محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الجمعة، 28 يونيو 2013

الثورة على نابليون

هل تعرفي يا ريم، أن نابليون بونابارت توهم أن الديكتاتورية هي السبيل للوصول لأهداف الثورة الفرنسية !

نحن لا نعرف من شعارات الثورة الفرنسية سوى الحرية والمساواة. رغم أنها حملت شعارات أخرى أهم مثل، القضاء على الملكية المطلقة للإقطاعيين الكبار، وأن تصير أرض فرنسا لكل الناس. وعودة الأمن. ومقاومة الظلم.

ظلوا يتخبطوا بين نصوص دستورية وإعلانات للحقوق. ولكنها كلها كانت حبرا على ورق. وظل الصدام بين الاقطاعيين، بقايا أتباع النظام القديم، وبين رجال الثورة حتى اضطرت الثورة للجوء للعنف كوسيلة لفرض شروطها.
ولكن العنف لو بدأ فلا نهاية له.. وانتقل العنف من مواجهة أعداء الثورة إلى تصفية الخلافات بين الثوريين بعضهم وبعض. وتحولت لجنة "حفظ السلام" إلى لجنة للإرهاب. وكان رئيسها رجل شديد البأس اسمه "روبيسير"، الذي استخدم المقصلة للتخلص من خصومه، ولكنه نفسه لم ينج منها بعد فترة فمات بذات الطريقة التي استخدمها لقتل خصومه !

انتقلت الثورة الشعبية في فرنسا بعد فترة إلى ديكتاتورية الجماعة ( ليست جماعتنا نحن ! ولكن التاريخ يصر على استخدام اللفظة.) ثم انتقلت ديكتاتورية الجماعة إلى ديكتاتورية الفرد .. وهنا بدأ التخبط الكبير.

وظل الناس يبحثون عن شخصية قوية صارمة توقف الفوضى الداخلية وتجمع الفرنسيون على كلمة واحدة تحقق أهداف الثورة. وكان نابليون جاهزا لتلك المهمة. رغم أنه كان ضابطا في الجيش في الثلاثين من عمره . ولكن انجازاته العسكرية أهلته بجدارة . وكان كثير القراءة في التاريخ والسياسة والأدب.

نابليون عقد صلحا مع انجلترا تعهدت بمقتضاه إعادة الكثير من الأراضي لفرنسا. إنه صلح "إميان" الذي جعل شعبية نابليون فوق السحاب. لقد جعل هذا الصلح فرنسا سيدة على كل بلدان أوروبا وهنا ارتضى الشعب أن يكون نابليون "ديكتاتورا" عليهم، طالما يحقق تلك الانجازات الكبرى لوطنه.
واستغل نابليون شعبيته وضرب بدستور 1795 عرض الحائط. وضمن لنفسه البقاء في الرئاسة عشر سنوات اضافية. ولم يتوقف طموحه. فتخطى مجلس الشيوخ ولجأ للشعب مباشرة وطرح استفتاء على سؤال صغير:
هل يصير بونابرت قنصلا مدى الحياة ؟

وجاءت النتيجة بالموافقة بنسبة تتجاوز 99% . وفي عام 1804 قرر بونابرت أن يكون "امبراطور الفرنسيين". وأن يكون مركز نابليون وراثيا في ذرتيه. ومن أجل المزيد من القداسة  جاء البابا وتوجه امبراطورا يرضى عنه الرب لشعب فرنسا الطيب (!)

نابليون رجل عبقري يا ريم . كما أنه وطني لأقصى درجة. واستطاع توحيد الجبهات الداخلية ببراعة. ولكن يا صديقتي السلطة تفسد النفوس والعقول والمبادئ . خمرها تدير أي رأس بنشوة القوة والسطوة والطغيان. والحل الوحيد يكمن في المساءلة والنقد والتداول.

عندما تطول فترة الحكم دون مساءلة فأي شخص معرض للهوى.. عثمان بن عفان وهو من أشرف الصحابة وأشراف قريش بعد 12 سنة من حكمه بدأ في محاباة أقاربه في التعيين، وقامت ثورة ضده. نحن بشر غير معصومين يا ريم، ولذلك قال لهم أبو بكر في خطاب العرش لو أسأت قوموني. وعبد الناصر انتهت ديكتاتوريته بنكسة أثرت على مصير الوطن العربي لنصف قرن كاملة.

سأذكرك دائما بكلمة سخاروف، أبو القنبلة النووية الروسية، عندما توقع انهداد الاتحاد السوفييتي لغياب النقد، وقد كان.

نعود لنابليون..

نابليون ورط فرنسا في حروب مع كل أوروبا.. انجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا والسويد.

بالمناسبة نابليون جاء بنفسه على رأس جيش كبير إلى مصر لاعتقاده في أهمية موقع مصر بالنسبة للشرق . وأنه المفتاح لافريقيا والشام وأنه الطريق إلى الهند حيث يريد قطع الطريق على بريطانيا .

ولكن أمير البحار الأميردال "نلسن" كان له بالمرصاد فألحق به هزيمة شديدة قبالة سواحل أبي قير بالاسكندرية. وحاول مرة ثانية مواجهة الاسطول البحري الانجليزي في موقعة "الطرف الأغر" - كلمة عربية من بقايا حضارتنا في أوروبا - ولكنه مني بخسارة فادحة أيضا.
بريطانيا هي ملكة البحار دون منازع .

وظل ينشر جيوشه عبر أنحاء أوروبا بدعوى نشر مبادئ الثورة الفرنسية. ولكن أوروبا كلها استيقظت على كذب شعاراته. فصار وحيدا ضدهم جميعا.

هزيمته الأولى كانت على يد أضعف بلدان أوروبا وقتها. على يد أسبانيا عام 1808. وبذلك كسرت أسطورة جيش بونابرت الذي لا يقهر. والهزيمة الثانية كانت على ثلوج روسيا التي لا ترحم، عندما هاجم موسكو ظل الجيش الروسي يتقهقر حتى يستدرجه إلى الأصقاع الداخلية الباردة عام 1812.
ثم انتهت الأسطورة في معركة الشعوب وخسر 50 الف جندي وقتها. وزحفت جيوش الحلفاء لاحتلال فرنسا. وفر نابليون عبر نهر الرين.

والنتيجة كانت مأساوية يا ريم..
فرنسا التي هبت ضد الملكية والإقطاع والظلم وحلمت بالحرية والمساواة صارت الآن محتلة.. ثم جاءت سلطة الاحتلال بالنظام الملكي، الذي ثار ضده الشعب، ونصبته من جديد على عرش فرنسا.. جاء البوربون والملك لويس الثامن عشر.
ولأن الشعوب الأوروبية وقتها لم تكن قد تحررت مطلقا من سلطات الكنيسة والحكم للملوك باسم الرب، فلقد طلب لويس الثامن عشر أن يتم تنصيبه وفقا لنظرية "الحق الإلهي للملوك في الحكم."

وحاول نابليون جمع بقايا جيشه للعودة لتحرير وطنه الذي أغرقه باستبداده ورغبته في صنع مجده الشخصي على حساب ملايين الفرنسيين، ولكنه تلقى هزيمة ساحقة في معركة "واترلو" الشهيرة، وهو في طريقه إلى بلجيكا. على يد القائد الانجليزي "ولنجتون".
*
كان نابليون يا ريم يظن أن الديكتاتورية ستحقق مبادئ الثورة.. وأن انفراده بالسلطة واتخاذ القرار سيؤتي خيرا على الشعب الفرنسي . وكان يحتج بشعبيته بين الجماهير وقدرته على خداعهم. وتمكنه من حصد أغلبية ساحقة في تنصيب نفسه امبراطورا.

بيتهوفن الموسيقار العظيم كتب "لحن البطولة" وأهداه إلى نابليون في بداية حكمه لفرنسا، ظنا منه أنه القائد الملهم الذي سيحقق الإخاء والمساواة والحرية. ولكن عندما توج نفسه إمبراطورا خاب أمل بيتهوفن ومزق الإهداء. وقال أن مسيرة الثورة قد انتكست لأن الأباطرة والمستبدين لن يحققوا سوى الخراب والظلم من أجل مجدهم الشخصي.

نابليون مات معزولا في جزيرة بعيدة شديدة الحرارة بعد أن تحطمت نفسيته .. وكتب وصية طويلة لابنه الوحيد، يقول له فيها أن الأفضل للعالم أن يقتسم الخيرات سويا على أن يتقاتلوا. وختم نابليون الوصية بأن يكثر من قراءة التاريخ فالتاريخ وعظاته ودروسه أكبر فلسفة يجب أن يقتدي بها أي قائد.

وأن أي ملك يجب أن يكون بداخله حبا للخير لأن كل فلسفات العالم لن تفيده إذا كان الشر يسيطر على أفكاره.
--
فعسى أن يقرأ المسؤولون عنا يا ريم عظات التاريخ حتى لا تتكرر المآسي من جديد .




للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق