محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الاثنين، 15 أبريل 2013

لماذا انتصر وانهزمنا

* * *

لا أدري لماذا تصرين يا ريم على اصطحابي إلى هذا المقهى بالذات .. هل تحبين الواجهات الزجاجية التي تطل على الشوارع الجانبية الهادئة .. هل تحبين ديكور المكان الخشبي الداكن اللون.. هل يعدون فطيرة القرفة هنا بطريقة أفضل من غيرهم !

معك يا ريم أفقد إرادتي، وأتخلى عن أي قدرة على المقاومة أو الرفض.. قد لا تعرفي أني رجل قوي وجاد للغاية. استطيع قيادة مجموعة عمل وفريق بحث، بل استطيع قيادة جيش من المقاتلين. لا يهم. معك أنتزع شخصا أرتديه فوق وجهي و ملامح جسدي وثيابي، لأصير أنا كما أحب. دون خجل أو خوف أو ادعاء.

هناك موسيقى غربية هادئة تأتي من لا مكان تفعم الأجواء. ونادل مهذب يقف من بعيد ينتظر منك إيماءة. وأنت هنا يا ريم.. فاختُصِر العالم في اتساع عيناكِ حين تندهشين أو تطويح رأسك للخلف حين تضحكين، واجتماع حاجبيك عندما تنظرين إلى شيء بعناية.

*

فجأة تتخلين عن صمتك وتسأليني سؤالا تراثيا .. تسأليني، كيف بنى الرسول، عليه الصلاة والسلام، كل ما بناه، من لا شيء، رغم الصعوبات؟

لا أريد أن أتحدث.. أريد أن أنظر لكِ وفقط .. فالنظر للجمال عبادة.. والله عرفوه بالأمل والتأمل وجمال الكون ودقة الصناعة. وطريق الله في نظراتك واضح جدا.

اليعسوب، ذكر النحل، تحوي عيناه 30 ألف عدسة. رقم ضخم جدا، ولو أن واحدة فقط أصيبت بخلل يفقد اليعسوب بصره. لا يمكن لقانون الصدفة أن يصنع عين يعسوب يا ريم. لا يمكن أن تتراكب تلك العدسات بهذا النظام المحكم والمعجز في صناعته لمليون مليون يعسوب منذ آلاف السنين وحتى اللحظة.

الله يقف وراء الطبيعة وهو الذي أنشأها. ومن عين يعسوب يسجد المرء إقرارا له، فما بالك بعيناك انت!

ألم أقل أن طريق الله يبدأ من عينيك. ليست مبالغة لفظية على أي حال.

الله استخدم المخلوقات لنبيه إبراهيم ليدلل له أنه موجود. لم يلهمه وحيا أو ملكا . ولكنه تركه يهتدي من خلال الطير.

*
أعود لسؤالك يا ريم عن الرسول وما فعله وكيف فعله.. الإجابة بسيطة للغاية. لقد قضى محمد الرسول 23 سنة من حياته في العمل والصبر والدعوة والكفاح.. أي شخص يصبر على الكفاح لثلاث وعشرين سنة سينتصر في النهاية حتى لو لم يكن نبي.

تلك سنة الله في أرضه. نحن فقط قصيري النفس ولا نجيد العمل والكفاح والإخلاص لسنوات طويلة. وتخور قوانا في أول محطة. ونريد السماء تمطر علينا نفطا وغذاءا ومصانع حديثة ومستشفيات متطورة. بعضنا يريد السماء أن تمطر عليه بشطائر الهامبورجر وأصابع البطاطس الفرنسية. لأنه أكثر كسلا من صنعها.

هل فينا من هو قادر أن يظل وفيا لمشروعه عشرين سنة متواصلة ؟ الإجابة لا .. إذن. فنحن لم نتعلم من الرسول شيء. وكفانا حديثا ساذجا حول التشبه بالرسول القضوة. والادعاء الكاذب باتباع سنته.. سنة النبي هي العمل والصبر والعفو والارتقاء فوق السخافات وحفظ الحقوق والانتصار للمظلوم وقول الصدق ولو على أنفسنا . والوفاء بالعهود والعقود وتنمية الضمير والجمال والنظافة والكرم والبساطة والابتسام. وكان محبا للحياة وفي ذات الوقت زاهدا في متاعها.

تخيلي يا ريم . أن الله قال له ( يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر ). تخيلي، أثناء الحديث عن أمور كبيرة ومؤثرة في تاريخ البشرية والدين، وبعد حثه على البلاغ يحثه على أن يرتدي ثيابا نظيفة. فهو قد تدثر طويلا بالأغطية بعد أن عاد خائفا.

إنه إنسان يخاف مثلنا يا ريم. ويهرب من خوفه إلى فراشه لينام. ولكن الله يحثه على العمل. ولكن لا ينسى أن رائحة العرق من الممكن أن تكون لوثت ملابسه من كثرة النوم. فيجب عليه قبل أن يأمر وينهى ويدعوا الناس إلى الفضائل، أن يستحم ويتعطر ويرتدي ملابس جيدة .

هل رأيتِ "شياكة" أكتر من كدة !

الله يؤكد على أن الرقي الإنساني يجاور العقيدة السماوية. فالأفظاظ الخشنون لا يميزون الجمال . ومن لا يميز الجمال لا يميز الحق . والحق هو وجه الله .

وفي النهاية يقول القرآن ( إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ) .

فالله يؤكد على بقاء الاختلاف العقائدي بيننا إلى أن تقوم الساعة. وأن الفصل في هذا الإشكال ليس من اختصاص البشر ولكن رب البشر. وليست ساحته الدنيا إنما الآخرة. ولا وصاية لأحد على أحد إلا النصح ورغبة الخير والحوار والمعايشة.

هكذا جاء محمد بتلك التعاليم. فلماذا لا ينتصر !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق