محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الأربعاء، 31 يوليو 2013

صلوا في خفافكم. خالفوا اليهود

(1)

 

عن شداد بن أوس عن الرسول أنه قال (صلوا في خفافكم . خالفوا اليهود) .. رواه الشيخان.

 

الرسول دعا المسلمين للصلاة في الحذاء داخل المسجد. تيسيرا وتخفيفا ومواءمة لأي ظرف يطرأ على الإنسان.. الآن، صار من يصلي في الحذاء يجد هجوما اجتماعيا لدى عموم الناس وكأنه يأتي شيئا نشازا. رغم أن الصلاة في الحذاء كانت هي الأصل في صدر الإسلام.

 

لكن دعنا نبحث الحديث.. هل الأمر هنا للوجوب أم الاستحباب.. ولو لم يكن للوجوب، لماذا لا يقيمون الدنيا ويقعدوها من أجل انشاء مساجد يصلي فيها المسلمون بالأحذية تفعيلا لسنة الرسول؟

 

وهل هذا أمر ديني، ملزم، مؤبد، أم أنه أمر جزئي ومرحلي ولا يمكن تعميمه؟

 

كانت الصلاة بالحذاء هي السنة المتبعة عن الرسول.. تغيرت الأحوال وصارت المساجد مفروشة، على خلاف مسجد الرسول، ولم يعد هناك محل لتطبيق الحديث داخل المساجد.. وبذلك فبعض أوامر الرسول يمكن قراءتها وفق واقع مكاني معين ملائم للظروف والثقافات.

 

ولو تغيرت هيئة المكان أو طبيعة الثقافة سقط التكليف. حتى لو كان بصيغة الأمر..

 

القرآن أمر باحترام العرف السائد الذي يجده الناس خيرا . يقول الله، (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) فالله جعل حياة الناس وما تعارفوا عليه من خير أمرا تشريعا يتخذه الرسول منهجا..

 

عاش الرسول في مسجد زهيد أرضه من الرمل والحصى دون أي تكلف أو تزيد. لم يزخرفه أو يبني له مئذنة ضخمة أو قبة مذهبة.. بل ادخر من زخرفة المسجد وتجميله ليضعه في صالح معايش الناس.. على عكس ما يحدث الآن من بهرجة وبذخ.

 

(2)

 

إذن فمسجد الرسول لم يكن له مئذنة.. وكل تلك الضجة الساذجة التي ثارت حول منع سويسرا للمآذن، لا أصل لها في الإسلام.. فهل نحن مبتدعون أم أن سويسرا أكثر منا التزاما بالسنة !

 

بالمناسبة سويسرا أصدرت قرار الحظر على المساجد التي تبنى جديدا، أما المساجد القديمة فتظل كما هي.. سويسرا فيها عدد ضئيل جدا من المسلمين، ورغم ذلك فيها سبعة مساجد ضخمة لها مآذن عالية..

 

والأمر حدث بسبب تصويت شعبي.. وليس بقرار حكومي قمعي.. والغريب أن حوالي 45% من السويسريين كانوا مع الإبقاء على المآذن.. قرابة نصف الشعب هناك كان يدعم قضيتنا المتوهمة.. لو بدلنا الوضع وجعلنا استفتاء في مصر على أبراج الكنائس أو حقوق الشيعة، أعتقد أن النتائج قد تكون مخيبة.

 

قبل هذا الحدث في سويسرا، حدث استفتاء مشابه يمس عقيدة اليهود في طريقة الذبح، والتي تستلزم تصفية الذبيحة حتى آخر قطرة دم ثم البدء في التقطيع.. طبعا الأمر يأخذ وقتا أطول ويلوث المكان. ما اضطرهم لإصدار تشريع بحظر الذبح على الطريقة اليهودية وأن يكون الذبح العادي ملزما للكافة.. وقاموا بتصويت ووافق التصويت على الحظر.

 

ورغم قوة اللوبي اليهودي في امريكا واوروبا إلا أن أحدا لم يتحدث.. لم يثيروا زوبعة جوفاء بلا قيمة حول أمر لا يستحق.. هم يسكتون عن الصغائر، بينما يعملون بدأب في مجالات الإعلام وصناعة السينما والاقتصاد وعمليات البنوك. والعلم.

 

(3)

 

وخالفوا اليهود..

 

أيضا مخالفة اليهود جاءت لأنهم كانوا متشددين ميالين للتحريم والعنت.. (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات) وأراد الرسول أن يقرر اختلاف شريعتنا عن توجهاتهم وأنها كما جاء القرآن (تخفيف ورحمة).. فكان اليهود يشترطون في الصلاة خلع النعال وإلا صارت الصلاة باطلة.. فجعل الرسول الأمر فيه سعة وتيسير..

 

ولكن هذا لا ينفي الحديث الصحيح الذي ورد في البخاري.. عن ابن عباس أنه قال،

" كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لا يؤمر  فيه."

 

وهو حديث معناه ونصه ومفهومه غائب عنا.. الرسول بشكل صريح صحيح يحب موافقة أهل الكتاب.. المسيحيون واليهود.. طالما لم يأتيه أمرا بخلاف ذلك.. قمة التعايش والإنصاف والمسالمة. ولا يعيش داخل عقد نفسية وحضارية وإنشاء حالة عداء متوهمة.

 

أسمع أحدهم يقول : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر..

 

نعم  نحن منهيون عن اتباع سننهم فيما ظلموا وطغوا وبدلوا دينهم، وحافوا عن الحق.. مثال ذلك،

 

( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله)

 

الرسول يحذر من رجال الدين عموما في أي دين. أنهم يبتغون المكاسب المادية ويأكلون أموال الناس.. وأن رجال الدين هم أول من يصد عن الدين وعن سبيل الله. (!)

 

وفي الحديث قال لهم الرسول أنهم يتخذون احبارهم أربابا من دون الله.. فأنكروا ذلك فهم لا يعبدون رجال الدين.. قال لهم الرسول، تحرمون على نفسكم ما يحرمون وتحلون ما يحلون.. قالوا نعم.. قال فتلك عبادتهم.

 

فالرسول يقول أن الانسياق الأعمى خلف رجال الدين في التحليل والتحريم دون عقلانية وتحري ورشاد. هي عبادة للأشخاص من دون الله.

 

هذا الحديث الذي فيه أمر .. صلوا في خفافكم .. خالفوا اليهود.. وجدنا أنه أمر مرحلي مرتبط بالجغرافيا وظروف الحال، لذلك هجره المسلمون بتغير واقعهم وحياتهم..

 

(4)

 

لكننا نجد حديثا مشابها.. "اعفوا اللحى . حفوا الشوارب . خالفوا اليهود. "

 

بالقياس نجده على ذات الوزن.. أمر بترك اللحية وحف الشوارب. ثم مخالفة اليهود.

 

ذلك كان لأن طبيعة العرب كانت تحترم الرجل غزير شعر اللحية.. وكلما زادت لحيتك زاد مقامك.. ومن لا لحية له يصير شكله مستغربا شاذا.. لذلك أمرهم الرسول بها.

 

والغريب أن الشارب هنا هو المقصود أكثر من اللحية.. لأن اليهود كانوا يعفون لحاهم بينما لا يحفون شاربهم ويتركوه طويلا.. إلا أننا نجد في الأثر أن عمر بن الخطاب كان يفتل شاربيه..

 

نعم سيدي كان يفتل شاربيه.. (وأقر تلك الرواية ابو اسحاق الحويني)

 

وعندما سألوا الإمام مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، لماذا تترك شاربك ولا تحفه كما أمر الرسول، قال قد فعلها عمر.. قد كان يطيل شاربه.. دليل على أنه أمر غير ملزم ولكنه أمر دنيوي من العادات غير التشريعية الملزمة.

 

وجاء في حاشية البجرمي من طبقات الشافعية: وحلق اللحية مكروه وليس حراما.

 

حديث مماثل.. غيروا الشيب.. خالفوا اليهود.

 

فهل كل من شاب شعره ملزم بصباغته وتغيير لونه وإلا صار آثما.. امتثالا لحديث الرسول..

 

أعتقد ان الأمر يبدو سطحيا جدا.

 

(5)

 

هدف الرسول من كل تلك الأوامر أنه كان يخالطهم كإنسان قبل أن يكون نبي (بشرا رسولا) وكان يوجه لهم بعض التعليمان من باب الذوق العام .. الاتيكيت .. اللياقة الاجتماعية .. وهي مسائل تتعلق بالشق الحياتي المتغير المتطور المجافي للإلزام الديني..

 

بخصوص النعال أيضا..

 

في الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري، أن الرسول أثناء صلاته بالناس خلع نعليه، فخلع الناس نعالهم.. وبعد الانتهاء سألهم.. لم خلعتم نعالكم.. قالوا رأيناك فعلت ففعلنا. قال، لا ولكن جبريل آتاني في الصلاة وأخبرني أن بهما قذر.

 

الملاحظ هنا، أنا الرسول سألهم لماذا خلعتم نعالكم.. اندهش من فعلتهم.. ولم يجد مبررا أن يقلدوه دون أن يعرفوا السبب.. كأنه يقول، كونوا عقلانيين واسألوا عن العلة قبل الاتباع، لا تقلدوا عن عمى وانسياق.. حتى لو كنتم تقلدون النبي. فتقليده يحتاج إلى منطق.

 

أفلا يفقهون..

 
 
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

 

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق