محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الجمعة، 28 يونيو 2013

سورة البلد (فلا اقتحم العقبة)

 

(فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة. أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. أو مسكينا ذا متربة)
 
اختلف المفسرون حول كلمة العقبة.. لكن أعتقد أن ما يتسق مع الآية هو أن العقبة هي النفس البشرية، وما فيها من شح وأنانية وكسل وسلبية.. واقتحامها يكون بالخروج من إطار الذاتية الضيق المنشغل بشخصنة العالم واختزاله في همومنا أو طموحنا.
 
اقتحامها يكون بالتضحية والبحث عن سعادة الآخرين والانشغال بحل الأزمات لجعل الحياة أفضل. 
 
كيف نقتحم العقبة.. كما ترشد الآيات..؟
 
فك رقبة..
 
بإعطائها الحرية.. وتخليصها من العبودية والذل.. أنت تعمد إلى عبد، لا قيمة له سوى دراهم معدودة، وتسدي له جميلا، ولا تنتظر منه مقابل.. فهو ضعيف وفقير وبلا ظهير.. لا تقدم خدماتك إلى رجل ميسور قوي يردها لك في المستقبل.. بل تقدمها إلى شخص لن تستفيد منه أي شيء. وهنا يكون العمل مزدوج.. أعطيت لإنسان حريته، وعلمت نفسك عمل الخير بلا مقابل.
 
وتتوالى الأعمال..
 
إطعام في يوم ذي مسغبة.. أي مجاعة.
 
يتيما ذا مقربة..
 
مسكينا ذا متربة.. أي التصق بالتراب من شدة الحاجة.
 
تلك الآيات نزلت في مكة.. قبل تشريع معظم العبادات من صلاة وصيام وحج .. نزلت على قلة تعد بالعشرات أو المئات، مستضعفة تقاوم للنجاة من القتل والاضطهاد.. لكنه يضع اللبنة الأولى للنواه التي يجب أن تشكل المجتمع الإسلامي.
 
الحرية للجميع.. لا يجوع منا أحد.. المسئولية عن الضعفاء وتحسين حالهم.. التماس أحوال اليتيم والقريب.
 
*
 
هذا الكلام في عمق تاريخي يجاوز ألف سنة.. لو وضعناه في منظومة قانونية حديثة مترجمة للغات عدة ويتم التكثيف الإعلامي عليها لصارت الأرقى في فقه القانون الدولي والمنظمات الدولية وهيئات الإغاثة. لدينا قيمة كبرى مغفلة وتائهة وسط القشوريات والتطرف والجهل.
 
في شوارع باريس 2000 منقبة يثيرون المشاكل. وهذا ما عرفته فرنسا عنا، ولم تعرف أن لدينا سورة اسمها: البلد. هم لن يقرأوا القرآن. أنت من تقرأه وتوصله لهم. في ظل مجتمع دعوة مفتوح على كافة الثقافات.
 
سورة البد تشريع إلزامي نزل قبل الصلاة.. وكأن من لم يمتلك تلك الصفات غير مؤهل أن يتعبد لله.. بينما النقاب أمر سطحي خلافي ما بين الوجوب والاستحباب والكراهة.
 
(النقاب مكروه لدى بعض فقهاء المالكية - راجع حاشية الدسوقي - الشرح الكبير للدردير )
 
*
وخاتم الآيات.. (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.)
 
الله قرن الإيمان بالرحمة.. فهل نحن متراحمون.. السؤال، هل نحن مؤمنون؟ لماذا يظن البعض أن الغلظة تزيدك إيمانا؟
 
تواصوا، أي يكثروا من تذكير بعضهم به.. حريصين عليه كل وقت.. هل أخلاقنا اليومية تقول أننا نصبر على بعضنا.. هل الغرباء الذين يزورون مجتمعاتنا يلحظون "الرحمة" و "التراحم" كسلوك شعبي ينتشر بين الناس ويربطهم سويا..؟
 
امشي في الشارع لمدة ربع ساعة ولاحظ حركة السيارات والمشاة وحديث الناس.. ستجد ضيق الصدر والغلظة والخشونة في كل لحظة.. نعم أخلاق الزحام مفسدة لنا جميعا.. لكن الدين يجعل هناك معادل قوي يحثك على المقاومة.. التدين أمر صعب جدا.. شاق.. يحتاج إلى صبر ورحمة.. يحتاج إلى جهاد شديد لاقتحام العقبات.. عقبات النفس.
 
هذا بخلاف التدين الزائف المريح السهل الذي يخدر ضمائرنا ويمنعنا من مطالعة أعماق الدين وغاياته.
 
- سأعلم أن الإسلام دخل مصر لو رأيت بعضهم يصبر على حماقتي.. ويرحم تصرفاتي الساذجة. -
 
ابن آدم الذي قتل أخيه، لم يكن بوازع الشيطان.. بل بوازع نفسه.. (فطوعت له نفسه قتل أخيه. فقتله) .. منذ تلك اللحظة وجاءت الأديان لتقويم تلك النفس وتهذيبها ونزع الجهالة والعنف من داخلها واستبدالها بنور يشرق من داخلها.
 
في ذات السورة، تتحدث الآيات عن أحد المشركين الذي ظن أن لن يقدر عليه أحد.. وتضع الآيات معايير الغواية والهداية، وأنها معايير انسانية بحتة تتعلق بعقل الإنسان ورؤيته..
 
(ألم نجعل له عينين. ولسانا وشفتين. وهديناه النجدين)
 
الله قال أن حواس الإنسان ومدى قدرتها على الفهم والاستيعاب والتجاوب هي المسئولة عن مصيره.. قال وهديناه النجدين.. أي الطريقين.. طريق الحق وطريق الباطل.. وعيناك هي التي تقرر.
 
هذا دين الله للناس قبل أن يظلموه ويزوروه ويحرفوه أو يتهكموا عليه.




للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك



البروفايل الشخصي

 

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية

 

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق