محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

السبت، 6 يوليو 2013

أنا والبرادعي وأيام الثورة


28 يناير 2011 السابعة صباحا..

استيقظت متوترا، كي أستعد ليوم ربما هو الأخطر في تاريخ مصر.. لم يكن حاجز الخوف قد انكسر.. إنهم يحكمونا بالخوف.. فالخوف هو أقوى شعور يجتاح الإنسان.. أقوى من الأمومة والحب والجنس والرحمة.. كان فرانكلين روزفلت وقت الأزمة يقول لهم، الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف ذاته.

نزلت مظاهرات قبل ذلك.. وتعرضت حياتي لمخاطر.. بل تعاملت مع قهر أمن الدولة وأنا صبي لم يكمل السادسة عشرة.. ولكن المرة كل شيء مختلف.. النظام مستنفر ويخوض تحدي يهدد وجوده.. وقد يفعل أي شيء من أجل البقاء.

حلقت لحيتي جيداً وأعددت بدلة وقميص وكرافت.. الكل يتظاهر بملابس عملية خفيفة ولكني نويت أن أخرج بأفضل ما لدي.. وكأني ذاهب في لقاء حبيبة.. قد يبدو الأمر ساذجاً ولكن حبك لوطنك قد يفوق كل تصور.. الناس على مر التاريخ تضحي من أجل مشاعر غير ملموسة .. الدين أو الحب أو الوطن أو الكبرياء.

في العاشرة والنصف انقطع الماء.. وانقطعت الاتصالات.. الحرب النفسية بدأت مبكرا.

الحادية عشرة والنصف ارتديت ثيابي ووقفت أمام المرآة طويلاً لا أدري هل سأعود مرة أخرى أم أنها مرتي الأخيرة.. عاودت التفكير في الأمر.. لا تكن جباناً.. ولا تكن انتحارياً.. هل الأمر يستحق التضحية؟ ودون تردد هززت رأسي أن نعم.

*
كنت قد عرفت أن الدكتور البرادعي أعلن أنه سيصلي الجمعة في مسجد الاستقامة بالجيزة.. كانت خطوة مفاجئة وجريئة من الرجل.. الشيخ الشائب الذي يقترب من السبعين يلهمنا نحن الشباب. ماذا يريد الرجل في حياته.. لقد كان دبلوماسياً في وزارة الخارجية عندما كان شاباً، وقدم اعتذاراً عن منصبه للرئيس السادات احتجاجاً على مفاوضات كامب ديفيد المهينة.. ثم انتقل إلى العمل الدولي حتى وصل إلى أهم منصب دولي في العالم..

ثلاثين سنة خارج مصر حقق كل شيء.. يحظى بصداقة رؤساء دول.. أستاذ للقانون الدولي في كبرى جامعات العالم.. حائز على نوبل.. صمد أمام أمريكا وتحدى السيدة كونداليزا رايس وانتصر.. يقف على حافة السبعين ويترك خلفه حياة تليق بكتيبة من الرجال. لماذا يعود ويعرّض حياته وأمنه الشخصي والنفسي للخطر.. إنه قادر أن يكون كأحد البارونات أو اللوردات الكبار يقضي ما تبقى من حياته مرتحلاً بين نيس وباريس وبالاما دي مايوركا.

هل حب الوطن يفعل ذلك في الناس.. وأنا الذي استكثرت على وطني ارتدائي لبدلة ماركة جيدة في التظاهرات. 
*
28 يناير 12 ظهرا..

هبطت من التاكسي أمام مسجد الاستقامة.. ثكنة عسكرية قادرة على هز قلب يوليوس قيصر نفسه.. سيارات ومدرعات وقوات أمن متحفزة، وسيارات شرطة صغيرة ومتوسطة الحجم.. وحواجز أمنية وعصي ودروع وبنادق متأهبة.

خطواتي للمسجد كانت متسارعة.. دخلت وعيني تمر على الجميع أبحث عنه.. رجل أصلع ذو شارب أبيض ووجه مصري طيب وجسد منحني لكنه ممشوق يشي بشباب طويل قضاه في رياضة التنس. الرجل كان بطلاً رياضياً بالمناسبة.

انتهت الخطبة سريعا، والخطيب كان موفّقاً.. تحدّث بشكل عام عن حرمة الدم، ووجوب احترام حرمات بيت الله، ومقاومة الظلم والنهي عن التخريب.. وبانتهاء التسليمتين، توحد المصلون حول هتاف واحد زلزل أعماقنا وكان يدوي للمرة الأولى، وكان له رهبة الأشياء التي تأتي للمرة الأولى: الشعب يريد اسقاط النظام.

هل قفزنا فوق حاجز الخوف واستطعنا قولها حقاً.. لم يكن بأيدينا سلاح ولا نملك قوة نرد بها علىهم.. لم يكن لدينا سوى إيماننا العميق بالصمود.. وأن الحق ينتصر في نهاية الطريق.

وخرجنا طريقا طويلا لا ندري وجهتنا سوى أننا أخذنا القرار أنه لا عودة.. لم تكن فكرة ميدان التحرير قد تبلورت بعد.. الأمن تعامل باحتراف.. تركنا نمشي لمسافة قرابة 3 كيلو. حتى ينهكنا، ثم أحكم الحصار .. أغلق كل الطرق الجانبية وجعلنا في طريق مستقيم لسهولة استهدافنا.. وبدأ سيل القنابل.. انفجرت إحداها بجواري مباشرة.. تجاوزتها وتقدمت.. كنت في الصف الأول وبيني وبين العساكر أمتار.. صوّب أحدهم مدفعه في صدري وأطلق قنبلة، احترق القميص وسقطت..

لدي مشكلة كبرى مع جهازي التنفسي ولدي جراحة معقدة منذ سنين. حاولت التراجع ولكن نقص الاكسجين كان مخيفاً.. توالت المدافع.. الاكسجين يتناقص ورئتاي تجاهدان للوصول لذرة.. كنت مستنداً إلى الأرض بركبتي.. جلست.. ثم جثمت على وجهي..

بقايا الوعي يذكرني بالسؤال.. هل الأمر يستحق.. ولم أتردد للحظة.. على الأقل لم أكن جبانا.. من الأفضل أن يأتي الموت فجأة.. ومن القسوة ان تدرك أنها لحظاتك الأخيرة، إنها أصعب من الموت ذاته.

سمعت صوتا بعيدا ينادي.. سقط أحدهم.. يبدو أن البعض لم يرد أن يتركني.. ثلاثة شبان غامروا وغطوا وجوههم بلثام ثقيل.. يجروني بضعة أمتار ثم يهربوا.. ويعادون.. نصف ساعة حتى صرت في مكان آمن إلى جوار سور كلية الهندسة.

يا ربي.. هل نجوت.!!

أحدهم يحاول إفاقتي بالبصل والخل.. دقائق وبدأت ملاحظة من حولي.. تحاملت على أحدهم ومشيت خطوات حتى دخلنا إلى حرم كلية الهندسة نحتمي به. معنا الكثير من الجرحى.. هناك بعض الكسور، الوضع قلق ولكن معنوياتنا مرتفعة.
هناك فتاة تقف إلى جواري مباشرة.. يبدو أنها تمشي معي منذ البداية ولم ألحظ..

انت كويس.

الحمد لله أحسن..

حمد الله على سلامتك انت اتكتبلك عمر جديد

شكرا

دي نظارتك وقعت منك والحمد لله متكسرتش.. أول ما لمحتها جريت أخدتها ورجعت تاني والشباب بيسحبوك. عارفة ان اللي نظرهم ضعيف بيحسوا بالغربة أول ما نضارتهم تضيع. أنا زميلة في النادي زي ما انت شايف.. Join the club

ربنا يكرمك ..

اسمي هدير . مصرية عايشة في أمريكا.. أول ما عرفت عن المظاهرات قطعت تذكرة وجيت مصر رغم رفض أهلي.. أنا فخورة أوي باللي بتعملوه.

أخرجت بعض المطهرات وحاولت معالجة الجروح الصغيرة الناتجة من السحجات..

خمرية اللون ترتدي نظارة. وملابسها عملية. وتبدو حزينة لسبب مجهول..

صارت حالتي أفضل.. قررت العودة للتظاهرات..

صافحتها وقولت: يمكن منتقابلش تاني لكن اللحظات دي لا تنسى..

ممكن تكتبلي رقمك ممكن اضطر أرجع أمريكا وعايزة أتابع الأحداث.

فتشت ولم تجد ورقة.. كان في يدها صورة مطوية، فردتها وأعطتني اكتب على ظهرها..

صورة رجل أصلع ذو شارب أبيض ووجه طيب وإصرار بلا حدود.. صورة البرادعي.
كتبت رقمي، طلبت مني كتابة كلمة حتى يراها زملاؤها في أمريكا،

"لم نكن جبناء.. حاصرونا بين حب الحياة وحب الوطن.. وكان الوطن يتفوق دائما."

وذهبت كلماتي الأولى عن الثورة على صورة للبرادعي..

ومرت سنين ليرحل كل الكاذبين ويأتي البرادعي..

بحبك يا بوب.


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي


https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق