات الرب التي ألقاها على محمد والرجال من حوله أن تلاقت القلوب في مساحة من الحب والمؤالفة ونبذ الضغينة والأحقاد والاقتتال. عاش الرسول بين مهاجرين وأنصار. وبين قبائل الأوس والخزرج المتناحرة. 23 سنة دون حادثة قتال عرقي أو قبلي أو بسبب تضارب المصالح أو الثأر أو الانتقام.. وانتقلت تلك الحياة السلسلة من بعده أكثر من 35 سنة. ...قبل أن تنشأ أحداث الفتنة الكبرى.

خمسون عاما من الزمن دون قتال داخلي.. هدنة من الحرب المشتعلة والتي كانت ولازالت الأصل في الحياة.

في مصر الآن حادث بسيط في الموسكي يموت فيه 13 . ومشاجرة في الصعيد يموت فيها 9. وأخرى في القليوبية تنشأ لخلاف على بقرة فيقتلون ثمانية. هل خرجنا من القبيلة إلى الدولة. ومن الجاهلية إلى الإسلام.. ام أن أوراق النتيجة تعطيني قراءة خاطئة للزمن ؟

*
يقول لي بعضهم لكنه قاتل غيره..

مبدئيا أن يتجنب الحرب الداخلية بين أهل وطن واحد أو دين واحد في حد ذاته انجاز كبير.

المسيحيون تقاتلوا في رواندا وايرلاندا وبريطانيا عشرات السنين، وربما لقرون، ومات ملايين.. والمسلمون تقاتلوا في العراق والشام وفلسطين.. وكذلك البوذيون ما بين الصين واليابان.. لو أن أهل الدين الواحد / الارض الواحدة، كفوا عن القتال فهو انجاز كبير.

13 سنة في مكة لم يقاتل الرسول . لم يغزو . لم يشعل حربا واحدة . يتلقى الأذى هو وصحبه ويعلمهم التضحية والصبر والدعوة بالتي هي أحسن .. ويسألوه الدفاع عن أنفسهم فيرفض.

ثم يذهب إلى المدينة فيقيم حالة مسالمة كاملة مع يهود المدينة.. خمس سنين يشاركهم في الزروع والأسواق وإنشاء حامية عسكرية مشتركة للحفاظ على الحدود.

يغدرون به أول الأمر في الخندق.. و يتحالفون على قتله في بني قريظة.. وينقضون العهود ويرتكبون جرائم خيانة عظمى.. فيطلب حكما بينه وبينهم فيختاروا سعدا فيحكم عليهم – وهو حكمهم – بالجلاء.

لاحظ أول معارك الرسول.. بدر . أحد.

انها أماكن مجاورة للمدينة.. تكاد تكون على تخومها، وبعيدة عن مكة مئات الكيلو مترات.. الموقع المكاني يحدد من الذي ذهب لقتال من. المشركون لم يكتفوا بإخراج الرجل هو وصحبه من وطنهم.. بل يلاحقوه مئات الكيلومترات في الأرض الجديدة.

بل الخلاف الشهير الذي دار بين الرسول ومستشاريه قبيل غزوة أحد، أن الرسول لم يرد الخروج من المدينة وأراد التحصن بها، فيقاتل من دونها.. والأخرون أرادوا التقدم حتى يكونوا على مساحة آمنة من المدينة.

كأن الرسول يريد أن يبعث برسالة إلى قريش.. لن نقاتلكم إلا لو جئتم إلى حدود بلادنا.

ولم تتوقف قريش بعد بدر و أحد، بل جاءت وحاصرت المدينة في واقعة الأحزاب. فاضطر محمد النبي إلى حفر خندق حول المدينة يحميها. ويخرج لهم لعقد صلح يفقد فيه ثلث ثمر المدينة لتجاوز القتال.

وبعد سنتين يذهب ومعه جماعة من الرجال قرابة ألف. ومعهم سلاح السفر وليس سلاح الحرب. يبتغي البيت الحرام زائرا. فمنعوه عند الحديبية. ودعوه لهدنة. فوافق. بأقل قدر من الشروط..

يشترطون عليه أن يرد من جاءه مسلما من الكفار.. بينما يحق للكفار أن يقبلوا من جاءهم كافرا من المسلمين (!) يسميها القانون بالشروط المجحفة بالعقد والتي يجوز للقاضي التدخل لتعديلها من تلقاء نفسه.. لكن محمدا لم يعدل الشروط وارتضى بقسمة المظلوم..

فالواثق من أفكاره لا يخشى الحرية..

ومر العام وباب الحرية الدينية مفتوح على مصراعيه.. تريد أن تترك الإسلام.. حسنا ، افعل.. واذهب إلى الكفار ولن يلاحقك أحد. لكن أحدا لم يفعل.

*
كان ارسطو، فيلسوف اليونان الأشهر والمنظر الأول للسياسة الأوروبية، يقول أن قمة ما تطمح له الشعوب غير اليونانية أن تعمل في خدمة الشعب اليوناني.

في تلك الحقبة من الزمن، كانت دعوات المساواة بين البشر، الغني والفقير، الشريف والسوقة.. الملوك والرعية، أمر يتجاوز القدرة على التخيل.. لم يكن ذلك وفق الاستنتاج المتاح للعقل البشري أو الثقافة السائدة.

ربما هذا الذي جعل قريش تنفر من دعوة الإسلام الأولى على المستوى الاجتماعي والاقتصادي قبل أن ترفضها على المستوى العقيدي.. لم يتخيلوا ان العبد الحبشي الأسود يتساوى في الحقوق والواجبات مع السادة من أمثال أمية بن خلف وابي سفيان. كانوا يقولون دوما، جاء يسفه علينا عبيدنا.

ثم يحث على تحرير العبيد. وحق المرأة في الحياة والإرث والذمة المالية واختيار الزوج.. ويجعل حقوقا ثابتة في أموال الأغنياء لصالح الفقراء.. وينهى عن ربا الأضعاف المضاعفة والذي يؤدي إلى أن يظل الغني غنيا والفقير فقيرا.. بل كان تحريم الربا في المقام الأول لأنه أحد سبل الظلم الطبقي.. فكان الفقير يقترض قرضا استهلاكيا ضئيلا فيتضاعف أضعافا مضاعة وعندما يعجز عن سداده يتم التنفيذ على بدنه مباشرة، باستعباده.

ثم يجعل اقراض الفقراء كأنه قرض لله.. وكأنك تعطي مالا لله ذاته العليه.. ثم يحث على الصبر على المدين الفقير أو التنازل عن الدين. هكذا كان ينزع من نفوسهم حب الكنز والأنانية والأثرة. ويزرع فيهم المسئولية الأخلاقية تجاه المجتمع. تلك المسئولية التي لا يصنعها القانون ولا تفرضها الدولة.

فكان الصرخة الأولى للضعفاء كي يجتمعوا تحت راية واحدة تمثل ظل الله الذي يرفض الظلم والاستعباد والقهر الطبقي. ويدعوا لثورة "ناعمة" على تلك الاوضاع المغلوطة.. ثورة قائمة على التضحية والصبر.. الإيمان بالمبادئ، والاقتناع بها.. والدعوة بالحسنى سنين طويلة. دون الاحتماء بسيف الدولة أو بعنفوان القبيلة أو التهديد بأي عقاب دنيوي على المخالفين.

حتى بعد تمكنه من الأمر يعيش مع المنافقين حتى اللحظة الأخيرة، يسترهم ولا يفضحهم أو يحاربهم أو يشق عن صدروهم.. رغم ما جهروا به من استهزاء بالله والرسول.

*
وعندما جاءته المرأة المخزومية قد سرقت. وكانت امرأة ظاهرة الفساد. لا ترد عارية ولا تؤتمن على وديعة. وتستغل سطوتها الطبقية بانتمائها لقبيلة قوية حتى تأمن العقوبة. وجاءه اسامة يشفع لها ليتنازل عن العقوبة. قام غاضبا وعقد موعظة استثنائية، قال قولته الشهيرة:

أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.

لم تكن واقعة السرقة هي المقصودة في ذاتها. بل لم يكن الحد هو ما يشغله. بل يشغله إرساء مبدأ المساواة في العقاب بين الجميع.. وتلك قفزة حضارية كبيرة تحاول كافة الدول الحديثة تطبيقها بوصفها علامة التقدم الأولى. لكننا لازلنا لا نطبق القانون إلى على الضعيف.

لاحظ أيضا أن "الحد" كان جاريا في سنن من كانوا قبلنا.. فالإسلام لم يبتدعه. بل جاء بوسيلة عقاب ملائمة للظرف التاريخي قبل اختراع فكرة السجن والحبس والغرامات..

فالمهم العقوبة وحماية المجتمع أكثر منها شكل العقوبة.

لذلك في العهد الأول للإسلام عاش الخلفاء، قبل القفز عليها من بني أمية، كأقل مواطن عادي في الدولة.. فأبو بكر يجلس على الأرض يحلب الشياه للفتيات.. وعمر يأكل الزيت بالملح حتى يسود لونه.. وعثمان ينفق من ثروته على الخزانة العامة..

ولذلك انتقلت السلطة في الخلفاء الأربعة انتقالا سلسا دون صراع أو تناحر. وقت أن أدركوا أنها مسئولية قبل أن تكون امتياز.

*
في كل عصر نحتاج إلى إعادة استكشاف الدين.. البذور والمنابع والنشأة والأهداف.. حتى لا نجد أنفسنا نتبع دينا آخر غير الذي نزل من السماء.. أو نعبد أشخاصا من دون الله.. أو نعبد ما نظنه دينا، وما هو إلا تعبير عن الهوى وترجمة لسوءات النفوس وانحراف المفاهيم.

اللبنة الأولى للإسلام قامت على التضحية والصبر في العصر المكي.. ثم التعايش مع الدين اليهودي بعد الهجرة تحت عنوان أول وثيقة كتبها الرسول "أمة من الناس" .. والتآلف والمساواة بين البشر.. والتوحد لصد العدوان عن تخوم المدينة.

وكان يمارس الديمقراطية في نموذجها المباشر الذي يعيد الأمر إلى الشعب قبل اختراع نموذج الديمقراطية النيابية. التي تفرز بعد فترة نخبة، تأخذ تفويضا من الشعب، ثم تتحول النخبة إلى دائرة حديدية مغلقة يتحرك فيها التفويض، وتتحول الديمقراطية إلى "أداة" أو عملية مركبة يمكن لمن يمتلك معادلتها أن يعيد تدويرها بالطريقة التي يريد ليحصل على النتيجة التي شاء.

ديمقراطية المسجد التي مارسها الرسول سمحت للنساء بإبداء الرأي والمشاركة.. وسمحت لطبقة الموالي والعبيد بالتواجد إلى جوار السادة الزعماء رأسا برأس.. وسمحت للعقلاء بإبداء الرأي والاعتراض على قرارات "نبي" المتعلقة بشئون الحكم . وكان النبي ينزل على رأيهم لو بدى أكثر صلاحا.

 
 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك


البروفايل الشخصي

 
https://www.facebook.com/M.ELDWEK


الصفحة الرسمية

 
https://www.facebook.com/M.ELDWIK

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق