محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الجمعة، 28 يونيو 2013

اينشتاين والإسلام المكي


كان اينشتاين يقول : مشكلتنا الآن هي نفس مشكلتنا القديمة؛ أن قوة الإنسان سبقت يقظة ضميره، ونمو عضلاته جاء قبل نمو تفكيره".

وأن البشرية بعد القنبلة النووية لا حل لها سوى أن تعيش حالة توحد أممي ضخم. لنبذ العنف وحل الخلافات بطريقة سلمية، لأن الحرب القادمة لو نشبت في ظل وجود قوة تدميرية ضخمة في يد البشر فقد تحول العالم إلى جحيم.

اينشتاين رجل العلم والتجربة كان يتحدث، كشاعر، عن الضمير والعقلانية ونبذ العنف، والتآلف.. اتهموه بالرومانسية، ولكنه كان يرى أن الرومانسية هي البديل الأوحد عن الدمار. لأن الإنسان لو ترك لجهالاته فسوف يحدث كوارث عظمى.

أدرك العالم الشمالي "الغربي" تلك المعادلة، خاصة بعد الخراب الذي شهدته أوروبا في الحرب العالمية الثانية 1945، ولذلك نشأت عصبة الأمم وعقدت خطة مارشال للتنمية وإعادة التعمير، المشروع نسبة إلى قائد الأركان الأمريكي جورج مارشال وفيه يشترك الجميع لتدارك الخسائر والفقر، ونبذوا خلافاتهم المؤسسة على صراع المصالح عن طريق اقتسام خيرات العالم.

وتلك كانت وصية بونابارت في منفاه في جزيرة نائية بعد هزيمته في معركة الشعوب "واترلو" 1815، فقال لابنه أنه من الأفضل بدلا من أن يحارب انجلترا أن يقتسم الثروات معها، لأن الحرب لا نهاية لها.

ثم اعتمدوا الحريات الدينية بعد ذكريات حروب طويلة بين البروتستانت والكاثوليك 1648 أدت إلى نقص سكان أوروبا بنسبة 30% وانتشرت بسببها المجاعات والأمراض وانتهت بصلح وستفاليا.. وكانت الأديان هي أول الخاسرين. الأمر لم ينته بشكل كامل وظلت المناوشات بين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا الشمالية قتل الآلاف على إثرها، مما حدى ببريطانيا عام 1969 إلى إنشاء جدار عازل بين الطائفتين في مدينة بلفاست.

*

المشكلة أننا لم ندرك تلك الحقائق ونعيش في قرون الصراعات الأولى.. وصرنا نتصارع مع الجميع.. صراع سياسي: إسلامي / علماني، صراع طائفي: سني / شيعي، صراع عقيدي: كفر / إيمان، صراع حضاري: دار سلم / دار حرب.

تفجيرات بوسطن الأخيرة اكتشفنا أن المتسبب فيها شابان مسلمان من الشيشان ذهبا للانتقام من أمريكا !

وعمر همامي الأمريكي المسلم وأحد أهم المطلوبين في أمريكا، هاجر إلى الصومال للجهاد مع حركة الشباب ، ثم اختلف عمر همام مع رئيس الجماعة فأرسل في قتله.. هكذا يتم تصفية الخلافات بين المجاهدين.!

بالمناسبة هم يجاهدون ضد صوماليين مسلمين أيضا – يمنعون مشاهدة التلفاز ومباريات كرة القدم، في حين أن بعض المجاعات تقتل ربع مليونا كل حين، رغم ان الصومال تملك أطول ساحل بحري لدولة إفريقية مما يؤهلها لمركز تجاري عالمي ضخم.

الأمر بالمناسبة لا يتوقف عند أتباع الدين الإسلامي، ولكن يجب أن يتم دعم الفكرة عبر جميع الأديان.. البوذيون يمارسون أبشع أنواع القتل والاضطهاد والتهجير لمسلمي الروهوينجا في ميانمار، بورما، ثمانية ملايين مسلم يعيشون حياة بائسة على حافة الخطر.

والهندوس من قبل قاموا بهدم مسجد كبير وتسويته بالأرض مخلفين آلاف القتلى.

أعتقد أننا في حاجة لاسترجاع الآيات المكية المنسية في تاريخ الإسلام والتي ادعى البعض، ظلما وجحودا، أنها منسوخة وبلا قيمة، ولم يبق منها في المصحف إلا رسمها للاستماع والتلاوة دون أن يكون لها أي أثر تشريعي.

الرسول عليه الصلاة والسلام قضى في مكة أكثر مما قضى في المدينة.. 13 سنة يضع القواعد الفكرية والاعتقادية الأولى المؤسسة للإسلام.. وخالط الكافرين وعايشهم واختلف معهم وحدثت اشتباكات.. وكان القتال محرما على المسلمين، فكان الإسلام المكي طوال ثلاثة عشر عاما إسلاما منزوع السلاح .. إسلام الصبر والتضحية والكلمة.

استدار الزمان وصرنا في أحوج الأمر إلى هذه القراءة للإسلام.. الإسلام المكي.. إسلام الكلمة والمعاملة.. إسلام التضحية والعمل.. بدلا من توظيف مصطلحات إسلامية في المزيد من التشويه والعداء دون أي أثر.. كلمة جهاد صارت تستخدم في المعاجم الغربية كبديل للإرهاب.. والمشكلة أن هذا الجهاد المزعوم ينتهي بخسائر فادحة للشخص والفكرة.

يجب أن نكون أكثر ديناميكية في التعامل مع عالم مختلف.. ومع تحديات جديدة.. لأن من لا يستوعب التغيير مكتوب عليه الفناء.. عمر بن الخطاب ذهب ليأخذ الجزية من أهل الكتاب.. فغضبوا، وقالوا لن ندفع الجزية.. خذ منا ما تأخذه من المسلمين.. قال عمر نأخذ من المسلمين صدقة.. قالوا ونحن ندفع صدقة.. فوافقهم وتخلى عن المصطلح. رغم أنه مذكور في كتاب الله.

طالما أن النتيجة واحدة.. فلا بأس من تجاوز الخلاف الشكلي الظاهري اللفظي.. واللي بينا كبير.  

*

يقول الله في سورة الأنعام:

( اتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين. ولو شاء الله ما أشركوا. وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل. ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. كذلك زينا لكل أمة عملهم. ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون )

بداية الآية تحث الرسول أن يلتزم بدينه ولا يتعرض للمشركين، يتركهم، ويكف عن الجدل و إثارة الخصومات.. والآية التالية تؤكد أنه رغم نبوته لا يملك عليهم أي حق مادي أو سلطوي.. فهو ليس وكيلا ولا حفيظا ولا يمارس أي وصاية أو إكراه.

ثم يأمر المؤمنين بعدم المساس بعقائد غيرهم، وينهاهم عن التعدي بالكلمة أو السباب لآلهة قريش حتى لا يؤدي ذلك إلى سباب متبادل.. فكان الإسلام يطمح لتأسيس هذا النموذج من الاحترام العقيدي المتبادل في مكة لسنوات طويلة، ولكن القرشيين رفضوا.

فالتعايش بين العقائد واحترام أديان الآخرين كانت محاولة الإسلام الأولى. التي لم تنجح في مكة. لكنها الخلاص الوحيد للعالم الآن.

ويختم الله الآيات، أن كل أمة ترى نفسها على صواب.. وترى عملها هو الأفضل، والله ترك الكل يتحرك ويعمل، وتكون العودة له في الآخرة لينبئ الجميع بطبيعة عمله، من كان على صواب ومن كان على ضلال.

وننتهي بما بدأه اينشتاين.. هل نستطيع إيجاد معادل فكري يتمثل ضمير العالم ويحثه على التعقل ليوازن قوته الضاربة في صناعة الحرب ويتجاوز الخصومات بين البشر ويجمعهم على مشروعات التنمية والصناعة مع الحفاظ على الفروق العقيدية والثقافية لكل جماعة..

وهل نستطيع أن نكون نحن "المسلمين" ضمير العالم في هذا الشأن..

يقول الله (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)

نزلت هذه الآية في الحديبية، عندما قامت قريش بمنع الرسول ورجاله من الدخول إلى مكة.. أرضهم.. ومن الطواف بالبيت الحرام محرمين للعمرة.. وعاد الرجال يكظمون غيظهم ويضربون الأرض بحوافر خيلهم شاعرين بالقهر.. فلما قابلوا جماعة من الكافرين قاصدين البيت الحرام كادوا أن يمنعوهم.. مبررين ذلك، أنه من جنس عملهم.. جزاء وفاقا.. وقالوا: نمنعهم كما منعونا.

ولكن الإسلام منعهم معاملة الكافرين بمثل عملهم.. وقال ( ولا يجرمنكم شنئآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا.. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. واتقوا الله إن الله شديد العقاب)

ليس لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام، ظلما وعدوانا، أن يكون ذلك سببا للاعتداء.. ولو اجتمعتم فيكون جمعكم لفعل شيء طيب فيه بر ووفاء وخير.

ونهاية الآية تذكر أن الاعتداء جريمة حتى لو على غير مسلم، ويكون نتيجته عقاب شديد من الله، لتنمية الضمير الفردي للإنسان، للالتزام بالإنصاف، حتى مع أمان العقوبة القانونية أو تغييب الرقابة الاجتماعية..

هكذا الإسلام..





للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

 


البروفايل الشخصي

https://www.facebook.com/M.ELDWEK

 


الصفحة الرسمية

https://www.facebook.com/M.ELDWIK



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق