محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

السبت، 29 يونيو 2013

لا تسمعوا كلام الرسول



(1)
يروي الإمام مسلم في الحديث الصحيح عن مالك عن نافع عن ابن عمر "سلسلة الذهب"، أنه قال: نهى رسول الله عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه..

الحديث واضح.. لا يجوز للمزارعين المتاجرة في ثمارهم إلا بعد أن تنضج وتصير صالحة للقطف.

على نقيض ذلك، لدينا حديث في الصحيحين عن ابن عباس، أن رسول الله قدم المدينة فوجدهم يبيعون الثمار لعام وعامين مستقبلا قبل بداية الزرع، فقال:

من أسلم - وفي رواية من أسلف - فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم..

حديث الإمام مسلم الصحيح المروي عبر سلسلة الذهب ينهى عن بيع الثمر قبل نضجه.. ثم حديث الصحيحين "السلم" يبيح التعاقد على بيع الثمار مستقبلا حتى قبل الزراعة، شرط الاتفاق على الكيل والوزن والأجل، ضمانا للحقوق.

فكيف يستقيمان ..؟

الحديث الأول الذي يمنع بيع الثمر قبل بدو صلاحه، أصدره الرسول في وقت مبكر، وهذا الحديث يتفق مع المنطق العام من ألا يبيع الإنسان ما لا يملك ولا يضمن وجوده.. والرسول مهتم بانضباط المعاملات التجارية بين الناس وسن القواعد التي تمنع الظلم والخلافات. لذلك نهاهم.. وهو نهي دنيوي، كتشريع يخضع لتحقيق المصلحة المتغيرة، وليس أمر ديني ملزم ومؤبد..

وعندما قدم رسول الله إلى المدينة.. تغير الحال، ووجد اليهود "وهم خبراء في إدارة الأموال وتحسين إنتاجها" يقومون بنظام اسمه: السلم.

قد يكون لديك أرض، ولكن ليس لديك المال الكافي لزراعتها.. أو تريد التوسع في الزراعة، فتقوم بالاتفاق على بيع ثمارها، حين تنضج، لتجار بعينهم تأخذ منهم جزءا من الأموال والباقي حين التسليم بعد بضعة شهور.. شيء أشبه بالحجز بدفع العربون.. هذا هو نظام السلم الذي فعله اليهود وكان مفيدا في الزراعة والإنتاج ورواج التجارة.

طبيعي أن تكون هناك مخاطرة، لكن مع الخبرة والوقت يمكن تلافيها أو الاتفاق على التعامل مع الخطر حسب وقوعه.

رأى الرسول بعينيه.. وتذكر كلامه القديم.. النهي عن بيع الثمر قبل ظهوره.. لكن الرسول لم يكن منغلقا، ويهدف لتحقيق مصالح الناس، ويجاري تطور العصر.. ويعلم أن أوامره الدنيوية فيها علة ومقصد.. وأنها أوامر بشرية لا تتعلق بالعبادة أو العقيدة، ولكن بالحياة.

فأصدر أمرا آخر.. من أسلم في شيء فبكيل معلوم ولوقت معلوم وبسعر معلوم..

قنن الرسول عملية السلم، بوضع ضوابط حمائية تهدف إلى دفع النزاع وحفظ الحقوق.

الرسول قلد اليهود.. تعلم منهم.. ولم يقف مكتوف اليد أمام تطور العصر.. ولم يصر على التمسك بالنص القديم، أو بتعاليم سابقة صدرت في عصر سالف.. ولم يعش أزمة ثقافية في التواصل مع الآخرين..


(2)
قد يطرأ على ذهن البعض حديث: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع.. وفيه تحذير من تقليد أهل الكتاب.

والحديث يحذر تتبعهم في شئونهم الدينية، وما وقعوا فيه من أخطاء وانحراف.. فلا نقلد اليهود بالتشدد والإكثار من التحريم وعداء المرأة.. ولا نقلد المسيحيين بالتعقيدات اللاهوتية حول طبيعة الله والإكثار من الأسئلة الغيبية.

لذلك فالآية (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .. تحدد سبيل الاتباع، وهو الملة. الدين. وليس الدنيا.

الغريب أننا تركنا سنن اليهود والنصارى في العلم والاقتصاد والحداثة، وتبعنا سننهم الدينية بالتشدد والتحريف وعبادة رجال الدين، من أحبار ورهبان، وهجر كتاب الله من أجل روايات الرجال، وتحقق فينا حديث الرسول "أمثناة كمثناة بني اسرائيل" عندما وجد صحابته يدونون كلامه، تاركين القرآن.. وتركنا الدين القائم على كلمتا، تخفيف ورحمة.. وحولناه إلى إصر وأغلال.


(3)
وكما كذبوا على رسول الله قديما، فبعضهم يحاول إخفاء كلامه حديثا لأنه لا يوافق ما بداخله من تشدد وغلظة.. روى الإمام مسلم في كتاب الفضائل، والبخاري في كتاب اللباس، عن ابن عباس، أن رسول الله:

"كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه (!)

وكان اليهود يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون.. فسدل الرسول شعره ثم فرقه".. أهـ

هل هناك تواصل ثقافي في شئون الحياة أكثر من ذلك؟ هل هناك احترام وتقدير واعتراف بالحق أكثر من ذلك؟

النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو الدين الخاتم، كان يسهل عليه أن ينعزل عنهم بدعوى أن دينه يجب ديانتهم، أو أن دينهم محرف و منقطع، بينما هو يتصل بالسماء..

ثم.. دعنا نرى مظاهر الحياة اليومية.. كانت اليهود تسدل شعرها (بتجيبه لقدام قُصة) والمشركين يفرقوه (زي عماد حمدي وأفلام الستينات) .. كان ممكن الرسول يقول من أجل التمميز إحنا هنجيبه على جمب مثلا. أو هنحلق زيرو.. لكنه سدل شعره كاليهود . وبعد ذلك غير الفورمة وفرقه كالمشركين (!)

الجانب الاجتماعي في حياة الإسلام مهم جدا وأكثر صدقا من الحروب والصرعات وتاريخ الملوك.

من خلال هذا الحديث ندرك أن أحاديث الرسول المتعلقة بمزاولة الحياة.. من أزياء وهيئات ولباس.. أمور لا علاقة لها بالتشريع أو صلب الدين، ومن يقحمها في الدين بدعوى التشبه بالرسول فهم ابتدعوا فيه ما ليس منه.


(4)
منذ أيام، كان العالم يتابع قمة الدول الثمانية الكبرى، المجتمعة في ايرلندا الشمالية تحت رئاسة ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا.. ثمانية دول فقط تمتلك 65% من حركة الاقتصاد العالمي.. أمريكا، واليابان، وبريطانيا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا.

أين نحن على خريطة هؤلاء ..؟ وهل تعتقدون أننا قادرون على المنافسة بهذا الوضع الفكري والفقهي الذي نعيشه..؟ لدينا دول نفطية كبرى تعلن أنها إمارات إسلامية.. ولدينا حركات تريد تطبيق الشريعة بالجلد والرجم (شريعة الرحمة. رسول الرحمة).

في هذه القمة تم نقاش الوضع في سوريا.. وسبل حل الأزمة هناك ومدى إمكانية التدخل العسكري أو إمداد المعارضة بالسلاح، أو اللجوء لاتفاقيات سلام..

يا ربي، حتى شئوننا الداخلية لم نعد قادرين على حسمها.. وصاروا هم من يقررون شكل أوطاننا ونجاح ثوراتنا..

الله قال في سورة الحجرات، (وإن طائفتان من المؤمنيين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله.. فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل.. وأقسطوا)

لم نعد قادرين على الإصلاح بين طوائفنا.. ولم نعد قادرين على دفع الباغي وردعه.. ولم نعد قادرين على العدل والقسط.. بل نستدعي حلف الناتو لكي يفعل..(بعضهم يستدعي السيدة آن باترسون).. فكيف تحلمون بسيادة العالم أيها الحمقى..


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية


https://www.facebook.com/M.ELDWIK


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق