محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

السبت، 29 يونيو 2013

لا تسمعوا كلام الرسول



(1)
يروي الإمام مسلم في الحديث الصحيح عن مالك عن نافع عن ابن عمر "سلسلة الذهب"، أنه قال: نهى رسول الله عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه..

الحديث واضح.. لا يجوز للمزارعين المتاجرة في ثمارهم إلا بعد أن تنضج وتصير صالحة للقطف.

على نقيض ذلك، لدينا حديث في الصحيحين عن ابن عباس، أن رسول الله قدم المدينة فوجدهم يبيعون الثمار لعام وعامين مستقبلا قبل بداية الزرع، فقال:

من أسلم - وفي رواية من أسلف - فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم..

حديث الإمام مسلم الصحيح المروي عبر سلسلة الذهب ينهى عن بيع الثمر قبل نضجه.. ثم حديث الصحيحين "السلم" يبيح التعاقد على بيع الثمار مستقبلا حتى قبل الزراعة، شرط الاتفاق على الكيل والوزن والأجل، ضمانا للحقوق.

فكيف يستقيمان ..؟

الحديث الأول الذي يمنع بيع الثمر قبل بدو صلاحه، أصدره الرسول في وقت مبكر، وهذا الحديث يتفق مع المنطق العام من ألا يبيع الإنسان ما لا يملك ولا يضمن وجوده.. والرسول مهتم بانضباط المعاملات التجارية بين الناس وسن القواعد التي تمنع الظلم والخلافات. لذلك نهاهم.. وهو نهي دنيوي، كتشريع يخضع لتحقيق المصلحة المتغيرة، وليس أمر ديني ملزم ومؤبد..

وعندما قدم رسول الله إلى المدينة.. تغير الحال، ووجد اليهود "وهم خبراء في إدارة الأموال وتحسين إنتاجها" يقومون بنظام اسمه: السلم.

قد يكون لديك أرض، ولكن ليس لديك المال الكافي لزراعتها.. أو تريد التوسع في الزراعة، فتقوم بالاتفاق على بيع ثمارها، حين تنضج، لتجار بعينهم تأخذ منهم جزءا من الأموال والباقي حين التسليم بعد بضعة شهور.. شيء أشبه بالحجز بدفع العربون.. هذا هو نظام السلم الذي فعله اليهود وكان مفيدا في الزراعة والإنتاج ورواج التجارة.

طبيعي أن تكون هناك مخاطرة، لكن مع الخبرة والوقت يمكن تلافيها أو الاتفاق على التعامل مع الخطر حسب وقوعه.

رأى الرسول بعينيه.. وتذكر كلامه القديم.. النهي عن بيع الثمر قبل ظهوره.. لكن الرسول لم يكن منغلقا، ويهدف لتحقيق مصالح الناس، ويجاري تطور العصر.. ويعلم أن أوامره الدنيوية فيها علة ومقصد.. وأنها أوامر بشرية لا تتعلق بالعبادة أو العقيدة، ولكن بالحياة.

فأصدر أمرا آخر.. من أسلم في شيء فبكيل معلوم ولوقت معلوم وبسعر معلوم..

قنن الرسول عملية السلم، بوضع ضوابط حمائية تهدف إلى دفع النزاع وحفظ الحقوق.

الرسول قلد اليهود.. تعلم منهم.. ولم يقف مكتوف اليد أمام تطور العصر.. ولم يصر على التمسك بالنص القديم، أو بتعاليم سابقة صدرت في عصر سالف.. ولم يعش أزمة ثقافية في التواصل مع الآخرين..


(2)
قد يطرأ على ذهن البعض حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع.. وفيه تحذير من تقليد أهل الكتاب.

والحديث يحذر تتبعهم في شئونهم الدينية، وما وقعوا فيه من أخطاء وانحراف.. فلا نقلد اليهود بالتشدد والإكثار من التحريم وعداء المرأة.. ولا نقلد المسيحيين بالتعقيدات اللاهوتية حول طبيعة الله والإكثار من الأسئلة الغيبية.

لذلك فالآية (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .. تحدد سبيل الاتباع، وهو الملة. الدين. وليس الدنيا.

الغريب أننا تركنا سنن اليهود والنصارى في العلم والاقتصاد والحداثة، وتبعنا سننهم الدينية بالتشدد والتحريف وعبادة رجال الدين، من أحبار ورهبان، وهجر كتاب الله من أجل روايات الرجال، وتحقق فينا حديث الرسول "أمثناة كمثناة بني اسرائيل" عندما وجد صحابته يدونون كلامه، تاركين القرآن.. وتركنا الدين القائم على كلمتا، تخفيف ورحمة.. وحولناه إلى إصر وأغلال.


(3)
وكما كذبوا على رسول الله قديما، فبعضهم يحاول إخفاء كلامه حديثا لأنه لا يوافق ما بداخله من تشدد وغلظة.. روى الإمام مسلم في كتاب الفضائل، والبخاري في كتاب اللباس، عن ابن عباس، أن رسول الله:

"كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه (!)

وكان اليهود يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون.. فسدل الرسول شعره ثم فرقه".. أهـ

هل هناك تواصل ثقافي في شئون الحياة أكثر من ذلك؟ هل هناك احترام وتقدير واعتراف بالحق أكثر من ذلك؟

النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو الدين الخاتم، كان يسهل عليه أن ينعزل عنهم بدعوى أن دينه يجب ديانتهم، أو أن دينهم محرف و منقطع، بينما هو يتصل بالسماء..

ثم.. دعنا نرى مظاهر الحياة اليومية.. كانت اليهود تسدل شعرها (بتجيبه لقدام قُصة) والمشركين يفرقوه (زي عماد حمدي وأفلام الستينات) .. كان ممكن الرسول يقول من أجل التمميز إحنا هنجيبه على جمب مثلا. أو هنحلق زيرو.. لكنه سدل شعره كاليهود . وبعد ذلك غير الفورمة وفرقه كالمشركين (!)

الجانب الاجتماعي في حياة الإسلام مهم جدا وأكثر صدقا من الحروب والصرعات وتاريخ الملوك.

من خلال هذا الحديث ندرك أن أحاديث الرسول المتعلقة بمزاولة الحياة.. من أزياء وهيئات ولباس.. أمور لا علاقة لها بالتشريع أو صلب الدين، ومن يقحمها في الدين بدعوى التشبه بالرسول فهم ابتدعوا فيه ما ليس منه.


(4)
منذ أيام، كان العالم يتابع قمة الدول الثمانية الكبرى، المجتمعة في ايرلندا الشمالية تحت رئاسة ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا.. ثمانية دول فقط تمتلك 65% من حركة الاقتصاد العالمي.. أمريكا، واليابان، وبريطانيا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا.

أين نحن على خريطة هؤلاء ..؟ وهل تعتقدون أننا قادرون على المنافسة بهذا الوضع الفكري والفقهي الذي نعيشه..؟ لدينا دول نفطية كبرى تعلن أنها إمارات إسلامية.. ولدينا حركات تريد تطبيق الشريعة بالجلد والرجم (شريعة الرحمة. رسول الرحمة).

في هذه القمة تم نقاش الوضع في سوريا.. وسبل حل الأزمة هناك ومدى إمكانية التدخل العسكري أو إمداد المعارضة بالسلاح، أو اللجوء لاتفاقيات سلام..

يا ربي، حتى شئوننا الداخلية لم نعد قادرين على حسمها.. وصاروا هم من يقررون شكل أوطاننا ونجاح ثوراتنا..

الله قال في سورة الحجرات، (وإن طائفتان من المؤمنيين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله.. فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل.. وأقسطوا)

لم نعد قادرين على الإصلاح بين طوائفنا.. ولم نعد قادرين على دفع الباغي وردعه.. ولم نعد قادرين على العدل والقسط.. بل نستدعي حلف الناتو لكي يفعل..(بعضهم يستدعي السيدة آن باترسون).. فكيف تحلمون بسيادة العالم أيها الحمقى..


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK


اللهم إني أبرأ إليك


في إحدى المرات أرسل النبي محمد عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد في قائدا لسرية، ولما أقبل عليهم هزمهم واتخذ منهم الأسرى.. ولأن العرب عرفت أن رجال محمد لا يقتلون كل من نطق بالإسلام "حتى لو كان كاذبا أو منافقا أو مخادعا" فلجأوا للحيلة، لكنهم لم يحسنوا أن يقولوا اسلمنا أسلمنا، فقالوا صبئنا صبئنا.. فقتلهم خالد.

وكما يروي البخاري في كتاب المغازي من حديث ابن عمر، عندما بلغ الرسول الأمر، غضب غضبا شديدا ورفع يده إلى السماء وظل يردد مرارا، اللهم إني ابرأ إليك مما فعل خالد..

الرسول يغضب لناس قتلت في الحرب. لم تعلن الإسلام صراحة. بل أخطأت في اسمه.. ناس لم تصلي لله ركعة ولم تصم يوما ولم تذكر الله ولو مرة.. وفي الغالب يعلنون ذلك لانهاء حالة الحرب دون قناعة حقيقية بأحكامه. ورغم ذلك يعصم الرسول دمائهم ويغضب لقتلهم ويبرأ جهرا من أفعال خالد.

كذلك نقول، اللهم إنا نبرأ إليك ممن قتل الشيعة وكل من حرض على قتلهم وكل من سكت على قتلهم..

قد لا يعلم البعض أن الأزهر الشريف في تدريسه لمذاهب الفقه الإسلامي الثمانية يقوم بتدريس ثلاثة مذاهب شيعية بوصفها مذاهب فقهية إسلامية يجب على المتخصصين الإلمام بها..

والشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الشريف اجاز التعبد بناء عليها.. والشيخ الدكتور الطيب شيخ الازهر الحالي يقول أن الخلاف بين السنة والشيعة هو خلاف فقهي وليس خلاف عقائدي ، وأن معظم ما يروج من أخطاء وتشويه إما أنه مكذوب أو أنه لا يصدر إلا من العوام أو الغلاة.

هناك احتقان طائفي يملأ النفوس.. ضد الشيعة وضد المسيحين وضد الغرباء وضد التصوف وضد كل من يخالفنا الرأي..

هناك حالة من الانحطاط الإنساني والثقافي تسيطر على مساحة عريضة من عقولنا ونفوسنا.. ولو أن الثورة تعاملت مع السياسة فكان الأبدى أن تتعامل مع الثقافة والسلوك والمجتمع.. لأننا – وتلك حقيقة – أكثر سوءا مما يتخيل الكثيرون.

مصر "الثورة" سجلت تطورا ملحوظا في القتال الديني.. أعتقد أنه أكبر معدل للاعتداء على الأقباط حدث في تاريخ مصر الحديثة.. ثم هدم لمساجد المتصوفة التي بها ضريح، وآخرا اعتداء على الشيعة. طبعا إلى جوار تكفير العلمانيين والليبراليين، والآن تكفير كل من يعارض الرئيس.

الأمر ليس مفاجئ، والثورة كاشفة لما كان يغلي أسفل السطح، وليست منشئة لوضع جديد.. الخطاب المتطرف المعبأ بالجهل والكراهية والأحادية الفكرية تلك هي نهايته.. والحل لن يكون فقط حلا أمنيا أو سياسيا، لكنه حل ديني ثقافي في المقام الأول..

وعندما مرت بالرسول جنازة اليهودي قام لها امتثالا وإجلالا.. فاستغربوا موقفه، فقال لصحابته: أوليست نفسا ! يعلمهم حرمة النفس وكرامتها بغض النظر عن دينها.. على الرغم من العداء الموجود بينهم وبين اليهود في المدينة. ولكن الصراع شيء واحترام الناس شيئ آخر.

وعندما مات زعيم المنافقين ذهب وكفنه في ثوبه الشريفة وتفل في فمه وصلى عليه ووقف على قبره يدعو له بالمغفرة..
تلك كانت تصرفاته الإنسانية خارج سياق الصدام والحروب.. يقف احتراما ليهودي، ويصلي على منافق.
لكنكم قوما تجهلون..
*

ويحاول البعض أن يبرر الفعلة النكراء بدعوى أنهم يسبون الصحابة..

الله يقول في سورة النساء (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) ..

تخيل ناس تستهزئ بآيات الله وتكفر به صراحة علنا.. ثم تسمعهم أنت.. كل ما عليك امتثالا للقرآن أن تقوم من وسطهم.. ولا تقعد معهم.. دون أذى أو تطاول أو خصومة.. ولو عادوا للحديث في شيء آخر فمن حقك أن تجلس معهم .. تخيل .. تجلس مع ناس كانت منذ دقائق تستهزئ بكلام الله وآياته ..

عرفت تعمل ايه ؟؟

بالمناسبة أهل السنة على أن سب الصحابة فسق . وليس كفر .. وأول من سب كانت الدولة الأموية "السنية" على راسها معاوية ابن ابي سفيان "صحابي" .. وظلت الدولة الاسلامية تسب علي بن ابي طالب ثمانين سنة على المنابر عقب صلاة الجمعة..

لو ستكفرهم فكفر الدولة الأموية كلها بما فيها من صحابة وفقهاء.

ومن اتهم السيدة عائشة بالإفك "الفاحشة" كان صحابي قريب لها اسمه مسطح، وكان أبو بكر ينفق عليه، وبعد الواقعة امتنع عن الإنفاق كعقوبة له.. فنزل قول الله (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصحفوا )

تخيل رجل يتهم السيدة عائشة في شرفها، ولا يكفروه أو يقتلوه، وعندما قطع أبوها عنه النفقة نزلت الآيات تحثه على العفو والصفح وإعادة النفقة !
مندهش..


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK



الإخوان "و" المسلمون


عندما ذهب الرسول إلى المدينة هربا من الظلم والاضطهاد في مكة، سعى لتأسيس مجتمع قوي.

أنهى الحرب المشتعلة بين القبائل وصالح الأوس والخزرج للانتقال من التعصب القبلي الأعمى المفرط في الذاتية إلى الموضوعية والإنصاف.

آخى بين المهاجرين الوافدين الجدد، وبين أهل المدينة المتوطنين لشيوع حالة من التعاون والرضا.

صنع وثيقة مكتوبة، في عهد لا يعرف الكتابة، سماها وثيقة "الموادعة"، للمصالحة الدينية بين المسلمين واليهود تحت عنوان "أمة من الناس" وأعطاهم حقوقهم الدينية والمدنية والاجتماعية.. وتشاركوا في الدفاع عن حدود المدينة. واقتسموا الخير سويا.

لم يغدر بأحد.. ولم يخلف عهوده.. وعندما نمت طبقة من المنافقين "خونة" سترهم ولم يفضحهم.. وعفا عنهم.. وصلى على سيدهم حين مات.

وأقام سوقا لرواج التجارة..

وأقام مسجد للجميع، الرجال والنساء يصلون فيه من دون حائل.. حيث كانت صفوف النساء تلي صفوف الرجال دون وجود حاجز أو حجاب. (المساجد حاليا بدعة).

الإخوان أول ما جاءت خالفت وثيقة فيرمونت.. وتعمدت اقصاء الجميع.. وبدأت في تخوين المعارضين وتكفيرهم.. وإحياء الفتنة الطائفية.. واستبعاد الكفاءات والعودة لفلسفة النظام السابق في الحكم "أهل الثقة وليس أهل الخبرة"

يكفي أن تعلم أن وزير الاستثمار خريج كلية ألسن ! ما علاقته بالاستثمار ؟؟ وأن كفاءاته تتمثل أن كان سوبر فايزور في فودافون .. وأن وزير القوى العاملة خريج معهد كيماوي.. ومعاه معهد اعداد دعاة (!)

في حين أن الوزير السابق في عهد المجلس العسكري، الأستاذ الدكتور احمد البرعي، الخبير الدولي بمنظمة العمل الدولية.. والذي أعد مشروعا لاستقلال النقابات ولكن الاخوان قتلت المشروع.

عندما اشتجر رجلان في مدينة الرسول ، ونادى كل على عصبيته، خرج الرسول وقد تمعر وجهه من الغضب، وقال دعوها إنها منتنة.

أنا ضد كل مظاهر العنف والعصبية والشحن الطائفي والقبلي.. لا شك.. ولكني فقط أحاول أن أشرح ماذا حدث، لماذا حدث.. الأسباب والدوافع.. الطبيب الماهر هو الذي يعرف الـ diagnosis "التشخصيص"، قبل أن يقوم بالـ treatment"العلاج".
*

المشكلة في مصر ليست مشكلة اقتصادية. أو سياسية.. إنما مشكلة نفسية في المقام الأول.. الكراهية وعدم الثقة.

*
عندما كانوا يحفرون مترو الانفاق في الثمانينات كانت القاهرة شبه مشلولة والحركة فيها شبه مستحيلة.. لم يتضرر أحد ولم يشكو، لأنهم علموا أنه شيء نافع لهم .. وقتها كان حسني مبارك مقنع بما فيه الكفاية.. ثم كرهه الناس وقاموا ضده بثورة.

وعندما قامت حرب رمضان لم يسجل الشعب حالة جريمة واحدة.. ووقتها أيضا كان السادات مقنع بما فيه الكفاية، ثم قاموا ضده بثورة عام 77 كادت أن تقتلعه، بل سمع هدير الجماهير وهو في استراحته في اسوان، وأمر الحرس الجمهوري باعداد الطائرة البوينج.

والناس عاشت في تقشف شديد في عهد عبد الناصر لبناء السد بعيدا عن التبعية الغربية.

لكن الناس غير مقتنعة بالرئيس مرسي.. وتعرف يقينا أنه مجرد عضو في جماعة ينفذ تعليماتها.. شخص مهزوز ساذج لا يعي ما يقول.. وصارت الناس متؤكدة أن الجماعة هي قبيلة تجاهد من أجل مصالحها الشخصية وليذهب الوطن للجحيم.

*
في نقاش قديم مع صديق اخواني، بعد تولي الدكتور مرسي الرئاسة مباشرة، قلت له من السهل أن تكذبوا.. تزوروا التاريخ.. تتهموا الناس.. تزعموا انجازات تافهة.. تتبجحوا في الإعلام.. لكن الشيء الوحيد الذي لن تستطيعوا السيطرة عليه هو "الكراهية" .. الناس ستكرهكم .. ولو كرهكم الناس فاعلم أنها النهاية.. وها هي النهاية.. لسنا في حاجة إلى الانتظار حتى 30 لإسقاط النظام، فها هو النظام يسقط.. بسبب الكراهية والكذب وانعدام الكفاءة.


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK




الرحمة. الغلظة. الإيمان، وكتاب الله.


التاريخ يا عزيزتي لا يبدأ من عندنا.. هناك كثيرون سبقونا، والإنصاف يحتم علينا الإعتراف بفضائلهم حتى ولو اختلفنا معهم.. لو صرت مؤرخة أو سياسية لا تلغي التاريخ ولا تهيمني عليه.. تلك أفعال المستبدين الظالمين الذين لا يبتغون الحق.

لذلك تجدي القرآن عندما تكلم عن أتباع عيسى عليه السلام وصفهم بأرق الألفاظ، (وقفينا من بعده بعيسى ابن مريم. وآتيناه الإنجيل. وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة).. الحديد.
إنها رسالة قوية تأتينا منذ بداية الميلاد، أن من اتبع الرسل كانوا ناسا تمتلك رحمة ورأفة في قلوبهم تجاه الآخرين.. وكأن الإيمان والرحمة مترادفان. والكفر والغلظة متشابهان.
على نقيض ذلك، لم يستحي القرآن أن ينقد التراث الديني لأقوام سبقت، وتحدث عن بني اسرائيل الذين كذبوا الرسالات وهم يعلمون أنها الحق.. وقال فيهم، (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) ..البقرة.
لاحظي، أنهم ناس كفرت وقست قلوبها، فكانت قسوة القلب سبب في عدم اتباع آيات الله.. وكأن قسوة القلب تورث الكفر، أو أن الإيمان لا يسكن هذه القلوب، أو أن آيات الله تحتاج إلى أرقاء القلوب ليفقهوها.

الآية التالية (قد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون).. فكان التحريف نتيجة لقلوب قاسية.. العامل الإنساني مهم جدا.. قد عقلوا الكلام، وعلموا أنه كلام الله. ثم عبثوا به وحرفوه.. أحيانا لا تكون المشكلة نقص عقل، بل نقص رحمة.. فالرحماء لا يزيفون ولا يظلمون، على عكس القساة الذين يزيفون أي شيء حتى كلام السماء.

وجاء رسول الله الخاتم، محمد عليه الصلاة والسلام ليقول عنه القرآن (قد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم. حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله عليه توكلت).. التوبة.

قال أبي بن كعب أنها من آواخر ما نزل من القرآن.. برواز لعمل الرسول.. رؤوف رحيم.. يعز عليه ما يعنتهم.. و العنت: هو المشقة ولقاء المكروه.. فالرسول يكره أن يجد الناس في ضيق أو حرج أو مشقة.. وكان يحاول قدر المستطاع أن يجعل الأحكام يسيرة عليهم.. لأنه يدرك أن الشدة تجلب الترك.
وإن تولوا عن كلامك يا محمد ولم يستمعوا لك ولم يصدقوا رسالتك.. فقط اتركهم، وتوكل على ربك.. لذلك كانت حروبه، كما أرى، حروب سياسية / اجتماعية / اقتصادية.. لها علاقة بالتوازنات الإقليمية المحيطة به.. ولم تكن حربا عقائدية في يوم. ومات الرسول بحروبه، وبقيت الآيات كإعجاز دائم ملزم لنا.

وتلك كانت مسيرة الأديان.. البحث عن الرحمة والرأفة.. لأنها أصل الخير في الأرض.. ودفع القسوة والغلظة.. لأنها سبب المهالك جميعا.


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK


خطيئة وطن ..


أنا لم أقبل امرأة منذ ستة شهور..

تبتسم في تهكم وتزيح خصلة إلى وراء أذنها وتقول.. أنا لم أقبل رجلا منذ ثلاثين سنة.

أنا من سوريا، تركت وطني بعد أن دمرته الحرب الطائفية.. بين سفاح علماني وسفاح إسلامي.. حرب بالوكالة لتدمير وطني.. هم يهدفون إلى النفط في بانياس وممر القواعد العسكرية في طرطوس.. يريدون تطويق إيران وحصار آخر حصون الممانعة.. ثم نشر بطاريات صواريخ الباتريوت على الحدود ليصير الشام أمريكا كما الخليج.

أنت فتى مدلل.. أنا لم أر وطني منذ الميلاد.. لا أحمل هوية شخصية ولا أملك حق العودة.. أبو عمار أعلن قيام دولة فلسطين من تونس.. يا لسخرية القدر.. ورفض الجلوس مع بيجن في فندق مينا هاوس إلى جوار السادات.. وقرر المواصلة.. وكنا نغني: للقدس طريق واحد يبدأ من فوهة البندقية.

و كان أبي يردد .. من كل طريق آت. بجياد الرهبة آت. وكوجة الله الغامر، آت آت آت.. لن يقفل باب مدينتا فأنا ذاهبة لأصلي، سأذق على الأبواب، وسأفتح ها الأبواب.. وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية..

حتى حولت اسرئيل مجرى النهر وصارت تشرب معنا من ماء واحد.. وصار نهر الأردن محايدا بعد اتفاقية "وادي عربة" التي حمت اسرائيل من الشرق.

وبعد أن يئس أبو عمار من القتال، عشرين سنة، ذهب إلى أوسلو للتفاوض.. ووضع البندقية.. عندما علم أبي كسر التلفاز وشق عباءة أمي التي كانت ترتديها.. ولم يعش حتى يرى أبو عمار واقف في قاعة الأمم المتحدة يحمل مسدسا وغصن زيتون.. ثم صارت أوسلو تحمي اسرائيل من الغرب.

وذهبت حركة التحرير وجاءت حركة المقاومة الاسلامية حماس لتمشي ذات الطريق.. عشرين سنة مقاومة، ثم، البحث عن هدنة مع اسرائيل، ثم اعتلاء السلطة وترك السلاح.. لعقد مؤتمرات.. الكل يبحث عن هدنة مع اسرائيل وإن طال القتال.. لا اختلاف بين أبو عمار العلماني واسماعيل هنية الإسلامي.. لا فارق بين عمر سليمان وخيرت الشاطر.. واسرائيل تكسب.

ثم جاءت جماعة جند الإسلام، وهي جماعة لإقامة إمارة اسلامية في أكناف بيت المقدس .. إنهم على يمين حماس .أكثر تطرفا وتكفيرا .وعندما أعلنوا الحرب على اسرائيل من مسجد ابن تيمية من غزة، قصفتهم حماس بالصواريخ.. وقتلت زعيمهم الشيخ عبد اللطيف موسى "أبو نور المقدسي".. حتى لا يخرقوا الاتفاقية مع اسرائيل.. تخيل .. الاسلاميون ذوي الأدبيات الجهادية هم من يقتلون أسلاميين أكثر تشددا لحماية اسرائيل (!)

كلهم يمارسون الدعارة يا سيدي.. علمانيون واسلاميون.. كلهم يمارس التضليل والكذب وخداع شعوبهم.. كلهم يتاجرون بالقضية.. والأوطان تضيع..
أنا أقيم في الدقي.. أعيش منفردا.. لو لديك وقت تستطيعي تناول العشاء معي..

يبدو أنك نويت كسر حاجز الستة أشهر..

ليتني أستطيع.. مئة ألف قتيل أمام عيناي فكيف لي أن أستطيع.. لا تخافي أن رجل قتلته همومه.

ورغم أني طبيب لكني لا أجد علاجا.. ماذا تعملين..؟
أنا حقوقية، مدافعة عن حقوق اللاجئين.. لدينا 5 مليون لاجئ.. أحدهم حكى لي أن أباه ظل يحمل في بيته حقيبة مغلقة لا يعلمون ما بها، وفي الرمق الأخير قال لهم أنها حفنة من تراب فلسطين.. الخليل.. وأوصاه لو مات يضعها أول ما يضع على وجهه.. قد تراه ساذجا ولكن جرب أن تفقد أرضك.

جربت..

سأتناول العشاء عندك الليلة..

سأنتظر..

هل تراه ذنبا أن يغلق الباب على غرباء.. ثالثهما الشيطان.

لو أن الشيطان انشغل بالمحبين وترك القادة السياسيين لكان أفضل.

إنها خطيئة..

ومنذ متى لا تعيش بلادنا من دون خطايا.. إنها أقل خطيئة يرتكبها العربي.. أن يحضن امرأة.


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK


ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب


(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب)

الآية 123 سورة النساء..
تعرفين أن المدينة كانت تحوي بعض اليهود، وقليل من النصارى والكثير من المسلمين.. جلس جماعة منهم كل يتباهى بعقيدته، قالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة غيرنا.. فتفاخر المسلمون عليهم وقالوا لن يدخل الجنة غيرنا.. وقال هؤلاء نحن أفضل منكم ورد هؤلاء نحن أفضل منكم..

كما يروي ابن جرير عن مسروق، وروى نحوه عن ابن قتادة والضحاك، وأخرجه ابن ابي حاتم عن ابن عباس..

كان من البديهي يا عزيزتي أن ينزل القرآن ينتصر لرجاله وتابعيه المسلمين المؤمنين به.. لكن الآية كانت صادمة للجميع.. حادة وصارمة ورادعة لكل المزايدين المتبجحين.. وصفعة على وجوههم حتى لا يظن أحد أنه وحده من ينجو.

فقال الله.. (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب)

دخول الجنة ليس بأمنيتنا يا صغيرتي.. ليس وفق هوانا أو مزاجنا الشخصي.. وهو ليس ملك غيرنا أيضا من أهل الديانات الأخرى.. الله يقول بوضوح أنه لا أحد يمتلك الجنة أو النار ولا أحد يقطع بذلك.. حتى لو كان مسلما في مواجهة يهودي.. تلك خصومة باطلة وجدل لا محل له.. لا يجوز أن يحدد الناس من يهلك ومن ينجو..

تخيلي لو أنك تتحدثين إلى مخالف لك في العقيدة، يهودي / مسيحي، لا تملكين أمامه زعم أن الجنة لك والنار له "أهم يقسمون رحمة ربك" - فما بالك لو تحدث المسلم لمسلم مساو له !

لاحظي أن هذا الحوار بين الديانات الثلاثة تم في مدينة الرسول، وكان من حق اليهود والمسيحيين أن يعتزوا بدينهم ويظنوا أنهم الناجين، دون أن يتراشقوا بالسهام أو يتقاتلوا بالسيوف.. يجلسون يتحدثون كل واحد له الحق في الاحتفاظ بعقيدته والتفاخر بها (!)

(لم يدفعوا جزية بالمناسبة لأنهم دافعوا مع جيش المسلمين ضد قريش.. ولم تحدث خصومة إلا بعد خيانة بعضهم)
ولأن الجدل العقائدي يولد الكراهية، والتعالي بدعوى الدين الحق ينشئ الصراع، فنزلت الآية تنهى الجميع عن احتكار الغيب وتحثهم على العمل والبحث عن الإيمان بالله كقضية فردية بكل انسان.
(من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً .. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة)

والإيمان مسألة قلبية لا يعلمها إلا الله.. وهو وحده الذي يحكم فيها.. فالله قال، (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)
ثم الآية التالية تخبرنا عن الدين.. (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا)
أسلم وجهه لله.. لاحظي الكلمات، إنه خطاب فردي.. كل واحد يسلم وجهه منفردا راضيا.. دون تقليد أو انقياد للقطيع أو الجماعة.. وهو معنى الإسلام العام في القرآن.. التعرف على الله.. ثم يكون في تصرفاته شيء من الحُسن (..) وملة ابراهيم هي الحنيفية، أي ترك الباطل.

الآية يقول أن أحسن الدين هو ملة إبراهيم.. لم يقل دين محمد.. لأنه الآن يتحدث عن خصومة بين أتباع ثلاثة أديان.. فأعاد الأمر إلى واقعة سابقة على الأديان الثلاثة يشتركون فيها ويجدون منها جزرا واحدا..

ابراهيم عليه السلام الذي ينسب له دين واحد ورسالات ثلاثة، أرجح الأقوال أنه سبق محمد عليه السلام بحوالي 2500 سنة.. كأنه يقول أيها المسلمون لستم أول من أتى بالحق.. ولستم وحدكم أصحابه.. غيركم كثيرون.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK


قرآن مهجور


(إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وإذا مروا بهم يتغامزون. وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون) المطففين31.
 
لاحظي أن الكفار هم الذين يسخرون من المؤمنين.. يتغامزون عليهم في الطريق.. يتندرون ويستخفون بعقيدتهم.. لا يتعاملون بموضوعية ليقابلوا الحجة بالحجة ولكن يواجهون الحجة بالسخرية والتعالي.

لاحظي أنهم واثقون من أنفسهم أنهم الحق، وأن الآخرين هم الضلال المبين.. لاحظي حالة العجب التي هم فيها، يذهبون لأهلهم فكهين فرحين بما يفعلون.. بل يفخرون بقدرتهم على الاستهزاء بالآخرين.

لاحظي أن المؤمنين لم يتطاولوا على عقائد غيرهم من الكفار ولم يسخروا منها.. وأنهم يعايشوهم في سلام، و يتعرضون للأذى في الطريق ولا يردون. لم يذكر الله رد فعل المؤمن سوى أنه فعل سلبي بالصمت.. لأن المؤمن لا ينحط إلى هذا التراشق القبيح.
لاحظي أن الله لم يقل الذين كفروا.. بل الذين أجرموا.. ارتكبوا جريمة بسلوكهم المسيئ المتجاوز.. وأن الاستهزاء والأذى والاعتداء على عقائد الناس وأفكارهم هو سلوك المجرمين. الكافرين. فلا يجب أن نقلدهم (نحن بالفعل نأتي بأفعال أشد جرما من أفعال الكافرين ظنا مننا أننا ننتصر للإسلام.. والإسلام ينتصر بالرقي والعقلانية والنبل)

الآيات تقول أن الإيمان مسئولية.. وأن المؤمن يترفع عن الخصومة ولا يميل لاصطناع مشاكل ويتعرض للاذى ولا يرد.. إلا لو كان نقاشا عاقلا يقوم على الدليل (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وأن المؤمن هو الطرف الأكثر ضبطا لأنفعالاته فلا يميل للثأر والانتقام.
تخيلي أن المؤمن هو الذي يتم السخرية من عقيدته فلا يرد ولا يصطنع مشاكل.. وأن الكافر واثق من نفسه ويرى أنه الحق والناس على ضلالة.. فانقلبت الآية وأخذنا نحن مكانة كفار قريش وصرنا نتطاول على عقائد الجميع.. بل نتهم المسلمين غير المتبعين لمنهجنا أنهم ضالين خارجين.
صار المسلم الحالي هو الأكثر ميلا لاصطناع المشاكل وإثارة الكراهية والقيام بممارسات عدائية قد تصل إلى الإرهاب والتفجير في، لندن . مدريد . واشنطون . تنزانيا . كينيا . نيجيريا . باكستان .. الخ.
*
الله يكره الظالمين المتجبرين عموما.. والظلم لو اقترن بسلطة أو قوة فهو يتحول إلى طغيان. يولد طاغية..

لذلك أيها الملكة الصغيرة، تجدي في سورتين متتاليتين عندما تحدث الله عن الهالكين في النار، لم يذكر الكافرين، بل ذكر الطغاه.
(إن جهنم كانت مرصادا. للطاغين مآبا) النبأ22.
(فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى) النازعات39.
وهكذا يأتي الكفر في القرآن موصوفا.. بالطغيان أو الفساد أو تعمد التكذيب والصد والأذى والقتل.

*
في سورة الهمزة التي قرأتيها ألف مرة، ربما عبرت من فوق آية دون ملاحظة..

(وما أدراك ما الحطمة. نار الله الموقودة. التي تطلع على الأفئدة)

الأفئدة جمع فؤاد. والفؤاد هو القلب.. فالنار تطالع القلب قبل أن تحرقه وتحطمه.. النار ترى القلوب لا الوجوه يا صغيرتي.. ما داخل قلوبنا هو الذي يجعلنا ننجو أن نهلك. فهل تربينا على أن نحمل داخلنا قلوبا رقيقة نقية محبة، أم اهتممنا بظواهرنا أكثر..؟
لن يغفر الله للمشايخ. 


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK


التقوى والإحسان.. تعرفيهم ؟


كل أعمالنا اليومية يا ريم نبذلها بحثا عن التقوى.. من عبادة وعمل وأخلاق.. وبحثا عن مراتب الإحسان التي تتجاوز الإسلام وتربو على الإيمان.. لكن ما هي التقوى.. وما الإحسان؟

لن أصدعك بتعريفات لغوية تبحث عن الاشتقاق الجزري من المعاجم، ولا تعريفات السلف، فهي اجتهادات.. دعيني آخذ مثالا من القرآن، كتاب الإسلام الأول.. المهجور.

يقول الله:

(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعرف. ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه. ولا تتخذوا آيات الله هزوا. واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة .. واتقوا الله)

أمسكوهن بمعروف.. سرحوهن بمعروف.. لا تعتدوا.. لا تتخذوا آيات الله هزوا.. اتقوا الله.

لاحظي أن الله مهتم بالعلاقة بين الرجل والمرأة.. ويذكرها في أكثر من موضع.. ويستخدم ألفاظا قوية وعبارات صريحة صارمة.. العلاقة يجب أن تقوم على الرضا والكرم وعدم الاعتداء. وبعيدة عن الأذى والعنف والمكايدة.. ولو استحالت العشرة فالفراق أيضا بالمعروف. بأدب ورقي وشياكة..

لا تمسكوهن ضرار.. أي بعد الطلاق لا ترجعها إليك مرة ثانية كي تقهرها وتعتدي عليها وتطيل فترات الحبس.. لا تمسكها إلا لو رغبت في عشرة بالمعروف.. ولو تآمرت عليها من باب "اتمسكن لحد ما تتمكن" كي تعود لك وأنت تضمر شرا، فأنت ارتكبت كارثة تصل حد : الاستهزاء آيات الله !

*
ليس بالضرورة أن تعلن كفرك بالله كي تكن مستهزئا بكلامه.. فقط اخدع امرأة واعتدي عليها وهو يكفيك أن تكون مثلهم (!)
*
في نفس الآية يذكرنا الله بما (أنزلنا عليكم من الكتاب والحكمة).. ثنائية الكتاب / الحكمة.. التكامل بين الدين والعقل وانعكاس ذلك على المعاملة مع امرأة كانت يوما تسكن حضنك.. هنا يظهر وازع الشهامة المنبعث من الدين، والحكمة المكتسبة من خبرات الحياة وتجاربها.. هكذا المسلم.

والآية مختومة بالأمر بالتقوى.. فكأن سلامة النية من الاعتداء. وشرف الخصومة. ونبل المعاملة. وحسن العشرة.. هو التقوى.

مشاكل السياسة لها حل.. لها حلول.. أما تعقيدات النفس البشرية فهي أصعب مما يتخيل البعض.. نستطيع إيجاد صيغة عقد اجتماعي بين الحاكم والرعية.. لكن هذا العقد المكتوب بين رجل وامرأة لن يفيد كثيرا ما لم يكن هناك احترام وعقل. لذلك يهتم الله بهذا في المقام الأول.. هكذا الدين.
*
(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. ذلك يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)
الآية موجهة لأهل المرأة بعد الطلاق، لو رغبت أن تعود مرة ثانية لزوجها.. بعض الآباء يمنع ابنته أن تعود لزوجها الذي سبق وطلقها.. تعاليا وكبرا.. ( مش هترجعي للحيوان دا تاني).

وهنا يعطي للزوجة القرار في العودة بناء على رغبتها دون إكراه أو منع "عضل". وعندما نعطي للمرأة الحرية في الاختيار والقبول و الرفض هو أكبر حماية للفضيلة، ويمنع المجتمع من سوءات الكذب والعلاقات غير المشروعة.

ومنتصف الآية تقول أن هذه التعاليم يوعظ بها (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)..

الإيمان بالله واليوم الآخر كرموز كبرى للعقيدة تجد تجلياتها في حياة الناس حين يختلفون.. يظهر في نزاعات الزواج والطلاق وعلاقة الرجل والمرأة.. هل يتعاملون بنبل وكرم أم ينحطون إلى الانتقام والملاوعة.

كأنه يقول أن العقيدة ليست مهاترات كلامية أو جدل فلسفي في باحات الجامعات والمعاهد.. العقيدة ليست كتبا ضخمة صعبة الفهم على أرفف المكتبات. الإيمان بالله واليوم الآخر تجده في قلبك عندما تتعفف عن خصومة.
*
الطلاق قبل الدخول، حالتان.. الاتفاق على مهر أو عدم الاتفاق عليه..
ستجدي في الآيات التي نذكرها توا، أن للمرأة التي لم يدخل بها زوجها حق في نصف المهر، لو تم الاتفاق عليه.. ولها الحق في المتاع "شيء من النفقة" كبديل عن عدم تسمية المهر، فالله فرض لها حق مالي ثابت، حتى من دون دخول، أي من دون ممارسة علاقة جنسية مع زوجها، وكأنه يقول أن الالتزامات الانسانية بينكما تسبق أي مخالطة بدنية.. فهي الأساس وهي الأصل وما دونها أمور مكملة.
كما أنه سمح للمرأة ان تسقط حقها في المهر أو أي أعباء مالية طالما ارتضت ذاك الرجل رفيقا.. لاحظي أن المال والجنس قد خرجا من شروط الزواج الإلزامية.. فلم يبق منه سوى مسئولية الكلمة والعشرة والأمان والدفا.
(لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة. ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. متاعا بالمعروف حق على المحسنين)

الفتاة التي طلقها زوجها قبل الدخول ودون أن يفرض لها مهرا، يظل ملتزما بمتاعها، كل على قدره.. الموسع والمقتر، الغني والفقير.. بعض الفقهاء مثلا كان يرى متاع المطلقة أن تجلب لها خادما وتشتري لها ثياب.
لاحظي أن الطلاق تم دون كتابة مهر.. فلا يوجد دليل يلزم الرجل بشيء. فمن الممكن أن يتحلل الرجل من أي التزام. وهنا يتراجع القانون وتغيب العقود الموثقة. ولا يبق إلا الضمير والشهامة.. لذلك من يوفي بهذا الالتزام تجاه امرأة لم يعد يربطه بها شيء ولم يخالطها جسديا. إلا شخص بلغ مرتبة الإحسان.. وبذلك نكون أجبنا على معنى من معاني الإحسان بنص القرآن.

(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم. إلا أن يعفون. أو يعفو الذي بيده عقده النكاح. وأن تعفوا أقرب للتقوى. ولا تنسوا الفضل بينكم)
تلك هي الحالة الثانية، أن يتم الطلاق قبل الدخول ولكن بعد الاتفاق على مهر، (سمى الله حق المرأة فريضة) فلها نصف المهر.. إلا أن تعفو المرأة وتتنازل عن حقها لطليقها.. أو يعفو الرجل "الذي بيده عقدة النكاح" عن كامل المهر ويتنازل عنه لها.

ثم تكون الوصية (وأن تعفو أقرب للتقوى)..

العفو هو التقوى.. بأبسط تعريف.. العفو عن حقك المالي والإبقاء على الكرم والمودة.

--صعبة أوي على فكرة خاصة وقت وجود مشاكل وطلاق وعناد--
تخيلي كيف يتعامل المتقين من الرجال والنساء.. المرأة تحرص على ترك حقها في المهر، وترجو له حياة أفضل مع أخرى.. ويحرص الرجل على ترك المال للمرأة عسى أن يكون عزاء لها عن انفضاض الرابطة.

يا ربي إنهما يتشاجران لأن كل واحد يريد التنازل عن حقه للآخر، وليس لأن كل واحد يريد قسم ظهر الآخر.
ونهاية الآية (ولا تنسوا الفضل بينكم)..

متنساش أكلة حلوة. جيبة قصيرة. بوسة. يوم ما كنت راجع متضايق راحت ضاربة البنتكور وفضلت تخفف عنك "عادي انتو كاتبين الكتاب".. وانتي متنسيش بوكيهات الورد والدباديب والانسيال والرصيد اللي خلصه طول الليل عليكي (إلا لو كنتو فودافون).. بس كدة.



للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK


لطائف القرآن


حرمة الحياة الخاصة.. الاستئذان، الاستئناس.
(يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات. من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم)
(فإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استئذن الذين من قبلهم)
الله في الكتاب لم يحدد هيئات الصلاة وعدد ركعاتها، ولم يقطع في تفاصيل الزكاة ومصارفها، لكنه خصص آيتين للتأكيد على أهمية الاستئذان.. في مجتمع بدوي بدائي يعيش في خيام من قماش أو جلد لا تحفظ لأحد حرمته وعورته.

والاستئذان هنا منصب على أهل البيت الواحد.. الأطفال والكبار والخدم.. ورغم القربى والمساكنة إلا أنه لا يحق لأحد أن يطالع غيره في خصوصيته وأوقات راحته.. تأكيدا لحقه الأدبي في الحماية والأمان وحفظ السريرة حتى أمام أحبائه من أهل بيته.. فما بالك بالغرباء!


تغيرت الدنيا واستبدلنا الخيام بالعمارات، ولكن أحدا لا يحترم سريرة أحد أو خصوصيته أو حقه في الشعور بالأمان.

(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا)
(وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم)

الآيات السابقة كفلت للإنسان الحماية والخصوصية أمام أهل بيته كبارا وصغارا.. قبل ذلك جاءت تلك الآية لتعطيه حقا في مواجهة المجتمع.. لا يقتحم عليك أحد البيت إلا بعد المؤانسة.. لا أجد كلمة أكثر دلالة لأشرح بها.. المؤانسة هي أعلى درجات المودة والقبول والتراضي. وتوافر المؤانسة يحتاج إلى درجة متطورة من الذكاء الإنساني وتنبه المشاعر ويقظة الإحساس.


ثم يعطي لصاحب الدار الحق في أن يرفض استقبال الزائرين، دون خجل، ودون تملص أو كذب، ودون إبداء أعذار.. فقط يرد عليك من الداخل أن ارجع.. ولا يحق للآخر أن يظهر الضيق أو يبحث عن أسباب الرفض.. وكأنه يقول اتركوا الناس ترتاح في بيوتها دون تضييق أو مضايقة.

أعتقد أننا في حاجة إلى مراجعة الكثير من سلوكياتنا اليومية ونكون أكثر رقيا واحتراما للآخرين.. إنه يرشد إلى أن المسلم انسان حساس وذوق وعاقل، مش جلياط وغشيم ومغفل.


ولأن 75% من ساكني العالم غير مسلمين، ولأن 85% من المسلمين غير عرب، فهل علموا أن احكام الإسلام تحمي الإنسان وتوفر له الخصوصية والأمان ابتداء من أهل بيته وأمام المجتمع ككل في كلمات مثل الاستئذان – الاستئناس!


*

(ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين .. وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)

عائشة بنت أبي بكر زوج الرسول وبنت الصديق تعرضت لاتهام صارخ وظالم في شرفها.. والمحزن أن الاتهام صدر من قريب لها يدعى مسطح.. رجل فقير لا عمل له.. وكان أبو بكر ينفق عليه ويكفيه حاجته.


غضب أبو بكر لابنته.. وهذا حقه.. وغضب لانتهاك الدين بانتهاك أعراض الناس.. وهذا واجبه.. وقطع النفقة عن هذا الكاذب المفترِ.. وهذا أخف أنواع العقاب.


لو كان محمد (عليه الصلاة والسلام) يشرع للناس من عنده أو يفتري عليهم الكتاب لأنزل قرآنا يحض على قتل هذا الأفاك الذي يتسبب في فتنة الناس والتطاول على أعراضهم.. ولكن الرسول سكت.. وانتظر السماء.. وأول ما جاءت به السماء هو إعادة النفقة لمسطح صاحب الجريمة !


كأننا نقول: إنه يشتمنا..
فيرد القرآن: إنه فقير فاعطوه حق الطعام!

أمر يفوق إرادة البشر وتصورهم وقدرتهم على العفو.. ولكن القرآن جاء ليقتل داخلنا كل نزعة للكراهية والانتقام والشخصنة.. وحب الخير وبذل المال حتى في مواجهة العصاة الذين داسوا على حقوقنا ونالوا من كرامتنا.. ( يا ربي من يستطيعها !)

لم يصل الإسلام بلادنا بعد..
والاستئذان هنا منصب على أهل البيت الواحد.. الأطفال والكبار والخدم.. ورغم القربى والمساكنة إلا أنه لا يحق لأحد أن يطالع غيره في خصوصيته وأوقات راحته.. تأكيدا لحقه الأدبي في الحماية والأمان وحفظ السريرة حتى أمام أحبائه من أهل بيته.. فما بالك بالغرباء!
تغيرت الدنيا واستبدلنا الخيام بالعمارات، ولكن أحدا لا يحترم سريرة أحد أو خصوصيته أو حقه في الشعور بالأمان.
(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا)
(وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم)
الآيات السابقة كفلت للإنسان الحماية والخصوصية أمام أهل بيته كبارا وصغارا.. قبل ذلك جاءت تلك الآية لتعطيه حقا في مواجهة المجتمع.. لا يقتحم عليك أحد البيت إلا بعد المؤانسة.. لا أجد كلمة أكثر دلالة لأشرح بها.. المؤانسة هي أعلى درجات المودة والقبول والتراضي. وتوافر المؤانسة يحتاج إلى درجة متطورة من الذكاء الإنساني وتنبه المشاعر ويقظة الإحساس.
ثم يعطي لصاحب الدار الحق في أن يرفض استقبال الزائرين، دون خجل، ودون تملص أو كذب، ودون إبداء أعذار.. فقط يرد عليك من الداخل أن ارجع.. ولا يحق للآخر أن يظهر الضيق أو يبحث عن أسباب الرفض.. وكأنه يقول اتركوا الناس ترتاح في بيوتها دون تضييق أو مضايقة.
أعتقد أننا في حاجة إلى مراجعة الكثير من سلوكياتنا اليومية ونكون أكثر رقيا واحتراما للآخرين.. إنه يرشد إلى أن المسلم انسان حساس وذوق وعاقل، مش جلياط وغشيم ومغفل.
ولأن 75% من ساكني العالم غير مسلمين، ولأن 85% من المسلمين غير عرب، فهل علموا أن احكام الإسلام تحمي الإنسان وتوفر له الخصوصية والأمان ابتداء من أهل بيته وأمام المجتمع ككل في كلمات مثل الاستئذان – الاستئناس!
*
(ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين .. وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
عائشة بنت أبي بكر زوج الرسول وبنت الصديق تعرضت لاتهام صارخ وظالم في شرفها.. والمحزن أن الاتهام صدر من قريب لها يدعى مسطح.. رجل فقير لا عمل له.. وكان أبو بكر ينفق عليه ويكفيه حاجته.
غضب أبو بكر لابنته.. وهذا حقه.. وغضب لانتهاك الدين بانتهاك أعراض الناس.. وهذا واجبه.. وقطع النفقة عن هذا الكاذب المفترِ.. وهذا أخف أنواع العقاب.
لو كان محمد (عليه الصلاة والسلام) يشرع للناس من عنده أو يفتري عليهم الكتاب لأنزل قرآنا يحض على قتل هذا الأفاك الذي يتسبب في فتنة الناس والتطاول على أعراضهم.. ولكن الرسول سكت.. وانتظر السماء.. وأول ما جاءت به السماء هو إعادة النفقة لمسطح صاحب الجريمة !
كأننا نقول: إنه يشتمنا..
فيرد القرآن: إنه فقير فاعطوه حق الطعام!
أمر يفوق إرادة البشر وتصورهم وقدرتهم على العفو.. ولكن القرآن جاء ليقتل داخلنا كل نزعة للكراهية والانتقام والشخصنة.. وحب الخير وبذل المال حتى في مواجهة العصاة الذين داسوا على حقوقنا ونالوا من كرامتنا.. ( يا ربي من يستطيعها !)
لم يصل الإسلام بلادنا بعد..


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK




جدتي ..


المرة الأولى التي تعرفت فيها على الموت كنت صبيا في الثانية عشرة، عندما ماتت جدتي لوالدي، اسمها أمينة.. مات زوجها وهي شابة وترك لها ستة أولاد، علمت البنين وزوجت البنات بأكبر قدر من الجهد وأقل قدر من الخسائر.

فقدت إحدى عينيها في سن متأخرة، وتعرضت لجلطة منعتها القدرة على الكلام لسنين.. ربتني صغيرا وحكت لي عن جدي الرجل الصالح الذي لم أره.. لقد مات وهو متوضئ وذاهب لصلاة العصر.. كان يعبر الطريق مسرعا حتى لا تفوته تكبيرة الإحرام فصدمته سيارة مندفعة.. كان وفديا وكره الضباط الاحرار وتعرض للسجن والمصادرة والتضييق في تجارته من قبل نظام ناصر ومات فقيرا..

وكانت تصنع لي حلوى بدائية من عجين وسكر حين الفجر.. وكانت تشتري لي البلي حتى ألعب في الشارع رغما عن إرادة أبي.. وكانت تخفي أخطائي وتحميني في الشارع من الاعتداء .. ولا يجرؤ أبواي أن يعاقباني طالما هي موجودة.. منحنية عجوز تستند إلى عصا قصيرة لكن لها مهابة عظيمة.

كان لديها فرن من الطين ويشتعل بالحطب أمام المنزل.. تنادي أمي في الظهر لتناولها الطعام لتطهوه (لم يكن لدينا فرن غاز أو كهرباء) رائحة السمك المشوي لم تغادر أنفي.. وطعم صواني البطاطس لن تتكرر ثانية.. و في المغرب تكنس الشارع بمقشة بدائية من جريد النخل.

وقبل النوم، تقول لي: اتمسى بالخير.. فلا أعرف كيف أرد.. فتعلمني .. مساك سالم رضي.

وصارت علامة المساء..

وعندما تنسى أذكرها..

أناديها وأنا أصعد السلم: ستو أمينة ، اتمسي بالخير.

تبتسم وتقول، مساك سالم رضي..

ثم توصيني: "حين أموت لا تنسى قبل النوم أن تسلم علي وتقرأ لي الفاتحة.. سأسمعك من هناك."

كنت أظنها تمزح.. وأنها والسماء موجودتان كالأزل.. وماتت.

نظرت لها أودعها وشعرت أنها ستفتح عينيها وتنطق.. واشتركت في حملها رغم قصر قامتي.. ورأيتهم يضعون التراب.


وفي اليوم التالي، أردنا بناء مقبرة صغيرة كعهد البلدان الريفية، لا ترتفع إلا نصف متر.. جارنا في الشارع بناء عجوز اسمه احمد أبو السيد.. شاخ في السن وارتعشت يده وضعف بصره.. لم يعد قادرا على بناء البيوت ورص الطوب باعتدال.. لكنه لم ينس بناء المقابر.

جلست إلى جواره من الصباح وحتى الظهر إلى أن أتمها.. وذهبت إلى ورشة رخام، قلت لصاحبها أريد قطعة مكتوب عليها اسم جدتي "أمينة ابراهيم".. وآية واحدة: إن المتقين في جنات ونهر.

وكان معي ثلاثون جنيها.. اخذهم مني وسامحني في الباقي. وتلك كانت تجربتي الأولى..

*

في محاكمة مبارك اليوم، مرافعة النيابة تثبت أن شركة المقاولين العرب قامت ببناء "مقبرة" لعلاء مبارك ومجدي راسخ تكلفت 14 مليون جنيه (!)

حتى الموت صار فيه تمييز..

الحمد لله أن جدتي ماتت وهي تظن أن مبلغ خمسمائة جنيه كاف جدا كي تعتبر نفسك ثريا..



للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK