التاريخ يا عزيزتي لا يبدأ من عندنا.. هناك كثيرون سبقونا، والإنصاف يحتم علينا الإعتراف بفضائلهم حتى ولو اختلفنا معهم.. لو صرت مؤرخة أو سياسية لا تلغي التاريخ ولا تهيمني عليه.. تلك أفعال المستبدين الظالمين الذين لا يبتغون الحق.
لذلك تجدي القرآن عندما تكلم عن أتباع عيسى عليه السلام وصفهم بأرق الألفاظ، (وقفينا من بعده بعيسى ابن مريم. وآتيناه الإنجيل. وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة).. الحديد.
إنها رسالة قوية تأتينا منذ بداية الميلاد، أن من اتبع الرسل كانوا ناسا تمتلك رحمة ورأفة في قلوبهم تجاه الآخرين.. وكأن الإيمان والرحمة مترادفان. والكفر والغلظة متشابهان.
على نقيض ذلك، لم يستحي القرآن أن ينقد التراث الديني لأقوام سبقت، وتحدث عن بني اسرائيل الذين كذبوا الرسالات وهم يعلمون أنها الحق.. وقال فيهم، (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) ..البقرة.
لاحظي، أنهم ناس كفرت وقست قلوبها، فكانت قسوة القلب سبب في عدم اتباع آيات الله.. وكأن قسوة القلب تورث الكفر، أو أن الإيمان لا يسكن هذه القلوب، أو أن آيات الله تحتاج إلى أرقاء القلوب ليفقهوها.
الآية التالية (قد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون).. فكان التحريف نتيجة لقلوب قاسية.. العامل الإنساني مهم جدا.. قد عقلوا الكلام، وعلموا أنه كلام الله. ثم عبثوا به وحرفوه.. أحيانا لا تكون المشكلة نقص عقل، بل نقص رحمة.. فالرحماء لا يزيفون ولا يظلمون، على عكس القساة الذين يزيفون أي شيء حتى كلام السماء.
وجاء رسول الله الخاتم، محمد عليه الصلاة والسلام ليقول عنه القرآن (قد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم. حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله عليه توكلت).. التوبة.
قال أبي بن كعب أنها من آواخر ما نزل من القرآن.. برواز لعمل الرسول.. رؤوف رحيم.. يعز عليه ما يعنتهم.. و العنت: هو المشقة ولقاء المكروه.. فالرسول يكره أن يجد الناس في ضيق أو حرج أو مشقة.. وكان يحاول قدر المستطاع أن يجعل الأحكام يسيرة عليهم.. لأنه يدرك أن الشدة تجلب الترك.
وإن تولوا عن كلامك يا محمد ولم يستمعوا لك ولم يصدقوا رسالتك.. فقط اتركهم، وتوكل على ربك.. لذلك كانت حروبه، كما أرى، حروب سياسية / اجتماعية / اقتصادية.. لها علاقة بالتوازنات الإقليمية المحيطة به.. ولم تكن حربا عقائدية في يوم. ومات الرسول بحروبه، وبقيت الآيات كإعجاز دائم ملزم لنا.
وتلك كانت مسيرة الأديان.. البحث عن الرحمة والرأفة.. لأنها أصل الخير في الأرض.. ودفع القسوة والغلظة.. لأنها سبب المهالك جميعا.
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
البروفايل الشخصي
البروفايل الشخصي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق