محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

رائحة التبغ والربيع


حساسية الأنف تلازمني منذ وقت مبكر من الطفولة. ومن أعراضها الشعور المتكرر بالصداع.

تزايد الأمر حتى صار الصداع صديقا يوميا أنتظره حتى أكتب مقالا وأقرأ كتابا جديدا وأقول نكتة وأداعب القط ( الصراحة أنا أركله ولكني أحاول أن أبدوا راقيا ).

وعندما يغادر الصداع، يتركني مهدودا واهيا لا أرغب في الحديث، ولكني أصير نافذا بشدة إلى باطن الأشياء. أرى ظلال الناس خلف الجدار، وأسمع لغ
ة النحل. الملكة تضع اليرقات والشغالات تجلب الرحيق والذكور الحمقاء لا دور لها سوى التلقيح.

أشعر بخفق قلب المراهق في البناية المجاورة خوفا من امتحان الفيزياء، وأشم أشواق فتاة مشوشة الشعر تقف خلف الشباك تتحدث في هاتفها بصوت خفيض لحبيبها، تخشى أن يسمعها أخوها.

لا أحب أدخنة السجائر ولكني أحب رائحة التبغ منطفئا. أكتشفت أنهم كانوا يمضغوه قديما إذا شعروا بالألم بوصفه مسكنا. وطالما أمسكت سيجارة لساعات دون أن أشعلها ثم ألقيها في النهاية بعد أن تكون قد اهترأت.

الربيع بالنسبة لي ليس أفضل فصول العام. الربيع محمل بالغبار وتشوش الرؤية وتجتاحه العواصف المفاجئة. ربما لذلك سموا ثورات المنطقة بأنها ثورات الربيع العربي !

إحدى المرات وأنا صغير خرجت من الفصل لاستنشق واستنثر الماء لأتخلص من أتربة الربيع وحبوب اللقاح المتهيجة. كان الإعياء باد على بشدة.. عيني منكسرة ووجهي محتقن.

في تلك اللحظة كانت " نور" في طريقها إلى الفصل، ورأتني، فتوقفت.

سألتني عن حالي في حياء وارتباك شديدين. وأجبت بكلمات غير مفهومة بما يفيد أني لست بخير.

تركتني وذهَبت إلى الفصل أحضرت شيئا، وعادت مسرعة.

- انت فطرت ؟
- الحمد لله .
- لا بجد شكلك مفطرتش . دي الزمزمية بتاعتي فيها عصير برتقال ماما عملاه في البيت . ودي شيكولاتة . كلهم عشان خاطري.

رفضتُ، فكررت، فوافقت.. ثوان وعادت إلى الفصل .

مر الوقت وصرت بخير. ربما بسبب الوهم أو بسبب رقتها. لا أدري.

ومنذ ذلك اليوم وأصبحت تلك وصفتي كلما اشتد الوجع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق