محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

هكذا هي الحياة ..

أنت لا تحب أمك لأنها الأجمل أو الأكثر تضحية.. أنت تحبها لأنها هي. وكذلك الأرض. 

ما هذا الذي يربط الناس بأرضهم الأولى.. مدينتهم الصغيرة، قريتهم البعيدة النائية.. هل ثمة سر يولد معنا، يختلط بالتراب ويشدنا كبوصلة لا تتوه مهما رحلنا.. هل الأرض
 تصر أن تراك محمولا مرتين.. طفلا وشيخا.. هل الأرض تعقد صفقة بين الحبل السري المدفون فيها وبين بقية الجسد.. فلا يرتاحان إلى إذا تواريا في أرض واحدة. 

علماء البيولوجي يقولون أن هذا الحبل يحوي خلايا جنينية غير مشكلة تشبه كل خلايا الجسد، وتحل محلها لو زرعت مكانها لتقوم بذات الخصائص.. تلك معجزة يريدون الوصول لها.. كي يستبدلون ما يعطب من جسد الإنسان من خلايا راشدة شاخت بأخرى جينية تستطيع الصمود.. فعلها عالم ياباني "شينيا يامانكا" وحصد نوبل. 

الخلية التقليدية في تكوينها الأول تحوي 30 ألف جين، وتستطيع التشكل وفق أي جزء تنمو فيه لتقوم بالدور المكلفة به . قلب / كلى / عظام / أعصاب .. الخ .. وبعد أن تتخصص هذه الخلايا فهي تتوقف عن تنشيط بعض هذه الجينات وتكتفي بالوظيفة التي تقوم بها . رغم أن فيها ما يمكنها من القيام بكل الوظائف .. 

"يامانكا" استطاع إعادة خلية جلد متخصصة، شائخة، إلى وضعها الجنيني غير المتخصص البكر.. ثم استطاع تغيير وظيفتها إلى خلية قلب.. معمليا تحت المجهر، وسمعها تنبض.. لب . دب . لب . دب .. ذاك الإيقاع الذي يعلمه كل طلبة الطب. 

الحضارات الأولى نشأت مجاورة لضفاف النهر أو فوق أمواج البحر.. ومدينتي تحمل كلا الصفتين.. رافد النيل يشقها نصفين، وشاطئ البحر هو الحدود. 

القرى البسيطة المتناثرة لا تدري ما لديها من ثروة.. ناس بسطاء يستيقظون ليبحثون عن الرزق ويقدمون الصلوات يستلهمون البركة.. وجوههم أوروبية وعيونهم ملونة وشعرهم مذهب.. ولا يدركون أنهم متميزون.. هناك من يدفع الملايين لينعم بمنزل مقارب للبحر.. وهم ولدوا ليجدوا أنفسهم أمامه مباشرة. 

البيوت هنا منفصلة.. لا يألفون العمائر الخرسانية الضخمة التي تحوي عشرات الأسر.. البيت يجب أن يضمك وحدك.. يحويك ويحوي ولدك من بعدك.. منذ سنوات كنت أعرف صيادا يأتينا بالسمك في "جمبة" من الحصير، وكان كهلا.. يده يبين فيها الشقاء ووجهه يحمل ألف حكاية.. سمرة البحر وشقوق ملوحة الماء.. عوده منتصب، ممصوص وصلب.

وكان أحيانا يغني أغاني لا أعرف كلماتها أو معناها، ولكن شجنها يهز أعماق القلب.. الفن هو كل ما يؤثر فينا وليس بالضرورة كل ما نفهمه.. نحن نستمتع باللحن دون أن ندرس السلم الموسيقي، ونتعرف على النحت الجيد دون أن نمسك إزميلا في يوم.. 

عدت إلى بلدي.. آتيا من الجنوب إلى الشمال.. كي نستطيع أن نبدع فيجب أن نكون قريبين من الناس، نسمعهم، دون أن نألفهم.. يجب أن نشعر ببعض الغربة، حتى نرى التفاصيل، قبل أن يقتلها الاعتياد. 

ذهبت إلى الشاطئ أسأل عن صياد عجوز في قرية بدائية.. أعرف عنه بعض الأشياء وأستطيع أن أصل.. ووصلت. 

قابلني شاب يشبهه.. ابنه.. عائد من البحر ويحمل ذات الجمبة التي اعتدت أن أراها في يد الأب في بيتنا.. 

سألته عن أبيه.. 

نظر ناحية الشرق، وقال، هناك.. عند هذا التل.. جلس عليه في نهاية العمر بعد أن ترك الصيد وأوصى أن يدفن فيه.. وأن يوضع في قبره بجوار الكفن شبكته التي ظل يحملها على كتفه خمسين سنة.. 

بتلك الشبكة نبتت أكتاف أطفاله.. وتزوجت بناته.. ومنها بنى بيتنا الذي يؤوينا.. رحل ورحلت معه.. 

تركته وظللت أمشي ساعات بمحاذاة الشط.. تمضي الحياة بسرعة مخيفة.. ويتوارث الانسان ذات الأحلام والرغبات والهموم منذ خمسين ألف سنة ويدفن معها.. ولا يكف عن اصطناع الضجيج.. رغم أن الأمر تقليدي إلى أقصى درجة. 

عمر الأرض 4 مليار سنة.. ولو مثلناه بسنة 12 شهر.. فالانسان ظهر في الربع ساعة الأخيرة من ليلة 31 ديسمبر.. نحن لا شيء تقريبا في عمر الزمن.. وحجم الارض بكل ما فيها ومن عليها بالنسبة للكون ككرة تنس طاولة صغيرة ملقاة في جانب ملعب كرة قدم فسيح.. لا شيء أيضا.. ثم يصر الإنسان على الاقتتال. 

الحياة قصيرة.. فاستمتع بفنجان قهوتك.

 
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 

الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK

 
 

هناك تعليق واحد: