محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الاثنين، 29 يوليو 2013

الدم. التاريخ. وقولوا للناس حسنا



(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) البقرة 31.

دار النقاش بين الله الخالق وملائكته.. وكان ذلك هو رد الملائكة على إرادة الله أن يجعل في الأرض خليفة.

ربما رأت الملائكة في عصور سالفة مخلوقات سكنت الأرض فحولتها حروب وصراع وبحور دم وإفساد.. فظنت أن كل من سكن الأرض يفعل ذلك.

... التهمة الأولى التي التصقت بك أيها الإنسان قبل مجيئك، أنك قاتل.. أبرز صفاتك التي وصفتك بها الملائكة، أنك تسفك الدم.. ولكن الله دافع عنك.. وروى لك الحكاية كي يكون التحدي الأهم في حياتك.. ألا تكون قاتلا.. وتصنع كل ما يؤدي إلى حياة آمنة بين البشر تحفظ أرواحهم وحقوقهم.

(وعلم آدم الاسماء كلها)

تلك هي الصفة التي ميز الله بها آدم عن الملائكة، كائنات من نور لا تفعل شيء سوى أن تعبد ربها.. ولكن الملائكة مخلوقات بلا إرادة.. والإنسان له إرادة حرة مختارة.. وله عقل.. وتمام العقل العلم.. والعلم يستخدم لمجابهة الفساد وإعمار الأرض ونضج البشرية، فيتعايشون، ولا يسفكون الدم.

وهنا سجدت الملائكة لآدم.. آدم الذي يجب ألا يقتل.

*

سيناريو الجزائر الذي يهددونا به مات فيه ربع مليون مواطن.. ربع مليون نتاج قتال بين شعب واحد يحمل دين واحد وثقافة واحدة.

الرئيس الشاذلي بن جديد رئيس جمهورية الجزائر تنحى تحت ضغوط الجنرالات، بعد فوز هيئة الإنقاذ المنتمية لجماعة الإخوان بالانتخابات، والسماح بالتعددية الحزبية بعد انتفاضة شعبية كبرى عام 1988، ولكن الجيش انقلب عليها عام 1992 عندما حاولت تغيير هوية الدولة وإدخال تعديلات في الدستور بدت أنها تؤسس لدولة دينية.. فحملت جبهة الإنقاذ السلاح وبدأت الحرب.. ومات مئات الألوف. ولم تعد الجبهة للحكم. ولكن الناس هي التي رحلت إلى القبر.

جبهة الإنقاذ الإسلامية كانت قد حصدت أغلبية كبيرة في كافة الانتخابات وحازت قبولا جماهيريا كبيرا وانتشرت بشكل موسع في كافة البلدان.. لكنها لم تستطع أن تحقق الهدف الأول للرسالة، وهو الوصول إلى أعماق النفوس، لذلك مع أول خلاف سياسي تحولت البلد إلى بحور من الدم.

الجزائر، من قبل الاخوان ومن بعدهم.. مع نظام اسلامي أو علماني.. مع نظام مستبد أو دميقراطي، نفوس الناس لازالت بتوحشها وفاشيتها وميلها للعنف والقتل في أقرب فرصة. وهنا يخسر الدين. حتى لو نجحت صناديق الاقتراع.

الحادث أطلق عليه العشرية السوداء.. ولازالت جروحه الغائرة حاضرة حتى اليوم.

ثورة إيران "الإسلامية" مات فيها أكثر من 60 ألفا.

و صدام حسين "العلماني" أقام حربا مع الإمام الخوميني "الإسلامي" حول ترسيم الحدود فوق النهر عند نقطة شط العرب، ثماني سنين خلفت مليون قتيل.. أعد الرقم في سرك مرة ثانية.. مليون انسان.. كل واحد لديه أصدقاء وأهل وحياة انتهت من أجل رعونة المهووسين في الحكم.

كان الطرفان، العراق وإيران، قد عقدا اتفاقا عام 1975 في الجزائر لترسيم الحدود باعتبار ان منتصف النهر عند نقطة شط العرب هو الفاصل بين البلدين.. وبعد صعود نظام جديد في العراق بتنحي أحمد حسن البكر وتولي صدام، وذهاب شاه إيران ومجيء الخوميني نشبت الحرب من أجل شيء وهمي بلا أي أثر على أرض الواقع. مجرد خط حدودي فوق النهر لن يؤثر على تدفق الماء ولا يوجد فيه حقول نفط أو مساحات ارض مزروعة.

لازال صوت الملائكة يدوي عبر الزمن: يفسد فيها ويسفك الدماء.

*

بقرة بني اسرائيل التي جعلها الله إعجازا كي تكون دليلا للاهتداء إلى جناية قتل. ستنطق جثة القتيل باسم من قتلها.. وتصير آية. وتصير قصة دينية ترويها الكتب السماوية.. وتصير اسم سورة في القرآن.

كل ذلك من أجل رجل واحد مات غدرا..

فاهتم الله في السماوات أن يتواصل مع أهل الأرض يساعدهم كي يعرفوا القاتل. لم يدلهم على الإسم مباشرة. لكن جعلهم يقومون بخطوات. إجراءات. فالله لا يقدم الحلول. لكن يجعلك تصل لها بعملك.

لم نعد في حاجة إلى بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث.. ولكن أجهزة البحث الجنائي والأدلة الجنائية ونظم التقاضي صارت تقوم بدور المعجزة. وكأن تطوير نظم البحث الجنائي والمهارة في الوصول إلى القتلة إحدى علامات الله في الأرض.

*

(وقولوا للناس حسنا) 83 البقرة.

الآيات السابقة تتحدث لبني اسرائيل، تنهاهم عن سفك الدم والشرك بالله وعبادة العجل وتحريف كلام الله من بعد ما عقلوه، أي يحرفوه عمدا.. وينهاهم عن قسوة القلب. فقسوة القلوب تقود إلى الضلال حتى لو أدرك الإنسان الصواب بعقله.. (وقالوا سمعنا وعصينا).. أي سمعنا الحق وعرفناه ولكننا نعصيه. وهذا النموذج المعاند المكابر منتشر كثيرا في الحياة لكننا لا نلحظه، ولا نلحظ أنه سبب في ضلال أمم سابقة.

وختام ذلك.. قولوا للناس حسنا.. اتكلم كويس.. بلاش حدة أو عنف لفظي أو وقاحة أو تطاول.. وصية قديمة لقوم كانوا هنا على الأرض منذ أكثر من 4 آلاف سنة.

تلك التفاصيل الشخصية التي تمثل التكوين البدائي للإنسان هي هدف الدين.. هذا الإنسان الذي يستطيع أن يقول حسنا. غالبا لن يقتل. ولن يظلم. ولن يقسو قلبه. وسيستمع ويناقش. ويتنازل أحيانا. ويعفو كثيرا.

*
(فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) 109 البقرة.

هذا أمر الله للمؤمنين الأوائل الذين تعرضوا لمؤامرات من أتباع أديان أخرى.. الآية تتحدث عن رغبة أهل الكتاب – اليهود تحديدا – في جزيرة العرب أن يردوا المؤمنين عن دينهم ليعودوا كفارا.. فيقول الله للمؤمنين اعفوا عنهم.. اصفحوا عن حسدهم وشرورهم ونواياهم السيئة.

لم يقل دافعوا عن دينكم بقاتلهم.. بل بعفوكم عنهم.. هكذا ينتصر النموذج الأول للدين.. وهنا تكمن الإضافة الدينية في الأرض.. القتل هو الأصل العام الذي ينساق الناس له.. والتميز يكمن في العفو.


بعد كل هذا التأكيد في عشرات السور ومئات الآيات على، أن نقول للناس حسنا.. وأن نعفوا عن الخصومات الدينية ومجابهتها بالصفح، كيف تشكلت نفسية المسلمين هذا التشكل الفاشستي العنيف، المندفع، الكاره للجميع، والذي يرفع لواء الحرب على العالم أجمع.. على القارات الخمسة ورمال الصحراء وكواكب المجموعة الشمسية.!

*
آيات كثيرة في الجزء الأول من القرآن تحكي عن ابراهيم واسماعيل وموسى. وختام هذ الجزء آية فيها دلالة كبرى.

(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) 141 البقرة.

الآية وردت بنفس الصيغة في ذات السورة في الصفحة السابقة مباشرة برقم 134.

تأكيدا وتوكيدا وتذكيرا..

كل هذه القصص عن ناس صالحين وآخرين فاسدين.. أنبياء ورسل وعصاه.. لنأخذ منهم العبرة والعظة.. لكنه يوصي، يجب ألا تعيشوا حياتكم في الماضي.. في قصصه وصراعاته ونجاحاته وإخفاقاته.. تلك أمة قد خلت.. انتهى أوانها.. وها هو أوانكم أنتم.. قوموا عن حكاوي الماضي وكفوا عن الاشتباك بسببه واصنعوا واقعكم.. اصنعوا حياة جديدة تتلافى ما في الماضي من خطايا وتستلهم ما فيه من عظمة..

لن يتحول الماضي إلى مقدس نظل نعبده ونعبد من فيه ونقضي على حياتنا بالفشل.

للأسف لازلنا نعيش في الماضي.. ولا نصدق القرآن أنها أمة قد خلت ولا نسؤل عما كانوا يعملون.


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
البروفايل الشخصي


https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق