محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الاثنين، 20 مايو 2013

ابدأوهم بالسلام

في رواية البخاري عن عائشة.. أن اليهود كانوا إذا مروا بالرسول قالوا، السام عليكم.. يحرفون الكلمة ويضغموها فلا يسمعها الرسول.. لا يسلمون ولكن يدعون عليه بالموت والسأم.
 
فغضبت عائشة لزوجها، وردت عليهم بقسوة.. قالت:

لعنكم الله، وغضب عليكم..

نهاها الرسول عما فعلت.. وقال،

"يا عائشة، عليك بالرفق.. وإياك والعنف. أو الفحش."

تخيل.. يهود كارهون متطاولون مستهزئون، لا يحسنون الجوار، ولا يحترمون الرسول، حتى على المستوى الإنساني. ورغم ذلك، لم يكن مبررا أن يسمح لزوجته أن ترد عليهم بمثل ما فعلوه.

ثم أوصاها بالرفق.. والبعد عن العنف والفحش. حتى مع عدو، قليل التهذب!

لو أن الرفق هو وصية الرسول في معاملة مخالف في العقيدة، قليل الأدب.. فكيف تكون المعاملة لو كان مهذبا؟ هل هناك شيء يفوق الرفق!


(ملحوظة، الرسول ترك زوجته تدافع عنه، ولم يأنف من ذلك أو يقول "الستات عندنا ملهاش كلمة". فقط أوصاها بالرفق ونهاها عن الفحش..

أيضا كيف لعائشة أن تسمع من يسلمون على الرسول.. هل كانت معه في مجلس عام منفتح ومختلط يراه الناس ويمرون به؟ شيء أشبه بندوة أو اجتماع أو حلقة نقاش؟ فقط أحاول أن أستوعب الظرف الإنساني فيما خلف النص المكتوب.)

*
على نقيض ذلك لدينا حديث رواه الإمام مسلم عن سهيل، أنه قال، لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وألجئوهم إلى أضيق الطرقات..

وللحديث روايات عدة بألفاظ مختلفة. وفي رواية سفيان الثوري، لا تبدأوا اليهود.

حديث سهيل رواه الإمام مسلم في نهاية الباب.. ومسلم في منهجه يروي لأهل الحفظ والاتقان في بداية الباب ثم يترك المختلف في لفظه لآخر الباب.

وأول الباب أورد مسلم حديثي عائشة وأنس في رد السلام، بمعنى أنهما أعلى سندا ومتنا من حديث سهيل.

ولكن روى جهينة أن هذا الحديث له سبب خاص، عندما خانت يهود بني قريظة العهد مع الرسول وتخلوا عن الدفاع عن المدينة عند حصار الأحزاب، وتواطأوا مع مشركي مكة لصنع كماشة توشك على القضاء على الرسول وصحبه.. الكفار من الخارج واليهود من الداخل.

ولما انكشفت الغمامة وزال الخطر، أمهلم الرسول يوما، وقال لصحابته، لا تبدأوهم بالسلام وألجئوهم إلى أضيق الطرقات، فإني سأسير لهم غدا.

وهنا تتضح الرواية.. الرسول منعهم من مسالمتهم ومصافحتهم لأنهم نقضوا العهد وارتكبوا خيانة كبرى هددت المؤمنين. وبذلك يتم تفسر الرواية في خصوصيتها التاريخية.

يدعم ذلك أنه في الصحيح، عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا سأل الرسول أي الإسلام خير.. فقال،

"أن تطعم الطعام .. وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.."

إذن فالسلام واجب على المسلم على كل من يلقاه، سواء عرفه أم لم يعرفه، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون.

وباتفاق الفقهاء أن من أعمال البر الكبرى في الإسلام هي إطعام الطعام، دون تقيد بدين متلقي الطعام.. والرسول قال أنه في كل كبد رطب صدقة.. مسلم أو كتابي أو كافر.. انسان أو حيوان.. حماية النفس وإكرامها وسداد حاجتها أمر شامل في الإسلام.

وللاسف انقلبت الآية وصارت كل منظمات الاغاثة الدولية منظمات غير مستندة لأرضية إسلامية، بينما صارت أفقر شعوب العالم التي تتلقى المعونات هي الشعوب المسلمة..

يا حسرة على العباد ! ثم يريدون عداء الآخر، بينما نحن من نتسول منه الطعام والدواء والسلاح..

*
كان أول ما قاله الرسول عندما دخل المدينة، كما روى عبد الله بن سلام، أنه قال:

"يا أيها الناس، أفشوا السلام.."

الخطاب عام مبدوء بـ ، يا أيها الناس .. والمدينة كانت تحوي المسلمين واليهود. والرسول لم يخصص. فالسلام من الجميع للجميع.. وهذا دليل على جودة إسلام المرء.

وهذا ما ذهب له الطبري، وما يوافق ظاهر القرآن، عندما تحدث عن العلاقة مع المشركين المعرضين.. (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)

وفي سورة الزخرف.. (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون . فاصفح عنهم وقل سلام)

أي تجاوز عن أفعالهم السيئة وقل سلام عليكم.

الآية تضع الطريقة التي يتعامل بها المؤمنون مع غير المؤمنين المعرضين ، أن يكون بالصفح والقول اللين بإلقاء السلام.. دون غلظة أو عداوة أو خشونة أو بذاءة.

هل منهجنا مع المخالفين يقوم على آيات القرآن (اصفح عنهم وقل سلام) !

هل نقرأ القرآن.. هل آمنا به ! العفو والمسالمة مع الكفار المعرضين هي وصية الله لعباده المؤمنين.. فهل نطبقها حتى مع المسلمين المخالفين؟

وكان الصحابي أبو أمامة، إذا مر على مسلم أو نصراني أو يهودي يبدأه بالسلام، ويقول، أوصانا رسول الله بإلقاء السلام..

وعلاقتنا بالكفار غير المحاربين وضعتها آية سورة الممتحنة.. والتي أكدت على البر والقسط.. والبر هو الوفاء والعشرة الطيبة والرقة.. والقسط هو العدل.. وكلمة البر استخدمها الله في القرآن مرات قليلة منها في معاملة الوالدين.

(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) .. فقط لا يقاتلونا ولا يطردونا من بيوتنا..

*
من القصص المثيرة المسكوت عنها، رغم ثبوتها، كما روى الهيثمي، أن بنت الرسول، زينب، كانت متزوجة من مشرك، أبو العاص ابن الربيع، لم يدخل الإسلام عندما بعث الرسول.. ففرق الرسول بينهما.

واشترك ابو العاص في حرب مع قريش ضد حماه، ووقع في أسر المسلمين، فعلمت زوجته، بنت الرسول، فبعثت سرا بعقد لأمها خديجة كي تفتديه وتحرره من أسره..

ولما أن رأى الرسول العقد في المغانم عرفه.. وعرف القصة.. فاستأذن الصحابة أن يتركوه ويعيدوا العقد لابنته!

يا إلاهي.. بنت الرسول، تدافع عن زوجها، الكافر، الذي خرج لمحاربة أبيها النبي..

الأمر مؤثر للغاية.. وإنساني لأقصى درجة.. والرسول يتجاوز عنه رحمة بابنته.. يا ربي الرحيم. نبضات قلبي وصلت لحدها الأقصى من الانفعال.

الرسول يقر أن العلاقات الانسانية من حنان ومودة وحب قد تتجاوز الخصومة العقائدية.. بنت الرسول المسلمة، تشفع في زوجها الكافر!

*
نهاية الأمر، أننا من نشوه الدين بأيدينا، وذلك بالجهل والسطحية والاجتزاء والرغبة في كراهية الجميع بوازع ديني.. وترك الكليات والأصول والمقاصد والعموميات، ونتمسك بالفروع والجزئيات والمتغيرات التاريخية التي ذهب زمانها.. ثم نستنكرلماذا يكرهونا..

خطابنا الحضاري هو من يعطيهم الفرصة سانحة كي يصنعوا منا عدوا حضاريا للبشرية، ويبرروا الاحتلال والقتل بدعوى نشر المدنية ضد الهمجيين العرب المسلمين.

فقط أتساءل، هل من الممكن ألا نبدا النصارى بالسلام، بينما نتسول منهم 5 مليار دولار من البنك الدولي.. ونقبل يد السيدة كاثرين أشتون، مفوضة الاتحاد الأوروبي، من أجل 5 مليار يورو.. ونلعق حذاء أمريكا من أجل مليار دولار معونات.. ويذهب لهم الرئيس ليعلن أنهم أصدقاء.. ويسعى لهم السلفيون بوصفها زيارة "دعوية" !

السياسة تكشف الجميع، ولكن يجب إزالة حالة الازدواجية التي تقبع في وجدان المجتمع المسلم ليكون أكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر.

 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

وفي أنفسكم أفلا تبصرون.

قال لي أليس من الظلم أن يخاطب القرآن العربي شعوب العالم غير الناطقة بالعربية .. كيف يفهموه .. هل يتعلمون العربية وهي لغة شاقة تحتاج لسنين طويلة .. أم يقرأون الترجمة .. وماذا لو لم تمس الترجمة شغاف القلوب.

قلت له ، هناك آية في القرآن تقول :

(وفي الأرض آيات للموقنين . وفي أنفسكم أفلا تبصرون)

الله في الآية خرج من ثنائية الوحي - الرسالة ، إلى ثنائية الأرض - الإنسان ، كسبيل للوصول إلى اليقين.

...
فتكون الهداية لطريق الله غير متوقفة على الكتب المقدسة السماوية فقط، ولكن تمتد إلى آيات الأرض ومعجزة الخلق .. اقرأ في الفيزياء وعلم الجينوم والمركبات العضوية والجولوجيا .. انظر في الطبيعة وتذكر آية :

(أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون)

لاحظ أن الآية تقدم سؤالا محفز للتفكير الهادئ.. وتريد منك إجابة.. هل أنت من خلق الكون أيها الإنسان .. هل خلق الكون من العدم مثلا .. وهل هناك شيء اسمه عدم.

لم تقدم أعقد النظريات العلمية سببا مقنعا لبداية الخلق .. الانفجار الكبير . من صنعه ؟ ذرة الكربون المتحورة . من أوجدها ؟

حتى الملحدون لا يجدون نظرية متكاملة تبرر النشأة .. إذن طالما لم يظهر منازع لله الخالق فهو الخالق الواحد.

كتاب الله . القرآن . مهم للغاية .. لكن كتاب الطبيعة كتاب آخر أكثر تعقيدا .. وهو صنع الله المحكم.

وكلاهما يهدي للإسلام..

وماذا لو نظر في الكون ولم يقتنع ؟؟ ليسو كفارا .. و لهذا حديث آخر نسرد فيه اجتهاد قديم للمعتزلة تناساه الناس و أعتقد أنه مهم في واقعنا المعاصر..

 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

انتشار الدين.. بين السيف والكلمة

الدين الإسلامي يتميز أنه ليس دينا إقليميا محصورا في منطقة بعينها مثل اليهودية أو البوذية.. لكنه ينتشر عبر مساحة جغرافية واسعة تمتد عبر قارتي افريقيا واسيا، وتخترق عمق أوروبا والأمريكتين.

...
لو أن الإسلام قد انتشر عبر هذه المساحة الضخمة بحد السيف، كما يزعمون، فالأمر يبدو غير معقول .. من أين للمسلمين بجيوش تملك عتادا ورجالا تغزوا قارات العالم الخمسة؟

إلا لو افترضت أن الملائكة كانت تحارب معهم.. أو أن الإسلام امتلك جيشا اسطوريا كأفلام الخيال العلمي لديه أسلحة ليزر ومركبات فضاء تخرج منها كائنات خارقة خضراء لديها عين واحدة مشقوقة.

الغريب أن المنطقة الاسلامية على مدار قرون كانت معرضة للغزو من كافة الثقافات والحضارات.. ورغم احتلالها لعشرات السنوات من قبل التتار والمغول، ثم من قبل الانجليز والفرنسيين والايطاليين والبرتغال، إلا أن النتيجة انتهت إلى أغلبية مسلمة متمثلة في مليار ونصف مسلم يمثلون ربع العالم، و 57 دولة مسلمة عضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي.

والملفت هنا أن تعداد العرب المسلمين لا يجاوز 15% من مجموع مسلمي العالم.. بينما من ينتمون له الناطقين بلغات أجنبية غير عربية يفوقون 85% من تابعيه.

يهيأ لي أنه دين انتشر بالاقتناع، لأن الناس لا تتنازل عن معتقدها بسهولة، ولو اظهرت العكس نتيجة لظروف تاريخية معينة، فسرعان ما تعود إلى أصولها الدينية.

ورغم أن المسلمين عاشوا في أوروبا نحو ثمانية قرون في اسبانيا وفرنسا، ووصلوا إلى قلب النمسا، إلا أن الإسلام هناك لم يتحول إلى أغلبية.. لأن أهل هذه المدائن تعاملوا مع المسلمين على أنهم محتلين غاصبين لأرضهم، ثم خلطوا بين الدين وأصحابه، فاعتبروه دين احتلال وسلب وسلطوية، فكرهوه، وأصروا على مسيحيتهم.

من يظن أن دينا قد ينتشر بالحرب ورصاصات البنادق أو التربص بالسيوف في الخنادق، فهو لم يعرف حركة التايخ، ولم يدرس أعماق النفس البشرية بدقة.

ولما كان ذلك كذلك، فلماذا لم يتحول الناس عن دين الإسلام خاصة وهو يعيش أضعف واسوأ حالالته منذ ما يزيد عن خمسة قرون!

يذكر الدكتور ميلاد حنا في بحثه المتخصص في تاريخ الشخصية المصرية، أن المصريين كي يتحولوا من اللغة القبطية إلى اللغة العربية أخذوا وقتا كبيرا امتد الى ثلاثة أو أربعة قرون (400سنة).. وكي يتحول أغلبهم إلى الإسلام تأخر ذلك إلى خمسة قرون (500سنة) على دخول العرب..

ولم يكن عدد العرب بالشيء الذي يذكر. فقد كان جيشهم 4 آلاف مقاتل، في ظل تعداد سكاني ضخم للمصرين وصل إلى 8 مليون!

وأن الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية يمتلكون نفس التركيبة الأنثروبولوجية ونفس مقاسات الجمجمة ونفس الثقافة وذات اللغة واللهجة.

وهو ما يدل على أنه كان تحولا بطيئا قائما على الاختلاط والمعايشة والانتقال السلس لقناعة الأفراد.

*

ولكن، الأديان أحيانا تحتاج لمن يدافع عنها ولو بالقوة..

المسيحية أوشكت على الفناء عندما عادتها الامبراطورية الرومانية، التي ظلت تقتل المسيحيين المؤمنين ثلاثة قرون، فيما سمى عصر الشهداء.

قصة أصحاب الاخدود في القرآن بالمناسبة تحكي عن المسيحيين المضطهدين الشجعان، الذين صبروا على دينهم، رغم ما لاقوه من تعذيب وظلم.

( أي رقي هذا، أن يهتم الدين بمعاناة أتباع دين سابق، فيثني عليهم ويخلدهم في النص المقدس، كأبطال، واجهوا مصيرهم بإيمان وثقة)

والتحول الرئيس حدث على يد الامبراطور قسطنطين الرابع عندما آمن بالمسيحية، فتبدلت أحوال المسيحين في العالم، وتوقف القتل والظلم، وصار الدين الرسمي في مملكة الأرض لمملكة السماء.

كان هذا في مطلع القرن الرابع الميلادي.. اعتناق قسطنطين للمسيحية أثر بشدة في انتشارها وتحولها من دين سري لدى مجموعة محدودة مضطهدة إلى دين لأكبر امبراطوريات العالم، فصار الانتماء للمسيحية، بذاته، كافيا للترقي في الوظائف الحكومية.

ومن هنا بدأ عصر اضطهاد اليهود في الثقافة الأوروبية! لدرجة أن بعض الفنادق كانت تفخر أنها لا تقدم خدمة لليهود..

دعني أسألك، ماذا لو لم يؤمن الملك، قائد الجند، بالمسيحية.. ماذا كان مصيرها في مساحة التاريخ وحدود الجغرافيا ؟

الرسول محمد في بداية بعثته عندما واجه الإعراض والملاحقة، أرسل أتباعه إلى الحبشة / الصومال ، وقال لهم إن فيها ملكا عادل لا يظلم عنده أحدا..

وكان ملكا مسيحيا..!

الرسول عرف أن عدالة الملك مهمة لحماية تعاليم الدين.. وليس العكس.

حتى اسرائيل عندما أرادت تجميع شتات شملها عبر أصقاع أوروبا بما لاقته من إقصاء وعنصرية، قامت بتشكيل عصابات الهاجاناة المسلحة التي كانت نواه الجيش الذي أقام دولة يهودية.

*

الدين – أي دين – لا ينتشر بالحروب، ولكنه يحتاج للقوة كي يؤمن سبل الدعوة..

وكما قال الله لرسوله (لست عليهم بمسيطر).. و (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

ويجب ملاحظة أن ثمة فرق بين تعاليم الدين المثالية التي تنتقل بالحوار والاقتناع والتبشير، وبين الواقع العملي الذي لا يتصف بتلك المثالية.

وعندما تحاكم التاريخ فيجب أن تضعه في سياقه الكامل حتى تستطيع فهم أحداثه بشكل منطقي ومنصف، بدلا من الاجتزاء الذي يبني نتائج مشوهة غير حقيقية.

 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

حدثني عن الإسلام

سألني عبر منضدة صغيرة تفصلنا، وهو يضع إلى جواره كأس منred wine ،

وما الإسلام يا صديقي..

تناولت كتاب صحيح مسلم وقرأت له حديثا في باب الزكاة..

...

يقول الرسول،

"على كل مسلم صدقة.."

الرسول يضع فرضية دائمة على كل من آمن بالإسلام.. مسئولية شخصية يلتزم بها أمام الله. وليس أمام الدولة. ولم يحدد الرسول مقدار الصدقة. والصدقة هي أكبر صور التنازل عن الأنانية وحب الامتلاك، وهي أكبر معبر عن التكافل والتراحم والحنان.

ثم سأله أحدهم، "ومن لم يجد يا رسول الله؟"

كان من الممكن أن يجيب الرسول أن من لم يجد، قد سقط عنه التكليف ولا يصير مطالبا بالصدقات.. فهو غير قادر.

ولكن الإسلام مسئولية اجتماعية كبرى تظهر إيجابا في حياة الناس.

وهنا أجاب الرسول:

"- يعمل بيديه. فيكفي نفسه. ويتصدق.

( تخيل هو يعمل ليس من أجل سد احتياجاته فقط ولكن في ذهنه أن جزءا من نتاج عمله يذهب لغير القادرين)

- يعين ذا الحاجة.

- يأمر بخير.

- يمسك عن الشر."

هكذا انتهى حديث الرسول بوضع بدائل الصدقة..

وكلها أعمال انسانية تنم عن تأثير العقيدة في صدور الناس نتاج إيمانهم بالدين.. ويكون ترجمة الدين في الحياة بمثل تلك التصرفات.. وليس بالمظاهر أو المزايدات اللفظية.

الحديث التالي مباشرة، يحمل ذات الفكرة، ولكن الرسول يجيب بإجابات مختلفة،

فيقول:

"- تعدل بين اثنين، صدقة

- تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، صدقة

- الكلمة الطيبة، صدقة

- خطوك للصلاة، صدقة

- إماطة الأذى عن الطريق، صدقة."

هذا الحديث فيه خمسة أوامر للرسول : العدل – الكلمة – المساعدة – الصلاة – نظافة الطريق..

(لم يوصي بأي شيء له علاقة بالمظاهر أو التدخل في الحرية الشخصية لكل انسان – وبعدين مجبش سيرة أي حاجة ليها علاقة بالستات اللي شاغلة عقل ناس كتير)

لاحظ أن العبادة في وصايا الرسول شغلت عنصرا واحدا من خمسة.. وأربعة أخماس لها علاقة بإصلاح الحياة بالعدل والعمل والكلمة وتمهيد الطرق.

وكأن العبادة يجب أن تكون في منظومة حياة كريمة، وإلا فهي بلا قيمة.

سكت صديقي وأعاد مضغ الكلام.. أنا لا أؤمن بالاسلام، ولكن لو أن محمدا قال هذا الكلام فهو أعظم مصلحي التاريخ.. نحن نظنه إرهابيا أو "بتاع ستات" أو شخص همجي..

ولو أنه رسول فرسالته يجب أن تحمل الناس والبلدان التي تؤمن بها إلى أرقى درجات الحضارة والاستنارة.. القانون والفلسفة والدولة الحديثة لا تفعل ذلك في نفوس الناس.. العقيدة فقط هي التي تفعل.

لماذا أنتم متخلفون؟

لأننا غير مسلمين..

لكني أرى ملايين الملتحين والمنقبات والمختمرات..

لا جديد.. هم غير مسلمين أيضا.. لا علاقة للإسلام بذلك.

بتشرب نبيت؟

لا ، عصير ليمون.

والله أفيد برضو..

اتنين ليمون لو سمحت يا متر.
--

 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

العلم .. القلم .. التكريم

كانت الآية الاولى في القرآن :

( اقرأ . باسم ربك الذي خلق . خلق الانسان من علق )

أول ما قرنه الله بنفسه في هذه الرسالة كان الانسان . خلق الانسان . فكأن الانسان هو دليل الله . وطريقه . وهدفه . وإعجازه . فمن يريد الله يبحث عن الإنسان.

لم تكن آيات القرآن الأولى عبادات أو تشريعات أو مظاهر ، ولكن قراءة في خلق الإنسان.. تكوينه وحياته وعلومه.

فلو ضاع الانسان ضاعت الرسالة . وكل ما يسهم في تحسين حيات
ه هو دين بشكل أو آخر .. فالبحث العلمي دين والمضاد الحيوي دين والاقمار الصناعية دين .. فهل أجدنا تطبيق الدين !

وكانت الآيات التالية ..

( الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم . اقرأ وربك الأكرم )

لاحظ المفردات .. العلم / القلم / التكريم..

فالعلم قد اتخذ قدسيته من اقترانه بالله .. وهي علوم الحياة والخلق والكونيات .. ومن يتلقى العلم فهو يتلقى ما أرسله الله . والعلم المدون بالقلم . العلم التراكمي المتزايد . القائم على الدقة والملاحظة والكتابة . وكلما ازداد علمك كلما اقتربت، وكلما جهلت كلما افترقت.

والعلم والقلم والمكرمة ، أشياء لا تعيش في ظل حرب أو كراهية أو فقر .. والعلم لا يأتي إلا في دولة قوية ومجتمع متحاب.

كان خورتشوف يقول لعبد الناصر اجعل في كل شارع نادي رياضي ومكتبة .. فالشعب المثقف الرياضي يصنع المعجزات.

العجز والجهل صارا وجهي عملة رائجة في مجتمع مسلم، يزيد فيه التطرف، ويفارق العلم والمدنية ، رغم أن الله خاطب النبي في رسائله الأولى، عند الجبل، بكلمات تتحدث عن العلم والقلم والانسان ، في صحراء جافة جاهلية لم تعتد تلك المصطلحات.

أي إسلام هذا الذي نعيشه!

 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

الإسلام بين فتحين


 (1)

...
كان المفتش الأعظم، رجل الدين الكاثوليكي المتدين، مسئولا عن تتبع عقائد الناس والتفتيش في صدورهم.. وإذا شك في إيمان أحدهم، يحله إلى المحاكمة التي تنتهي به إلى المحرقة، كهرطيق، لا يستحق الحياة.

عبر ديستوفسكي عن تلك الشخصية في روايته "الإخوة كارامازوف" .. حيث التقى المفتش الأعظم السيد المسيح في الطريق فاستدرجه إلى السجن، وظل طيلة الليل يناقشه ليتأكد من مدى إيمانه، ومدى مطابقة كلامه لتعاليم المسيحية..

فاكتشف المفتش، في النهاية، أن المسيح ليس مسيحيا كما ينبغي (!)

وأن السيد المسيح يستحق أن ينال العقوبة على جريمة الهرطقة.. ولكن شفقة به سيسمح له بالهرب.. لم يجد السيد المسيح ردا ، إلا أنه قام وقبل جبينه، ثم صعد إلى السماء.

كانت تلك المحاكم تعقد في إسبانيا بعد خروج العرب، وتمت ملاحقة المسلمين واليهود وقتلهم، ولم يتوقف التعصب عند هذا الحد، بل امتد إلى بقية المسيحيين خارج مذهبهم مثل البروتستانت.

تلك سمة العصور المتخلفة، وسمة من لم يفهم روح الدين وتسربل بقشوره، ولم ينفذ الدين إلى أعماق وجدانه فجعله رقيقا رحيما.

الآن انتهت محاكم التفتيش من العالم، وبدأت في المنطقة الإسلامية بقوة.. وهذا مؤشر خطر على طريقة التفكير التي تسيطر على الوعي العام للمسلمين وطريقة فهمهم لطبيعة الدين.

(2)

الله في القرآن تحدث عن بني اسرائيل أنهم يحرفون الكتاب وهم يعلمون.. فلم يكن ضلالهم بناء عن سوء اختيار أو تخبط أو حيرة.. ولكن عن عمد.. وكان سبب ذلك، أو نتيجة له، أن قست قلوبهم.

( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )

وكأن الكفر والتحريف والمكابرة هم نتاج قسوة القلب.. وأن رقة القلوب تقود صاحبها إلى خير، فهي مفتاح الإيمان.. وهي طريق الله.. وبداية القسوة أن تحتكر الحق، وتحتقر الآخرين، وتنصب نفسك قاضيا على قلوبهم.

(3)

دخل الرسول على أم المؤمنين عائشة، فوجد عندها امرأة، فقال من هذه، قالت فلانة.. ثم ذكرت من صلاتها، وأثنت على عبادتها.. فقاطعها الرسول وقال، مه.. عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا. (البخاري / كتاب الإيمان)

الرسول في الحديث لا يعلق على صلاة المرأة، ولكنه يؤكد، في المقام الأول، على عدم إرهاق الناس بما لا يطيقون.

إنه يعرف أن التشدد يخلف الترك الكامل، ولو بعد زمن، وأن التيسير ينتشر في المجتمع ويجعل الناس أكثر حبا وتمسكا بدينهم.. والحب هو القوة الأولى التي تربط الناس والأديان.

الرسول لا يريد أن يكون معيار التفاضل بين الناس الإكثار في العبادة.. ويجعل الطريق موصولا بينك وبين السماء سواء بالطاعة أو حتى المعصية.. والله لا يمل.. لا يمل من العبادة، ولن يمل أن يغفر للعصاه التائبين.

يروي البخاري في كتاب الأحكام عن ابن عمر، أن الناس كانت تبايع الرسول على السمع والطاعة.. ولكن الرسول كان يضيف عبارة:

"فيما استطعتم.."

نعم الرسول لا يزايد على أحد.. ولا يشق عليه.. تخيل أنت من تعلن رغبتك في الالتزام بالسمع والطاعة ، بينما الرسول من يلتمس التخفيف والترفق قدر الاستطاعة، فالرسول لا يحب أن تكون ملتزما عن كره أو عنت.

يقول الله عن الرسول (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان)

أي أن الرسول لو استجاب لرغباتهم ستصير احكام الإسلام أكثر عنتا وشدة.. وتلك ليست رغبته ولا هدفه.. إنما هدفه أن يجعله دينا إنسانيا إلى أكثر درجة.. رحيما رقيقا بلا حدود.. وكأنه من الطبيعي أن يزايد البعض بالتشدد، ولكن النبي يخالفهم إلى الترفق.

(4)

تأتيني على المقالات كمية شتائم وبذاءات واتهامات عقيدية لا تحصى، ودائما تكون الشتائم والمزايدة من شخص ملتحي يفتخر بتدينه ويعلن ذلك على صفحته الشخصية، وينظر لنا على أننا جماعة من حطب جهنم كارهي الإسلام.

منهج الإسلام في مواجهة الكفار كان يعتمد النقاش المنطقي الهادئ الذي يثمر نتيجة قد تسهم في الوصول إلى الحق. منهج الإسلام صاغته الآية ببراعة:

(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)

لم يقل هاتوا سيوفكم.. أو هاتو نفيركم كي نرى من أكثر مالا وأعز ولدا.. بل قال هاتوا برهان.. منطق.. كلمة.. حوار محترم.

وكان منهج الكفار:

(لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه)

فكان منهجهم الصد والمصادرة والتطاول.. ليس بالامتناع عن سماع القرآن فقط، بل التعدي عليه باللغو فيه.. دون ترك فرصة للمخالف لهم في التعبير عن عقيدته بحرية وسماحة.

بعضهم يريد الانتصار للإسلام وهو يستخدم منهج الكافرين. ويظن نفسه تقيا.

*

قال الله لرسوله في الحديث مع أهل الكتاب (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)

وقال لنبيه موسى في الحديث مع فرعون (إذهبا إلى فرعون إنه طغى . فقولا له قولا لينا)

تخيل.. هكذا يكون الحوار مع المخالفين في العقيدة .. مع أهل الكتاب القول الحسن. ومع طغيان فرعون بالقول اللين.. فما بالك مع أخيك المسلم!

أي دين هذا الذي ينص في متون كتابه المقدس على الأحسن، وعلى لين الكلام .. ثم يكون أتباعه جماعة من الهمج.

(5)

نعم لدينا آيات تتعلق بالحرب والقتال.. ولكن الحرب للحرب.. وخطاب الحرب يحتاج الى شدة وجدية وانضباط.. ولكنها ظروف استثنائية لا تعمم على بقية الحياة.. لا يجب تبني خطاب الحرب في طرقات المدينة المسالمة.. وكانت الحرب وسيلة لأصحاب دين جديد يتعرضون للهجوم من قبائل العرب.

قال الله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير )

وكانت هذه الآية هي أولى آيات تشريع القتال، بعد أن امتنع المسلمين عن حمل السيف طوال الحقبة المكية لمدة 13 سنة. فلم يخوضوا حربا واحدة، بل ولم يكن مأذون لهم بالدفاع عن نفسهم. إما الصبر أو الهجرة.. لتعميق الإيمان في القلوب.

وكان بداية تشريع القتال بآية تضع أسبابه، واسبابه هي التعرض للظلم والقتل.. وهنا يتوجب الرد.

يدعم ذلك آية :

(فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم . وألقوا إليكم السلم . فما جعل الله لكم عليهم سبيلا)

أي، لو كفوا عن قتالكم والتعدي عليكم فلا تملكون عليهم من سبيل.. لا تتعرضوا لهم بالأذى أو الإكراه الديني أو المادي. لو توقف الكافر عن حربك فلا تقاتله، بل لا تملك عليه أي طريق للتعدي. إلا أن تعايشه بسلام.

والإسلام يبحث عن أي سبب ولو كان ضعيفا، أو واه، أو غير مقنع تماما، لافتراض حسن النية في الناس.. ولا يفتش عن نواياهم أو عقائدهم ويترك حسابهم لربهم.

أسامة بن زيد خرج لتأديب جماعة من الكافرين المعتدين.. ولما وقع رجلا فيهم تحت سيفه، قال أشهد ألا إله إلا الله.. فقتله أسامة.

محارب خرج لقتالك وحرص على قتلك.. ثم تغلبت عليه، فلجأ إلى حيلة.. ونطق بالشهادة.. هو كذاب لا شك، وغير مؤمن لا ريب.. ونسبة كذبه تكاد تصل إلى مائة بالمائة.. بل لو تركته فقد يميل عليك ويقتلك هو.

وعندما أخبر أسامه الرسول بالحدث، غضب، وظل يردد: هلا شققت عن صدره..

هذا الرجل قطعا لم يؤمن.. ولم يطبق أي شيء من تعاليم الإسلام.. ولم يتعبد إلا الله ولو ليوم واحد.. ولم تتغبر جبهته بسجدة واحدة.. فوق ذلك بادرنا بالقتال.. ولكن لو نطق بكلمة شفهية، ولو لم تمس القلب، تصير كافية لافتراض الإيمان فيه!

يا ربي إنهم يشككون في عقائد ناس أكثر إيمانا بكثير من هذا المتحايل الذي غضب النبي من أجله أشد الغضب، وتمنى أسامة أن لو لم يكن مسلما ساعتها.

وفي رواية أخرى عند البخاري، في كتاب المغازي.. كان خالد ابن الوليد على رأس سرية إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا.. ربما يتحايلون، أو لم يعلموا الإسلام جيدا.. فقتلهم خالد.

وعلم النبي.. فتمعر وجهه من الغضب.. ورفع يده إلى السماء وظل يردد.. اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد.

تخيل ناس غير مسلمة.. ولم تتعبد ليوم واحد .. ونطقت باسم الإسلام خطأ.. ورغم ذلك افترض فيهم الرسول الخير.. وعصم إيمانهم المشوه.. وتجاوز عن قولهم، وحاول أن يلتمس شيئا طيبا خفيا قد لا نعلمه في قلوبهم.

حتى لو أخطأ الناس في اسم الدين ومدخل العقيدة، فالرسول يسامح.. فما بالك بمن يتهم من يحسنون النطق والعبادة والخشوع!

(6)

ذهب الأعراب وسألوا عن عبادة الرسول فتقالوها .. أي وجدوا أن الرسول لا يتعبد بما فيه الكفاية.. فخرج عليهم الرسول وأنكر عليهم المغالاة والمزايدة .. يبدو أن البعض قد يرى أن محمدا ليس مسلما بما فيه الكفاية.. تماما كما رأى كبير المفتشين أن المسيح ليس مسيحيا كما ينبغي.

هكذا تنهزم الأديان، ويكفر الناس بها، وتتحول إلى عبء على ثقافة البشرية، فترفضها، لما تورثه من كراهية وعداء واضطراب المجتمعات.. على عكس ما هدفت له..

*

يجهل هؤلاء أن الفتح الأول للإسلام في المدينة كان بالقرآن وليس بالسيف أو العنف أو الإكراه.. مقر الإسلام الأول تهيأ أتباعه بسماع القرآن.. والقرآن كلمات.. والكلمات تحتاج إلى تدبر وهدوء واقتناع.. والكلمات المقنعة لا تطيق التشنج والتشدد والبذاءة.

ذهب لهم مصعب ابن عمير بعد بيعة العقبة الأولى.. كما يروي ابن هشام في سيرته.. وجلس في بيت أسعد بن زرارة.. يقرأ ويصلي ويدعو الناس بالحكمة.. فعلم به شرفاء يثرب. فأرسلوا في إثره لقتله أو إخراجه.

ذهب له أسيد بن حضير يحمل حربته، ويدعوه للخروج من المدينة، لأنه على حد قوله يغري سفهاءهم..

فقال له مصعب: أوتجلس فتسمع فإن رضيت الأمر قبلته وإن كرهته نكف عنك ما تكره..

لا يطلب شيئا سوى أن يسمع منه، وله أن يرضى به أو يرفضه.. هكذا بكل بساطة.

وتكرر الأمر مع سعد بن معاذ.. فأسلما، وكانا من أشراف القوم فقادا الناس إلى الإسلام.. وكان الفتح الأول.. بالكلمة. الآيات. القرآن.

(7)

فتح الإسلام الأول في المدينة كان بالكلمة.. وفتحه الثاني في مكة كان محمولا على رايات العفو والصفح، وعدم الانتقام ممن قاتلوهم وأخرجوهم من أموالهم وديارهم..

وهكذا يعيش الدين. بين فتحين.. أحدهما يحمل الكلمة والثاني يقدم المصافحة.. فماذا تريدون من الدين وكيف تفهموه.

 
 
..................
 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

الخميس، 16 مايو 2013

وسمع الله صوتها

افتحي أول صفحات صحيح البخاري، كتاب الوحي. الحديث رقم 3 . إنه يروي خوف محمد الرسول من هبوط جبريل الأول ، وارتماءه في حضن خديجة التي تحتوي خوفه وتذكره بفضائله من شجاعة وكرم ورحمة . تتبنى قضيته و تأخذه من يده وتذهب به إلى راهب كي تعرض عليه المشكلة.

فكان هبوط الوحي مقترن بصحبة خديجة. امرأة.

وافتحي كتاب الله . ستجدي أن أطول سور القرآن . هي سورة النساء . ولا توجد سورة اسمها الرج
ال . وهناك سورة على اسم امرأة "مريم" . وسورة أخرى تحكي عن ملكة سبأ. حيث يمتدح براعتها وحكمتها في إدارة شؤون المملكة.

واقرأي في السيرة عن أم عمارة ، نسيبة بنت كعب ، وقفت تدافع عن محمد الرسول في أحد . ويفتخر بها . ويقول ، ما التفت يمنة ولا يسرة إلا وجدتها تدافع من دوني.

عند سفح جبل أحد فر الكثير من الرجال الأشداء المؤمنين من المهاجرين والانصار . ووقفت امرأة. تحمل سيفا ، تجري وتهرول ، تطعن وتتلقى الطعنات. لم يهتم الرسول أن يأمرها بعدم الاختلاط أو مخافة لمس جسد رجل أجنبي أو كل هذا الهوس . غالبا كانت ترتدي ملابس عملية "بنطلون" حتى تستطيع الكر والفر والحركة. وغالبا لم تكن مختفية المعالم!

وفاطمة وقف لها الرسول وهو وسط مجالس الرجال يحيها ويفسح لها إلى جواره.

وكان يضع قدمه على الأرض لتصعد زوجته على فخذه لتركب الهودج.

ولما مات الرسول، وجمع القرآن في مصحف واحد حُفظ عند امرأة. حفصة. رغم خطورة الأمر واحتياج جماعة من الرجال الأشداء للحفاظ على هذه النسخة الوحيدة.

وعينها عمر بن الخطاب كمحتسب يراقب الأسواق . إنها الشفاء بنت عبد الله ، التي تولت وظيفة تقترب من وظيفة مدير الأمن في الوقت الحالي . وكان يقدمها في الرأي ويستمع لها.

وجاءته خولة بنت ثعلبة تشكو زوجها الذي ظاهرها . فنزلت السماء بآيات تحل مشكلتها .. تخيلي، الله في السماء يستمع لامرأة لديها مشكلة زوجية ، ويكرس الوحي خصوصا لحالاتها.

وكانت المرأة تصلي خلف الرسول في ذات المسجد دون حجاب يفصلهما . ويتوضأون من ذات المكان جميعا ( حديث البخاري ) .

وجاءته فتاة صغيرة تشتكي أن أبيها زوجها جبرا . فأحضر الرسول أباها زوجها وحكم لها بحق فسخ علاقة الزوجية. وأعطاها ذمة مالية مستقلة تبيع وتشتري وتتاجر . فضلا عن مباشرتها للنكاح دون ولي ( كما عند السادة الأحناف ) وحقها في الطلاق والخلع والنفقة.

وكان العرب يقتلوها طفلة . فنزلت الآيات تعطيها الحق في الحياة . وكانوا يحرموها من الميراث ( ولا يزالون ) فأعطاها نصيبها . بالمناسبة نصيب المرأة في الميراث في بعض الحالات يتساوى مع نصيب الرجل . وأحيانا يزيد عليه . ولكننا لم ندرس المواريث .

تلاحظي أن قضيتها حاضرة بقوة في النص الأول.

أوروبا لفترة قريبة جدا لم تكن تعطي للمرأة حق التصويت. والحضارة اليونانية كانت تسمح للرجل بقتل زوجته دون عقاب. والسيدة ماري كوري عندما حصدت نوبل كتبوها باسم زوجها حرجا من أن ينادوا اسم امرأة في جائزة كبيرة كتلك .

ليست مشكلة الدين . إنما ، مشكلة نفوسنا المريضة التي لم تعتد المعاملة الحسنة مع الناس أجمعين . إنها مشكلة سلوك لا أكثر .

 
...............
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

أم المؤمنين تسمع الموسيقى

أثناء رجوعي البيت ركبت الميكروباص . وفي الطريق تعالى صوت أحدهم من خلفي:

- ممكن تطفي الكاسيت يا اسطى. خد شغلنا شريط الشيخ محمد حسين يعقوب. اتق الله الأغاني حرام.

التفت فأجد شابا في منتصف العشرين له لحيه حديثه النشوء وبجبهته علامة صلاة واضحة.

...

 قلت له بلهجة هادئة:

- الأغاني والموسيقى مستحبة في الإسلام ! وسنة عن السيدة عائشة أم المؤمنين . وهي من مدخلات السرور على الإنسان .

كاد الشاب أن يقفز من مكانه قفزة تجعله يدخل الأولومبياد باقتدار. ويمسك في عنقي.

هدأت من روعه.. ورأيت الناس في الميكروباص تبتسم وتستعد لسماع حوار طريف.

تلك المرأة التي تتحدث في هاتفها قد أغلقته. والكهل الذي يطالع الجريدة كف عنها. وهذا المراهق الذي يمسك يد حبيبته في الكرسي الخلفي قد انتبه.

تابعت حديثي ..

- انت قرأت صحيح البخاري قبل كدة ؟

- مش كله .

- في حديث رقم 949 في باب العيدين .. كانت السيدة عائشة لديها جاريتان من الأنصار يغنيان ويعزفان بالمزامير . فدخل أبو بكر فنهرها . ولكن الرسول كان مضجعا فحول وجهه ناحية أبي بكر وقال ، "دعهما".

طبعا الرسول هنا هو المشرع وأبي بكر فقط يريد الحفاظ على الهدوء. وإجازة الرسول هي الأساس.

طب قرأت صحيح مسلم ؟

- مش كله !

- تعرف ان مسلم روى الحديث تحت باب اسمه : اللعب الذي لا معصية فيه .

يعني يا مولانا المعازف والغناء لا معصية فيهما . بشهادة الإمام مسلم الذي صنف الحديث . وبشهادة عائشة زوج الرسول . وبشهادة الرسول اللي كان جالس قصادهم لا يعترض .

انت متخيل ! بيت الرسول فيه فرقة تغني وتعزف الناي !

يزمجر الشاب ، ويقول :

- هرجع للشيخ بتاعي أسأله. وبعدين في أحاديث تانية تقول بتحريم المعازف . وابن عباس قال عليه لهو الحديث .

- يا سيدي أنا أروي لك حديث في أعلى كتب الصحاح . حديث متفق عليه . واضح وصريح وصحيح .. مغنية ومزمار .. وهي الوسيلة البدائية في الفن . وما دون ذلك من روايات إما مختلف في صحتها أو مختلف في معناها .

وعلى فكرة هترجع للشيخ بتاعك أو للانترنت وهتشوف كلام كتير مالوش اي لازمة عشان يتوهك .. لكن لإنك ميال للتشدد وكذلك مشايخك فهتتجاهلوا النص الصريح رغم زعمكم اتباع السنة.

سلوك بني اسرائيل كان كذلك . يميل للتشدد وتحريم ما أحل الله . والله حذرنا من ذلك . وجعل الأصل في الأشياء الإباحة والحل . وأن المحرمات محددة على سبيل الحصر . وما دون ذلك طيبات.

- أنت تفتنني في ديني . أرفض النقاش معك .

- طب افتكر بس ان أم المؤمنين كانت بتسمع أغاني مزيكا .

انظر للناس واقول ، يا جماعة تحريم ما أحل الله ذنب مثله مثل تحليل الحرام . يعني اللي مش هيسمع مزيكة بعد كدة هياخد ذنوب .. أنا قلتلكم أهو !

ثم أنظر للسائق وأقول ، علّي يا ساطا ..

فيصرخ راغب علامة : علمتيني أحب الدنيا ، علمتيني أحب .

 
............
 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 
 

دور النظام السياسي

ما هو دور النظام السياسي في حياتنا يا ريم ؟

دعينا نتجاوز الصراع الحالي بكل ما فيه من مغالطات وسذاجة وتزوير ، ونبحث عن إجابة علمية مقنعة.

أجدك تسحبين كتابا رصينا من الرف العلوي للمكتبة من قسم العلوم السياسية وتقرأين :
...

 1- حل الخلافات وإقرار القانون . وهي الوظيفة الرئيسية للنظام ولو لم يقم بها يتعرض للتآكل والتغير . فهو يضع القواعد القانونية التي تكفل الحماية للمواطنين ويوقع الجزاء على من ينتهكها.

2- إدارة الموارد وحسن توزيعها على الناس . وهي وظيفة تتعلق بالاقتصاد والإنتاج والتخطيط.

3- النظام السياسي كآلية للتغيير الإجتماعي . خاصة في أنظمة ما بعد الثورات.

لن أطالبك أن تسقطي الشروط الثلاثة على الواقع لأن النتيجة ستكون مفزعة.

فالنظام الحالي لا يستطيع حل المشاكل أو تطبيق القانون أو ردع الخارجين . بل هو يشرعن العنف والطائفية والاستبداد بالرأي وتشويه المعارضين.

كما أنه لا يملك خطة واضحة لإدارة الموارد وحسن توزيعها . وكل ما نراه هو إحلال أفراد الجماعة محل رجال أعمال لجنة السياسات. فالجماعة تقتسم أرباح عهد مبارك مع رجال أعماله في مقابل تسويات.

أيضا النظام الحالي لا يقوم بأي تغير اجتماعي يتعلق بالثقافة أو الوعي أو طبيعة التدين. بل يكرس لخطاب عشوائي مضلل يقوم في جزء منه على الكذب ، وفي جزء آخر على تجاهل الحقائق ، وفي جزء ثالث على اللاشئ.

*

دعيني أقرأ لك حقيقة مفزعة ترصدها الأقمار الصناعية وأعلنها مركز دراسات الصحراء.

وهي أن مصر تخسر كل يوم ، على أقل تقدير ، 3 أفدنة من المساحة المزروعة لتتحول إلى صحراء أو كتل خرصانية.

وأن مصر خسرت خلال العشرين سنة الأخيرة حوالي 2 مليون فدان .. هذا رقم ضخم يا ريم يؤثر على ميزانية دولة .. مصر تزرع الآن 8 مليون فدان، بسبب جهود محمد علي باشا في مشروعات الري ، بعد أن حول نظام الري من ري الحياض إلى الري الدائم . وذلك كان انقلابا اقتصاديا في مصر . وجهود عبد الناصر الذي حمانا من الجفاف والفيضان.

على المستوى الديني الأرض هي كل شيء . الله يقول ( منها خلقناكم . وفيها نعيدكم . ومنها نخرجكم تارة أخرى ). فالحياة والموت والبعث متعلقون بالأرض.

وفي الحديث الصحيح أن من غرس غرسا أو زرع زرعا يظل له به صدقة . وأحاديث أخرى تحث على إحياء الأرض الموات . وعلى المستوى السياسي هي الإقليم الذي يحمل الناس . وعلى المستوى الاقتصادي هي منبع الثروة .

فهل انتبه النظام السياسي لها . وهل عمد إلى توعية الناس بخطورة شأنها ؟!

أنا فقط أطبق معايير علوم السياسة ، وبدهيات الدين . لأحكم عليهم بشكل محايد بعيد عن المزايدات أو التشنج.

والأنظمة التي تتجاهل ذلك ستسقط حتما يا ريم.

...........
 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 
 

اعدل يا محمد ..

" ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل .. خِبتُ وخسرتُ إن لم أعدل."

الحكاية تبدأ عند الرسول محمد .. يجلس يقسم الثمر بين الناس فيأتيه رجل من تميم ويقول له : اعدل يا محمد.

ينظر له الرسول وجلا ويقول الجملة السابقة. كما في رواية الإمام مسلم.

الرسول يجعل السمة الرئيسية له أنه يعدل بين الناس بغض النظر عن أي انتماء. ثم يقول أنه – الرسول – يخيب ويخسر في الدنيا والآخرة لو لم يعدل.

هو الرسول النبي الخاتم لوحي ا
لسماء. ولكن لو تراجع خطوة واحدة عن العدل بين الناس فإنه يفقد كل ميزاته.

لذا قال لأهله في رهبة: " يا بني عبد المطلب، لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتونني بالأنساب. "

المعيار هو العمل. والمساواة بين البشر في الحكم بناءا على أعمالهم. ونسبك الذي يمتد للرسول لن يجعل لك أي ميزة.

كان هذا انقلاب كبير في الفكر الانساني القائم على العصبية والقبلية والتطرف وغياب الإنصاف.

لقد ظل الانتماء الأسري أو القبلي هو المسيطر على العالم شرقا وغربا. ظل الحكم وراثيا في كافة الامبراطوريات في أوروبا وافريقيا وآسيا . اسلامية أو مسيحية أو كافرة.

ومات محمد وترك كلماته . لمن كان له قلب أو ألقى السمع .

بقية الحديث مهمة للغاية.

يقوم عمر بن الخطاب ويريد أن يضرب عنق الرجل المتطاول على مقام النبوة . ولكن الرسول يرفض . ليشرع انتقاد الحاكم حتى لو كان في مرتبة "نبي" !

ثم يتنبأ الرسول بقوم يأتون من بعد . نحقر صلاتنا إلى صلاتهم وصومنا إلى صومهم . يقرأون القرآن كثيرا ولا يجاوز حناجرهم إلى قلوبهم . يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ( الفريسة ) .

الرسول يقول أن هناك مرتدين عن هذا الدين سيظهرون . ولن نميزهم لأنهم كثيرو الصوم والصلاة وتلاوة القرآن . ولكن كل هذه الأعمال التعبدية وحدها ليست كافية لإبقائك في عصمة الإسلام . يجب أن يكون هناك شيء آخر . ربما متعلق بالعقل المستنير أو القلب الرقيق . بالوعي والإيمان . بالسلوك والأخلاق.. ربما .

ولكن يكفي أن رسالة الرسول تقول أن أوائل المارقين من الدين قوم كثيرو الركوع والسجود ! ولكنهم قوم لا يفقهون . غلاظ القلوب منحرفي العقول.

في رواية ثانية لذات الحديث. أنه أثناء التقسيم رفض أحد الرجال قسمة الرسول واتهمه بالتحيز!

ولم يكتف الرجل بهذا بل قال للرسول : اتق الله !

رسول / قائد جيش / حاكم .. ويقوم أحد الناس ظلما وبهتانا بالتطاول عليه واتهامه. ولا يحدث له شيء. أعتقد أن أزهى عصور الديمقراطية في أثينا وبيزنطة لم تكن تسمح بهذا التحاور بين الملك أوالقائد وبين العوام . دولنا العربية الاسلامية الآن لا تسمح بهذا القدر من التواصل والنقد بين الحاكم وشعبه.

ويمشي الرجل بعد أن اتهم الرسول دون أن يؤذيه أحد .

وعندما يطالب خالد بن الوليد أن يتعقبه لضربه، يرفض الرسول، ويحمي من تطاول عليه .

سؤالي: هل يحمينا رؤساؤنا لو انتقدناهم . خاصة أننا لا ننتقد أنبياء . وخاصة أن انتقاداتنا تكون في محلها !

*
ويصر البعض أن يلعقوا أصابعهم عقب الطعام زعما منهم أنهم بذلك قد أحسنوا التشبه بالرسول!

*

وفي رواية يقول الرسول عن هذا الرجل وأمثاله أنهم يمرقون من الدين. الرسول نفسه هو الذي حكم على الرجل بترك الملة. ولم يسمح لأحدهم أن ينال منه أو يعتدي عليه. ثم يتركه وشأنه.

لم ينشئ الرسول جهاز شرطة أو هيئة أمر أو جهاز قضائي يحاكم الناس بناءا على عقائدهم أو يفتش في صدورهم . أو يعاقبهم على انحرافهم العقيدي . قال الرسول على الرجل أنه مارق من الدين . وذاك حكم صدر من أعلى هيئة في الإسلام . ورغم ذلك لم ينل عقوبة.

ورد على من يريد تتبع الرجل : "معاذ الله. أن يقول الناس أن محمدا يقتل أصحابه. "

الآن الناس تعطي لنفسها حق يفوق حق الرسول . وتجزم بما لم يجزم به الرسول . وتريد أن تنزل عقوبة وفقا لأسباب واهية بناءا على حق إلاهي مطلق.

--

بمناسبة العدل الذي جعله الرسول سمته الأول .. مكتب النائب العام اليوم "ممثل العدل في مصر" مغلق بالجنزير. على خلفية حكم قضائي بعدم مشروعية تعيينه . واتهام البعض له أنه موالي للنظام الحاكم على حساب معارضيه.

هل هكذا تبنون دولة تحترم قيم الإسلام !

 
 
..................
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

الطيبون عددهم قليل لكنه يكفي ..

أحدهم عبر عن إحباطه من الوضع وعدم جدوى كل جهود المصلحين..

قلت له، كان دانتي يكتب على باب جحيمه: أيها الداخلون إلى جهنم اتركوا وراءكم كل أمل في النجاة.. نحن لم نصل للجحيم بعد. لذلك فأنا مقتنع دوما أن هناك أمل .. وأن السعي المخلص للطيبين لا يضيع سدى.. وأن الطغاة يموتون والشجعان ينتصرون.

الصين قامت فيها مجاعة منذ ستين سنة مات فيها خمسين مليونا، وأكل الناس الطين وورق الشجر ولحوم البشر.. الآن الصين...
هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم.. وأوروبا فقدت ستين مليون قتيل في حرب واحدة, وتحولت لندن إلى أرض خراب waste land بعد صواريخ v-2 طويلة المدى التي استخدمها هتلر.. والآن صارت مكانا يشبه الجنة.

احمد فؤاد نجم ظل في السجن 18 سنة، ولكنه صار زعيما في ذكرانا. ومن سجنوه صاروا حثالة طمرهم النسيان. ونيلسون مانديلا بعد 27 سنة من السجن خرج ليقود بلده إلى المساواة وإلغاء الفصل العنصري.. وغاندي بعنزته الهزيلة التي يحلب لبنها وأسماله البالية التي تداري عظامه الناشزة تغلب على بريطانيا وحقق الاستقلال لوطنه الهند.

الغريب أن غاندي الذي هزم بريطانيا بابتسامته وشجاعته لم يستطع حماية وطنه من حرب طاحنة بين المسلمين والهندوس، مات فيها ألوف، وانقسمت على اثرها الهند الشرقية ( باكستان ) وظل الرجل حزينا في أيامه الأخيرة إلى أن قتله أحد المتطرفين من بني دينه.

تحرير البلد من المحتل أسهل بكثير من نزع فتيل الطائفية والاقتتال الداخلي ورواسب الجهل.

وأبو جهل عمرو بن هشام مات، وأبو سفيان اضطر إلى الإسلام، وأظهر الله دينه بعزيمة المؤمنين المظلومين المخرجين من ديارهم.. وهلك اليزيد بن معاوية كسفاح وظل الحسين في أذهاننا قديسا شهيدا له في كل قطر مقام..

وأنشد احمد مطر في قصيدته: فإن خيرت بين اثنين.. أن أغني مترفا عند يزيد.. أو أصلي جائعا خلف الحسين.. سأصلي جائعا خلف الحسين.

الطيبون عددهم قليل، لكنه يكفي.. والغريب أنه مثل ينتمي لليسار.

 
....................
 
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

أبو حنيفة واللاب توب والإعلان العالمي لحقوق الانسان

قاعد أجهز لمقال , وباستخدم 2 لاب توب , واحد صغير بكتب عليه والتاني كبير للبحث , ومعايا CDs تحوي مكتبات ضخمة لآلاف كتب الفقه والحديث والسير , وعن يميني مكتبتي الورقية التي تحوي بضع مئات من الكتب المنقحة , والشيخ جوجل جزاه الله خيرا بيساعد برضو .

الفقهاء القدامى كان الواحد منهم يسافر لشهور للحصول على حديث أو ورقة أو مخطوطة .. كان الحصول ...
على حبر وصحائف في حد ذاته انجاز كبير , فالناس كانت تكتب على الصخور وعلى جريد النخل .. لو ان ابا حنيفة استيقظ الان ووجدني اكتب بتلك الدقة وتحت يدي مراجع وعلوم وطرق بحث حديثة , و أجلس على منضدة مستوية واتناول القهوة الامريكية , لنفض كل علومه وبدأ في التعلم من جديد .

الامام الشافعي لمجرد أنه سافر من العراق الى مصر , قام بتغيير فتاويه والكثير من آرائه حتى صار له مذهبان , رغم ان العراق ومصر متقاربان في المكان والحضارة , والشافعي حياته كلها كانت 50 سنة , فهو لم يعش لبضعة قرون ليرى تلك التغيرات التي يصعب استيعابها .

احنا عايشين في زمن واحد ومش قادرين نفهم كل حاجة عن العلوم والاقتصاد والشركات الدولية وثورة الاتصالات فما بالك بمن كان يعيش منذ اكثر من الف سنة ؟؟

لماذا نحتقر انفسنا ونصر على علم الاسلاف - رغم عظمتهم - ولا ننهض لنصنع علما موازيا حداثيا يستلهم مقاصد الاسلام ويواكب روح العصر ؟؟ الارتداد الى الماضي في كل شيء هو اكبر دليل على الانهزام والفرار من المسئولية . بعض دول شرق اسيا الاسلامية مثل اندونيسيا وماليزيا اثناء نهضتها ادركت انه من دون نهضة في الفكر الاسلامي فلا نهضة في الفكر الحديث .. فمنعت تدريس اي كتاب فقه يزيد عمره عن مئة عام , وألزمت المشايخ وعلماء الدين بالتجديد والتأليف والكتابة والابتكار في أمور الحياة بدلا من العيش في أضابير الماضي .

يجب أن نأخذ من الماضي المقاصد والاحكام والاهداف الكلية والنصوص المؤكدة .. ثم نعيد تطبيقها وانزالها على الوقائع الحالية بانعزال عن هذا الماضي .

هناك باب كامل في الفقه الاسلامي يتعلق بوظيفة "السقا" وهو الرجل الذي يحمل قربة من الجلد على ظهره ليبيع الماء , مات السقا وصارت هناك محطات ضخ وتحلية مياه , دعوا السقا الى حال سبيله ويكون الحديث عنه من باب التاريخ المنضوي , فلا نريد أن نجعل السقا هو المفتي الذي يقود عصر منشآت البنية التحتية من سدود ومصارف ومحطات .

*

لا نريد أن نقول ( إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على أثارهم مهتدون ) فتلك مقولة الذي كفروا وضلوا ضلالا بعيدا .. وكان رد أنبياء الله عليهم ( أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه أباءكم ! ) , فكان الصراع بين التقليد والحداثة هو الصراع بين الحق والباطل , والحق كان هو الأحدث .

*

الاسلام لا يقصد تلك التفاصيل بل هي بنت زمانها تعيش معه وتموت بموته , ولذلك يجب عبورها سريعا والتعاطي مع ما يجد عليها .. وكلامي هذا ليس بدعا من الخلق فلقد ردده الشيخ "محمود شلتوت" في كتبه , وأكد أن الاسلام هو خطوط عريضة تحمي حياة الانسان وتنظم علاقته بالمجتمع وتهديه من العبثية وفساد الاخلاق وتحض على العدل والتكافل والتراحم والاصلاح وتنهى عن الظلم بكل صوره , وما دون ذلك من تفصيلات فهي أمور مؤقتة دخيلة على الفقه الاسلامي الذي يجب أن يغير ثوبه كل فترة .

وأكد على ذلك العالم الجليل الشيخ "عبد المعطي بيومي" رحمه الله , وقال أن أي نظام يحقق العدل والرفاهية والانضباط فهو نظام اسلامي بغض النظر عن المسميات .. علماني / يساري / ليبرالي / قومي .. الخ . فلا مشاحة في الاصطلاحات انما النتائج المتحققة من خلف هذه الانظمة هو المهم .

والدكتور "علي جمعة" مفتي مصر , كتب عدة مقالات في هذا الشأن , وقال أن الليبرالية بمفهومها الحديث القائم على حرية الفكر والمساواة بين البشر والإعلاء من شأن حقوق الانسان لا تمس الدين في شيء بل تتفق مع كثير من أحكامه .

وحينما جلس عرابي ومحمود سامي البارودي مع الشيخ محمد عبده يتشاورون في النظام السياسي الامثل لمصر , هل تظل ملكية أم تتحول الى جمهورية , تحدث الامام محمد عبده عن النظام السياسي " الامثل" الذي يحقق مصلحة البلاد والعباد , ولم يقحم مصطلحات مثل الدولة الاسلامية أو الخلافة , لأنه يدرك أن الاسلام لا ينص على نموذج بعينه , إنما يتصالح مع أي نموذج يحقق العدل والرفاهية وينهى عن الظلم والقهر .

وبمراجعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ببنوده الثلاثين - كما تقول الدكتور فوزية العشماوي رئيس قسم الدراسات الاسلامية بجامعة جنيف - والذي اجتمعت ثقافات العالم كله لوضعه , تجده يتفق مع روح الاسلام في 27 مادة , بينما الخلاف في ثلاثة مواد فقط . مما يدل على أننا قريبين جدا من منتجات الثقافة العالمية الحديثة وأن مقدار الاتفاق كبير جد والخصومة هامشية .

*

نحن نعيش خصومة وهمية مع أنفسنا ومع التاريخ ومع الحضارة الحديثة , ونضيع الوقت في مهاترات ساذجة , وننصرف عن الطرق الرئيسية الكبرى الى الأذقة الداخلية المعتمة , وتركنا عبادة الله إلى عبادة الأسلاف , وبدلا من أن كانت وصايا الدين تحمي الانسان من الظلم والقهر والفساد والانحطاط السلوكي , صارت طقوس مفرغة ومظاهر ساذجة وجدل بيزنطي عقيم .

والغريب أن كلمة " سلف " لم ترد في القرآن سوى مرة واحدة من باب الذم , في الآية 56 من سورة الزخرف ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم مثلا .وسلفًا. للآخرين ) .. فلماذا نصر على الاستمساك بكلمة جعلها الله عنوانا لقوم هالكين ثم نضعها نحن شعارا للإسلام ؟؟! لازلت مندهش .

..............
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

نقد حديث

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله خلق آدم عليه السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذرية قال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله عز وجل ] إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة ، حتى يموت على... عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخل به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار . ورواه أبو داود ، والترمذي ، [ ص: 305 ] والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وابن حبان في صحيحه

*
الرد :

هذا الحديث يتنافى مع القرآن الكريم الذي قال ( ليس لك من الامر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم إنهم ظالمون ) .. النبي نفسه لا يعلم , ولا يملك أن يحدد , من يدخل الجنة ومن لا يدخل .


الله قال ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) .. الله يقول هنا أن "سعي" الانسان , وهو عمله , هو حصيلتة التي يحاسب بناء عليها , وهو المعيار الوحيد لتحديد مصيره .


الله قال ( تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين . من جاء بالحسنة فله خير منها . ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين يعملون السيئات إلا ما كانو يعملون ) القصص .

- بداية الاية تتحدث عن أن الله يمنح الاخرة للذين لا "يريدون" الاستعلاء أو يبتغون الفساد .. وكلمة الارادة تدل على مقدرة الانسان على اختيار الخير والشر وعدم اجباره على مسار بعينه .

- ثم الاية التالية تتحدث عن كرم الله ورحمته وعدله .. فالمحسن ينال خيرا مما فعل , والمسيء لن يعاقب إلا على سيئته فقط . حتى يؤكد على أن أفعالك الحسنة أو السيئة هي البادئة التي سيحدد الله الطريقة التي سيعاملك بها بعدها .

*
( وما ظلمهم الله ولكن الناس أنفسهم يظلمون !!)

( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها !!)

*
السنة النبوية باختصار : هي كل ما صدر عن النبي من قول او فعل او تقرير .. أفعال النبي انتقلت لنا بالتواتر مثل هيئات الصلاة والحج .. ولكن المشكلة تكمن في أقوال النبي " الحديث " وهو جزء من السنة وليس كل السنة .. ولم يبدأ تدوينها إلا بعد قرن ونصف من الزمان , فدخل عليها التحريف والتزييف , فلم يعد احدهم يعلم الصدق من الكذب فيها , حتى أصدق الكتب وأدقها تحوي اشياءا مشكوك فيها .

ولذلك صدرت فتوى من الازهر الشريف عام 1990 برئاسة الشيخ المشد , أن الحديث النبوي هو دليل ظني الثبوت وليس قطعيا , ولذلك فلا يؤخذ به في مجال العقائد , ومن ينكره فلم ينكر شيئا قطعيا في الاسلام لذلك فلا يؤثر ذلك على اسلامه .

دعني أقول أن الحديث النبوي يجب أن يمر على ضابطين .. القرآن الكريم والعقل الاسلامي الرشيد .. ولذلك لم يكن غريبا أن يقدم الامام مالك عمل اهل المدينة على رواية الحديث , فلقد اعتبر افعالهم حجة على الاسلام اكثر من الحديث الذي قد لا يكون دقيقا .. والامام ابو حنيفة اعتمد القياس العقلي كضابط يحتكم له قبل الاخذ بالحديث .

قد يكون كلاما غريبا أو مصادما للذهنية الحالية , ولكنها حقيقة , وفي هذا دليل على أننا منعزلون عن منابع تكوين الاسلام الصحيحة ونعبد الله من خلال انطباعات ماخذوه من وعاظ واعلاميين ودعاة دوجمائيين ألزمونا بفهمهم القاصر والمغلوط .

*

وكانت حجة من كفر بالرسل ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون )

وكان رد الرسول ( أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه أباءكم الأولين )

نحن لا نعبد الله بفهم الاسلاف , لأن في هذا خطر على عقولنا وعقيدتنا وحياتنا .

 
............
 

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

الإيمان والميزان

يقول الله ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط . وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع )

الله يقر أن هداية الرسل تحوي شيئين رئيسيين :

- الكتاب : وفيه الايمان بالله كشق عقائدي يحمينا من العبثية والضياع .
- الميزان : تشريع يهدف إلى أن يقوم الناس بالقسط .. وهو العدل ونقيض الظلم .

ثم تحدث عن الحديد الذي ينفع الناس .. في إشارة إلى البحث عن الموارد الطبيعية التي تنفع الناس في حياتهم .. وتلك الموارد لن نتملكها بدون علم .

تلك هي الكليات : الايمان بالله مصدر الوجود ومنبع القيم , ثم القسط بين الناس , والعلم الذي يمكنا من الاستخدام الامثل للموارد .

وما دون ذلك من تفاصيل فهي أمور مؤقتة وغير ثابتة وقابلة للتغير والاجتهاد .

وزن شعرة من خير

و ظل يصرخ فيهم : يجب أن نكرههم ونعاديهم .. انها عقيدة الولاء والبراء .. لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم والاخر يوادون من حاد الله ورسوله .

فقلت له بتلقائية : لو سمحت اعطني قلمك لأدون ملاحظة , فأعطاه لي , نظرت فوجدته uni ball وهو صناعة يابانية , واليابان دولة بوذية كافرة طبعا .

فقلت له انت توالي الكفار يا أخي , فنظر لي شذرا , فأكملت , أنت تشتري قلما يابانيا لتكتب به عن ...
الاسلام , فأنت تدعم الاقتصاد والصناعة والتجارة اليابانية . حتى لو زعمت أنك تكرههم فأنت بشكل غير مباشر تواليهم .

إما أن تتوقف عن قراءة الاية أو تتوقف عن شراء الاقلام اليابانية !

أو .. تفتح عقلك وتمحو الغشاوة عنه , وتقرأ الاية باستنارة , الله قال يوادون من "حاد" الله ورسوله , فهؤلاء قد اتخذوا موقفا عدائيا حادا , كارها ومحاربا للمسلمين , فتوجب علينا كرد فعل أن لا نواددهم وأن نرد اعتدائهم .

تلك هي الآية 22 من سورة المجادلة , والآية 20 تسبقها وتمهد لها ( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين ) وهؤلاء اقترن كفرهم بحرب وعداء , وليس فقط مجرد عدم الاقتناع بالاسلام بشكل سلمي . كما أنهم يمنعوا المسلمين حقهم في العبادة والعقيدة .

يجب أن يكون ذلك هو فهمنا حتى يتسق مع آية الممتحنة ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ) الآية التي ذكرناها في سورة المجادلة تمنع الود بيننا وبينهم. والاية في سورة الممتحنة تسمح به .

أصحاب المراهقة الفكرية والعقول الصبيانية لا تفرق بين الموقفين .

الاية الأولى - التي اتخذوها دعامة مبدأ الولاء والبراء - تتحدث عن كافر محارب عدو ويتعمد الاسلام بالترصد والقتل بشكل واضح , وهؤلاء يجب معاملتهم بخشونة .. والآية الثانية تتحدث عن الكافر المسالم وذلك يجب علينا معه البر والقسط .. البر الذي لم يستخدمه القرآن إلا مع علاقة الابن والاب .

في أحد التفاسير - عساه الطبري - يقول أن القسط هنا ليس المقصود به العدل .. لأننا مأمورون بالعدل مع الجميع سواءا كان محاربا أو غير محارب .. إنما أن نقسط اليهم في الاموال وأن نقتسمها معهم طالما كانت هناك حاجة .

فنعطي "الكفار" من أموالنا طالما كان هناك تعايش سلمي بيننا , وهذا ما تستوجبه الحياة القائمة على البر والقسط الذي أوصى بهما القرآن .

طبعا دا فرض نظري , لأننا أمة فقيرة ومعدمة , ولا نملك كفاف قوت يومنا , ونلجأ للتسول من الغير .. ثم نشتمهم .. إنه مزيج من الخلل السلوكي والصبيانية والاضطراب النفسي والغلظة والكراهية .

يروي البخاري بحديث رقم 44 ومسلم برقم 478 أن الرسول قال " يخرج من النار من قال لا إلاه إلا الله وفي قلبه قدر شعيرة من خير " .

القلوب التي فيها شعرة واحدة من "خير" تخرج من النار .. وإن خلا قلبك من الخير فأنت في خطر كبير .. وكلمة خير هي كلمة عامة تتجاوز مرحلة العبادة المباشرة أو العمل العقيدي المحض .. مجرد خير في قلبك , أي خير .

اهتموا بقلوبكم يا عالم .. كفاكم غلظة وكراهية وأحقاد وعداوات .

*

ففغر فاه واحمرت أذناه , وظل يتمتم ويحوقل ويحسبن وكاد أن يكسر القلم اللعين .

آيات في الطلاق

دعيني أشرح لك شيئا عن الطلاق الذي هو عنوان سورة في كتاب لا ريب فيه..
من يحسن الطلاق سيدتي يحسن الزواج .. ومن يتعامل برقي وقت الأزمات هو شخص تأمنيه بقية حياتك.. وفي الخلافات تظهر معادن الناس.. النحاس والذهب يبرقان لأول وهلة تحت ضوء الشمس، ولكن بكثرة الاحتكاك يظل الذهب يلمع، بينما النحاس يعلوه الصدأ ويذهب لونه.

قبل أن نتجول في سورة الطلاق، دعيني أذكرك بآية سورة البقرة ..

(وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين)

لو وصل الشقاق بين رجل وامرأة حد الطلاق، فالله لم يمنعها نصيبها في المتاع، وجعل متاعها حق، وليس فضل.. ومن يقوم به يصير تقيا بشهادة القرآن.

وصل احتدام الازمة بين اثنين درجته القصوى، ولكنك كرجل ملتزم بفرض نصيب من مالك لمتاعها.. ولو كانت المطلقة تستمتع، فما بالك لو ظلت زوجة، كيف تكون المعاملة.. في مجتمع يضرب الاسلام في جزوره، كم مطلقة فيه تجد المتاع ، وكم مطلقة تجد الاهانة والصد..

كلمات الآية تقدم الرقي وسماحة النفوس وقت الخلاف .. في ظل مجتمع بدوي خشن، طبعته البيئة بطابعها الصحراوي الجاف، فلم يكن يلتمس تلك اللطائف في مشاكله اليومية .. مر على الاسلام ألف عام وزيادة ولازالت النفوس جدباء كسفح جبل، ولازالت الخلافات تخرج أسوأ ما فينا، ولا زالت النساء حائرات..


وظلموا الإسلام ما بين رمال صحراء مكة ومصب النهر في الوادي.

*
نمشي مع الآيات..

(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)

تضع الآية المبدأ الأول.. لو أردت طلاق زوجتك فيجب أن تكون مستقبلة عدتها.. أي لا تكون حائضا.. فالمرأة وقت الحيض تكون متوترة، سريعة الانفعال..أحيانا مهزومة، وكثيرا ضعيفة.. تتألم، تنزف دما.. فلا تكن قاسيا وتزيد ألمها.. لتتجاوز الخلاف الشخصي وتقف عند التقدير الإنساني.

وهنا لفتة.. لو وصل بك الغضب حد الطلاق، فعليك أن تسألها عن عادتها الشهرية.. وهذا يعطي مساحة من الوقت للهدوء والمراجعة.

ووضع الفقه شرطا ثانيا مستوحيا حديث الرسول في رواية البخاري .. أن تكون الزوجة في طهر لم تمسسها فيه.. أي أنك لو عاشرتها خلال فترة الطهر (25 يوم في الشهر) فلا يحق لك أن تطلقها خلال تلك المدة.. وعليك الانتظار حتى ينتهي الطهر، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم تنفذ قرار الطلاق.. المدة تطول، واحتمالات التفاهم تزيد، والغضب يتراجع.. لاحظي.

الحديث، أن ابن عمر طلق امرأته وقت حيضها، فأخبر أباه، فأخبر الرسول.. فأوصاه بمراجعتها، ثم الانتظار حتى تطهر.

(بالمناسبة طلبوا من عمر بعد طعنه، وقبيل موته بلحظات، أن يعين ابنه عبد الله ، الصحابي العالم الورع ، لخلافته في الحكم .. فقال لهم ، كيف أعين رجلا لا يحسن طلاق زوجته، على إمارة الناس!)

وكلها لمحات رقيقة.. وكأنه يستنكر، كيف تعاشرها سيدي، ثم بعد بضعة أيام تقرر الانفصال.. هل هذا يليق بها. أو بك؟

ولو طلقتها في حيضها أو في طهر جامعتها فيه يكون طلاقا آثما.. تتحمل إثمه.. يسميه الفقهاء طلاقا بدعيا. يقع عند جمهورهم، وخالف ابن تيمية، وقال لا يقع. ولا يرتب آثاره وهو والعدم سواء.

*
(ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وتلك حدود الله)

فالمرأة لا تخرج من بيتها ( لاحظي أن الله نسب البيت لها تكريما وتشريفا) حتى بعد الطلاق، طوال فترة المراجعة، إلا بفاحشة مبينة.. وفترة المراجعة هي فترة العدة، ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار . لتظل احتمالات العودة قريب. وتكون المراجعة بلا عقد أو مهر جديدين، وتكون بالإشارة الصريحة أو الضمنية.

(لو طلقت زوجتك ، التغيير الوحيد أنها تأخذ البطانية وترحل إلى الغرفة المجاورة. ولن تناولك أدوات الحلاقة في الصباح. وتظل كذلك ثلاثة شهور تقريبا.. ويكون التراجع بمجرد كلمة أو إيماءة.. وإن لم يحدث تصير بائنة كطلقة أولى. وهنا ينفصلا)

ونذكر واقعة الصحابية فاطمة بنت قيس، عندما طلقها زوجها ثلاثا فخرجت من بيته . وقالت للخليفة عمر أنها سمعت الرسول يقول أن المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكن . وحديثها رواه عنها الإمام مسلم فيما بعد.. ولكن الخليفة عمر قال لها وللجالسين، أنترك كتاب الله وما فيه، ونسمع لقول امرأة حفظت أو نست!

واستشهد بالآية (ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) .. (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.)

العبرة هنا أن عمر كان حريصا على ألا يتجاوز القرآن لوجود شكوك في رواية حديث.. لاحظي أن فاطمة صحابية. سمعت من الرسول. ولكن عمر يعتبرها رواية واحد. آحاد. لا تعد مرجعا في التشريع طالما كتاب الله حاضر وواضح.

وهذا يجعلنا نراجع الكثير من الموروث حول حجية الحديث الذي يصل بسنده الصحيح إلى صحابي أو صحابية .. هل يؤخذ به كمرجعية ، أم يجب التوثيق أولا من كتاب الله.

وبسبب ذلك ثار خلاف فقهي كبير بين المذاهب .. هل واقعة فاطمة بنت قيس هي المرجعية، أم رأي عمر بن الخطاب.. بالمناسبة معظم الفقهاء القدامى يرجحون كلام فاطمة على كلام عمر، رغم أن عمر كان أكثر رفقا بالمرأة.

*
(فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف . وأشهدوا ذوي عدل منكم)

بلغن أجلهن، أي تجاوزن فترة المراجعة، فصار طلاقا بائنا.. ولازالت الآيات تؤكد على الرقي، واستعمال المعروف كأصل يربط الناس في اللقاء والهجر.. في الزواج والفراق .. وأنه ليس هناك مبرر ، حتى لو نشأت خلافات ، أن يكون التعامل بين رجل وطليقته، فيه أذى أو ظلم ..

أعرف أنها مثالية .. رومانسية .. عظمة .. وهكذا كتاب الله .. ولكننا لا نقرأه .. وإذا قرأناه لا نفهمه..

تريدون تطبيق الشريعة .. إذن كونوا رومانسيين حتى في الفراق . وتجاوزوا الأنانية والانتقام . أمور صعبة ؟ ولكن الإسلام نزل لترويض أصعب ما في الأرض.. والدخول إلى أعماق النفس البشرية لتهذيبها وهدايتها. أروقة النفس وليست أروقة الحكم هي هدف الله الأول في الآيات.

النصف التالي من الآية يثير تساؤلا (وأشهدوا ذوي عدل منكم) أي عليك أن توثق قرارك ، بالمراجعة أو الانفصال ، بشهود عدول ليكون أمرا جادا ملزما لطرفيه ، فلا يتعدى أحدهما على الآخر .. وهنا نتساءل، هل يجب، كي يقع الطلاق، أن يكون في حضور شهود، تماما كالزواج .. وأن من يطلق بلا شهود فطلاقه ناقص أو غير ملزم ؟

أنا فقط أتساءل .. من وحي الآيات.

*
(أسكنوهن من حيث سكنتم) .. أي توفر لمطلقتك سكنا يتناسب مع مستوى سكناك.. قصر منيف أو غرفة فوق السطوح.

(ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) .. أي لا تتعمد إضرارها في المسكن، لتجعل حياتها نكدا، فتضطر إلى تركه وتبحث عن آخر بعيد عنك ولو على نفقتها.

(لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله . لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها . سيجعل الله بعد عسر يسرا)

يحث الله من يستطيع الانفاق أن ينفق . ولا تكون نفقته بناء على ما يكفي مطلقته . ولكن بناء على ما لديه من مال . ربما ما يكفيها قليل . ولكنك تستطيع أن تمنح أكثر . إذن اعطها فوق حاجتها . سعة من سعة الله . ولو كان المال قليلا فشاركها في بعضه ولا تبخل.

ونهاية الآية بشارة.. لا تكن شحيحا خائفا، لأن الله يجعل من عسرك يسرا.. لا تجعل العسر وضيق الرزق مبررا لامتناعك عن النفقة، ولو كانت قليلة.

ولأن منظومة الأسرة هي العلاقة الأبدية التي لا تخلو الحياة منها.. ولأن خلالها تبين معادن الناس.. فقد وضع الله في نهاية بعض الآيات كلمات صارمة، مثل (وتلك حدود الله . ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) .. أو تنشيط الضمير الجمعي بكلمات مثل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا )

اعقد مقارنة بين آيات سورة الطلاق، التي لا تتجاوز ورقة واحدة من القرآن، وبين سلالم محاكم الأسرة وما تحويه من كوارث، لتعلم مدى إيماننا بالإسلام .. رغم ذيوع بعض مظاهره.

محاولة لفهم كلام الله

تقول الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم . ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم . والله غفور حليم) البقرة، 225

لاحظ الآية .. رغم أنك تلغوا بكلام الله . بلسانك . إلا أن الله يتجاوز ذلك . ولا يؤاخذك رغم أنك نطقت به . كان من الممكن ألا يتهاون الله في "اللغو" باسمه ، ولكنه عقد المساءلة إلى قلبك . ما كسبه قلبك هو المهم . هو موضع الخير والشر. الحب والكراهية....
وهو مكمن التمييز.

الله يعلمنا العمق والتراحم والارتقاء فوق السخافات ، حتى لو كانت في حقه العلية ، دون إثارة مشاكل وعداءات بين البشر،. طالما كانت القلوب تحمل خيرا.

الله يتجاوز عن اللغط باللسان.. طالما اكتسب القلب خيرا.. يا له من دين عميق هادئ، لا يتربص للناس كي يعاقبهم ويعنفهم. يا ربي لم يفهموا رحمة الدين بعد.

قبلها تقول الآية ( لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس )

بداية الآية نهى عن اقحام لفظ الجلالة في أيماننا.. ولكنه يضع استثناء عندما يكون الحلف يؤدي إلى البر، والإصلاح بين الناس .. الله يتخطى المبدأ بديناميكية وسلاسة ، طالما كانت هناك مصلحة تتحق للناس . لم نفهم مدى انسانية هذا الدين بعد وما يرمي له من مقاصد كبرى.

يوسف الصديق .. وزيراً للاقتصاد

كنت أقرأ قصة يوسف في القرآن. وتوقفت عند نقطة مهمة، فعدت لمصادرها في التوراة. وتأكدت لي نفس الفكرة.

يوسف النبي، عندما خرج من السجن، وفسر الحلم لفرعون مصر، وعرض نفسه لتولي منصب الخزانة العامة، وزارة الاقتصاد والمالية، لم يتعرض للفروق العقيدي
ة بينه وبين فرعون.

لم يدعوه إلى دينه ودين آباءه إبراهيم ويعقوب.

كان همه الاتحاد مع رئيس الدولة، المخالف له في الدين، لإنقاذ البلد من الجائحة التي تتسبب في الفقر والجوع .. ووضع يده في يد فرعون. الذي قد يكون وثنيا. ويوسف نبي الزمان. لحماية أرض مصر مما تتهدده من مصير قاتم لسنوات.

ولم يستخدم منصبه الوظيفي للتبشير الديني، ولكن لرفاهية الناس.

وعندما قدم نفسه لتولي الوظيفة، قدم كفاءاته qualification فقال إني حفيظ عليم .. اليقظة الذهنية والقدرة الفكرية على التصرف بعلم .. والتي تتوافق مع مواصفات الوظيفة job description. وهنا اختاره فرعون لأنه أمين، ليس لأنه نبي.

احتمال آخر.. أن فرعون كان موحدا.. وأن يوسف رأى أن الاشتراك في عبادة الله الواحد كافية كأرضية مشتركة، حتى ولو اختلفت الشرائع والتصورات.

المهم أن الإدارة الاقتصادية ليوسف وفرعون كانت تضع هدفا واحدا.. حماية الناس من الفقر، وحماية الأرض من البوار.. بغض النظر عن طبيعة عقائد المصريين أو عقائد الحكام..

فلو تهددت حياة الناس فالعقيدة بلا قيمة..

( حكم مدني ! علماني ! يا ربي الرحيم أنا فقط أفكر)

الحوار القرآني يركز على الجانب المعيشي أكثر من تركيزه على الفروق الدينية.. لأن الخطر إذا جاء أكل الجميع .. ركز على العمل والوحدة والمواجهة . حتى لو تجاوز العقائد.

ربما اللمحة الوحيدة كانت لفتيان السجن ، عندما دعاهما إلى الله الواحد

( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )

أولا، لاحظ اسلوب الخطاب، يحدثهما بلفظة ، يا صاحبي .. حتى لو كانا وثنيان يعبدا أربابا من دون الله.

في ذات الوقت قدم لهم النصح وتأويل الرؤيا.. كما أنه انتظر الطعام ليأكل معهم.. ثم تركهما يختارا عقيدتهما كما يشاءان، دون إكراه أو عداء أو غلظة أو تنفير.

وانتهى به الحال معهما، رغم اختلاف العقيدة، بأن خاطبهم بـ يا صاحبي .. وكررها مرتين.

 

الأربعاء، 15 مايو 2013

ماذا عن تمرد؟


الدكتور سيف الدين عبد الفتاح استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومستشار الرئيس السابق والمتعاطف مع حركة الإسلام السياسي منذ زمن بعيد، سجل شهادة مهمة في إحدى البرامج التليفزيونية حول تجربته في منصبه الذي استقال منه.
قال الرجل، أن الرئيس مرسي ظل رئيسا للجمهورية لمدة اسبوعين، ثم رحل الرئيس عن القصر وحلت محله جماعة الاخوان المسلمين، فلم يعد له من الأمر شيء.. مجرد واجهة... لتنفيذ ما يتلقاه من توصيات.

وأن الرئيس مرسي، وكل من في القصر، لا يملكون خطة أو مشروع أو تصور، حول ما يقدموه لمصر.. وأن التحرك هناك عشوائي للغاية، وأن بعضه استمرارا لسياسات سابقة.

وأن أبنائه – أبناء سيف عبد الفتاح – قبل الثورة، كانوا يجهزون أوراقهم للهجرة، وكان يمنعهم، ولكن بعد أن رأى تجربة الاخوان، بكى، وقال لهم ارحلوا، فلا أمل في الإصلاح طالما أن الأمر كذلك.


الرئيس مرسي رئيس منتخب.. شرعي.. لكن هل الشرعية شرط لمجيئه، أم شرط يستمر معاه طول فترة بقائه؟

تقول الحكمة أن الأنظمة تسقط بالخطايا وليس بالأخطاء.. فهل مثل هذه الشهادات تتجاوز الأخطاء إلى الخطايا؟؟ طبعا لو ضفنا لها كل الأخطاء الأخرى التي مارسها الاخوان طوال مدة تقترب من سنة.

ريتشارد نيكسون، الرئيس الامريكي عام 74، قام بالتنصت على مقر الحزب المعارض له في بناية في ووتر جيت لرصد تحركاتهم قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، لما واجهه حزبه من تراجع في الشعبية في ولايته الثانية، واكتشف الأمر الصحفي الاشهر بوب ودورد، فصارت فضيحة، على إثرها تم عزل الرئيس.. الشرعي المنتخب.. وكادوا أن يحاكموه.
مجرد التنصت على منافسك، كاف لعزلك من منصبك الرئاسي!! يا إلاهي..

كلنتون هو الآخر كان على وشك مغادرة منصبه لأنه أنكر علاقته بمونيكا.. عاقبوه على جريمة الكذب وليس على الابتذال.. فعلاقته النسائية تحاسبه عليها زوجته. أما ما يخص الناس فهو أن يكون رئيسهم صادقا!

بالمناسبة هناك بعض القيم التي تحافظ عليها أمريكا، بنت الكلب الكافرة، أكثر رقيا من بعض الدول الإسلامية التي تغلق الشوارع بالمصلين في الليالي الوتر من العشر الأواخر في رمضان. رغم أن حق الطريق فرض، بينما صلاوة التراويح نافلة.

تكرر الأمر في فرنسا مع الرئيس الأشهر، مؤسس الجمهورية الخامسة، المقاتل الصلب الذي حرر وطنه من الاستعمار في الحرب العالمية الثانية، الجنيرال شارل ديجول، عندما خرجت ضده مظاهرات حاشدة، فيما سميت مظاهرات العمال والطلبة، في نهاية الستينات، فوضع حزمة تعديلات اقتصادية وطرحها للتصويت، ولما أن لم يقبلها الشعب، قدم استقالته فورا!

رغم أنه جاء بالانتخاب وبطريقة شرعية..

وحتى بعد تعرض مصر للهزيمة في يونيو، أعلن ناصر مسئوليته الشخصية واستقال.. حتى لو كانت استقالة سينمائية، إلا أنه اقر بالمبدأ.. أن الرئيس قد يستقيل حتى لو حاز شرعية شعبية مبدئية، لو طرأ أمر خطير يشكك في مشروعية وجوده.

حركة تمرد تتحرك على الأرض بشكل نشط لدرجة أنها تجاوزت في أيام قليلة مليون توقيع على مليون استمارة.

الأمر اتخذ منحا جديا.. ويجب عدم إهماله. وأعتقد أنهم لو وصلوا لرقم 5 مليون. فيوجب أن نتوقف أمام الظاهرة. لأنه الرقم الذي أهل كلا الخصمين في انتخابات الاعادة.
ولكن أثناء التحرك يجب أن نعلم أن الطبيعة تكره الفراغ.. وأن الكتلة الوحيدة القادرة على ملئ هذا الفراغ هو الجيش. وأن كل القوى الثورية ممزقة ولا تستطيع التوافق أو القيادة. أيضا ، يجب أن تكون القوة التي تحل محل التيار الإسلامي تملك المقدرة والقوة على ردع أي تحرك مقابل من ناحيتهم، لأن التيار الإسلامي له وجود حقيقي وفاعل على الأرض.

والقوة لا يملكها سوى الجيش.. والجيش المصري يأخذ تمويلا أمريكيا يجاوز 7 مليارات كل عام من أمريكا.. و أنه "يسترشد" بأوامر وزارة الدفاع الأمريكية التي تموله.. وأن أمريكا هي التي ضغطت على المجلس العسكري كي يسلم الحكم لقيادة "مدنية" منتخبة.. خاصة بعد سفر وفد من ثلاثين إخواني لتوصيل وجهة النظر "الاخوانية" المعتدلة لرجال الحكم في أمريكا، حول مسالمة اسرائيل، والحفاظ على نمط اقتصاديات السوق الذي تتبناه أمريكا..

الثورة في مصر وتونس هما أصدق ثورتان حدثتا كمعبر عن إرادة شعب، دون أي تدخل أو عبث خارجي.. ولكن ما بعد ذلك فالعامل الدولي موجود بقوة. خاصة مع دولة تملك اقتصادا ضعيفا مهزوزا مثقلا بالديون ولا يملك أي أدوات انتاج حقيقية تجعله قادرا على الصمود.

أمريكا موجودة في أي ثورة ستنشأ منذ اللحظة الأولى.. والجيش تعلم الخطأ وصار أكثر شعبية.. والاخوان صاروا أكثر شراسة ونهما للدم.. وتمرد تحصد مليون توقيع.

فقط أحاول التفكير بصوت عال.. ولم أتخذ قرارا في شيء بعد. ولكني واثق أن القادم قد يكون أسوأ. بسبب الأيادي المتوضئة التي حدثتنا كثيرا عن الزهد والإيثار واخلاص العبادة.

ووسط كل هذا الإسلام يخسر أرضا جديدة..


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

البروفايل الشخصي


https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

الاثنين، 13 مايو 2013

قليل من الحب والعقل

الجنس ليس بالضرورة يبدأ بالعناق. ولكن يجب أن ينتهي به. فالأشياء التي تنتهي بالعناق تكون أرق.

...
قد تعانقك في بداية اللقاء لأنها لم ترك منذ زمن. ربما هي عادة. لكنها لن تضع نفسها بين ذراعيك، تمسس كتفك وتحاوط ظهرها، أثناء الافتراق، إلا لو كانت تقصدها بشدة.. فالعناق يجب أن يأتي آخرا.

اللغة هي الوسيلة التي تنتقل بها مشاعر الناس وعقائدهم ورغباتهم وانفعالاتهم، من الداخل إلى الخارج.. هي الممر بين عالمين.. السر والعلانية.. الخفاء والكشف. مشاعرك تظل ملكك حتى تستخدم اللغة. لذلك يجب أن تكون حريصا أن تقول ما يطابق مشاعرك وانفعالاتك. فمشكلتنا أننا لا ننقل بصدق ما يختفي داخلنا.

واللغة المنطوقة المسموعة، ليست اللغة الوحيدة.. هناك لغة البدن التي تتفوق على الكلمات.. الغضب والحب والخوف والشهوة والبكاء، كلها أشياء تظهر حتى لو سكتنا عنها.. فالأجساد تتكلم أيضا.

*
قالت في أسى وهي تمد بصرها ناحية الغروب، تزوجت ثلاث سنين وأنجبت مرتين، ومارست الجنس عشرين مرة، ولم أجرب العناق.. تركته وعشت سنوات، نسيت الحب والجنس والعناق.. وكأنها روايات خيال لناس أخرى على أرض غريبة.

حصلت على دكتوراة في علم النفس، ولم أفهم شيئا.. مجرد لقب علمي يؤتي دخلا جيدا يجعلني قادرة على ثمن بنزين 92 لسيارتي، وشراء عطر باهظ أضعه حين أذكره قبل النوم، لأنتظر حلما لا يجيء.

تبتسم وتقول، أنا بحبك على فكرة.. أوي.. رغم انك بتحكي عن سان سيمون في جلسة عاطفية.

قامت وفكت غطاء رأسها.. وأصلحت من شعرها المشوش سريعا في مرآة صغيرة.. وأخرجت زجاجة عطر ووضعت زختين خلف أذنيها وعلى ظهر يديها.. وقبل أن أمشي قالت انتظر للحظة.. سأعانقك. هنا في الطريق.

*
هل تعرفي شيئا عن الاشتراكية المثالية..

(أعرف أنها ليست مثالية لدرجة أن تصلح للحديث مع فتاتك التي تجلس إلى جوارك في حديقة الأزهر تشربان ليمونا مثلجا. أعرف أنها حماقة.. ولكن منذ متى لم أكف عن حماقتي. منذ متى لم يكف الانسان عن الحماقة.. ليست شر حماقة أرتكبها عموما.)

يقول التعريف أنها، الحيازة الجماعية للملكية ، والاشتراك في وسائل الإنتاج ، والتعاون في صالح المجموع.

حاول سان سيمون الانتقال بها إلى نموذج تطبيقي أكثر واقعية. وعليه بنى ماركس وانجلز نظرياتهما في الاشتراكية العلمية.

تعرفي أن سان سيمون حارب في جيش الاستقلال الأمريكي.. حارب ضد العبودية والقهر.. مهما كانت أهداف الحرب نبيلة، ستظل حربا تقوم على بحور الدم، ومهما كنت تملك مبادئ فارس، فعليك أن تقتل. فقط كي تحيا.

بعد فترة أدرك أنها ليست مهنته، وأن هناك مهنة سلمية تنتظره وتنتظر منه خدمة الإنسانية.

ترك عمله في الجيش وهو برتبة كولونيل، وتفرغ لدراسة العلم.. بدأ بدراسات تاريخ المخترعات وخواص المواد ووظائف الاعضاء.. واهتم بالفلسفة، وحاول التوفيق بين حياة الملذات وبين المقتضيات النبيلة.

تمرد على القساوسة والوعاظ، واهتم بإصلاح الأخلاق والضمير، كسبيل للوصول إلى الاشتراكية المثالية وإصلاح المجتمع.

وكان يجمع الناس على مائدة الطعام يشرح لهم أفكاره، وكان ينفق من ماله الخاص حتى أفلس.. وعندما توقف عن تقديم الطعام لهم تركوه. وتركوا الفلسفة!

يبدو أنه منذ القدم بعضهم تعلم الفلسفة كي يأكل بها.

ومضى به الوقت لا يأكل سوى الخبز. ولا يمتلك نقودا يشتري حطبا للتدفئة. ولكنه واصل كتابة أفكاره التي تربط الفيزياء بالفلسفة بقانون الله الواحد.. وأن هذه الاشياء يجب أن تستخدم كي يعم السلام كل العالم. وكانت فلسفته تتلخص في كلمتان: العلم.. السعادة العامة.

ولاحظ سان سيمون انصراف الفرنسيين عن الدين، ووصف ذلك بالخطأ، وقال أن النظام الكاثوليكي لو ظل في تعارض مع العلم والصناعة الحديثة فلا شك أنه سيسقط.

وقال أن المجتمع سيبحث عن عقيدة جديدة يمكن أن تملأ هذا الفراغ في النفوس، واعتبر أن إصلاح المجتمع هو ديانة جديدة. أو مسيحية جديدة. ولم يطالب بالعودة إلى الماضي، بل نقد هذا الماضي بكل شدة.

وأن الجانب المقدس في الدين هو ذلك الذي يصر على ضرورة أن يعامل الناس بعضهم معاملة إخوة. وسيكون رجال الدين وقتها هم القادرون على مساعدة الطبقات الاجتماعية الأقل وتقديم العون للمحرومين.

واتهم الآباء والكرادلة والقساوسة بالهرطقة والنصب وعدم القدرة بالسير بالناس إلى طريق الخلاص الحقيقي.. ورغم أن روح المسيحية هي التسامح فإن الكنيسة قد تحولت إلى مركز لمحاكم التفتيش وللطغيان.

وأن الاكتشافات الجغرافية واختراع الطباعة وقوانين نيوتن قام بها رجال لا يخضعون للكنيسة وسيطرتها.

وسألهم.. ماذا قدمتم للناس سوى قهرهم وتنفيرهم من الدين. وعدم المساهمة في الصناعة والعلم. والتحالف مع الملوك المستبدين لدعم مصالحكم.

الغريب أن هذه المجادلات قام بها سان سيمون في فرنسا قبل أكثر من مائتي عام في القرن الثامن عشر والتاسع عشر. وكانت بوابة العبور من الظلامية والتخلف إلى ثورة الصناعة والابتكار والعلم.

يبدو أننا قد تأخرنا كثيرا في نقد حياتنا حتى نتأهب للتقدم.

*
سكتت وسمعت حكاية سان سيمون لنهايتها.. عبثت في شعرها قليلا، فجاءت امرأة من بعيد وشاورت لها، قامت لدقائق وعادت.. سألتها ما الأمر.. قالت: المرأة توصيني بارتداء غطاء رأسي لأن هذا حراما.

ضحكت وقالت..

سمعت حديثا للنبي محمد يقول، يحرم على النار كل هين لين سهل يألف ويؤلف..

لست عالمة في الدين، ولكن الكلام واضح.. من يملكون عمقا انسانيا يجمع ليونة الطباع وسهولة المعاملة وهوان الخصومة ومؤالفة العشرة. فتأمنه على عمرك وهمومك. هو في الجنة. حتى لو كان يحتضن حبيبته في الفراق بين الناس وفي الطرقات.

لست متدينة، ولا أدعي العصمة، أنا شخص كثير الزلل، ولكن الله عندما وضع بشرا في الأرض كي يعمروها كان بشرا عاصيا لأوامره. ثم أنزل عليه رحمته. وعندما أرسل الله أنبيائه أوصاهم بضعاف النفوس والخطاه كي يبشروهم بالمغفرة.. والله في الكتاب تحدث للمسرفين ولم يتعالى عليهم.

ولو أنك تريد أن يبدل الله سيئاتك حسنات.. فأولا يجب أن يكون لك سيئات!

لكن احذر ظلم الناس.. في مال أو عرض أو دم.. تلك مهلكة كبرى.. واحذر التعالي عليهم أو تظن نفسك بمرتبة أفضل لأنك أكثر عبادة. هنا يحبط عملك. فتلك الجريمة الأولى لإبليس. ليس الكفر بالله فهو قد عبده سنين طويلة. ولكن الكبر والتعالي والذاتية والشعور بالتفضيل.

هلك ابليس بكثرة عبادته. ونجا آدم رغم أنه أكل من الشجرة.

ومشينا، وفي الجوار كانت أغنية بعيدة .. يا مرسال المراسيل ع الضيعة القريبة.. وانتهت الأغنية فانتهى الطريق.. وابتعدنا .. ورغم الهواء العاصف  إلا أن رائحة عطرها حين ضمتني لازالت ملتصقة بملابسي ووجهي.