رحلة إلى الشمال
عزيزتي ريم ، أنا الآن في طريقي إليكِ ..
... أستعين على السفر بشيكولاتة ومحمد منير وكتاب فلسفة يقارن بين هيجل وفيوربباخ ، وفي يدي مسبحة كرستال وحظاظة بلون شعلة النار المحترقة . والطريق ممدود لكيلومترات ولسنين عددا .
ما بين القاهرة وأقصى الشمال مرت جيوش تحتمس الثالث وعمرو بن العاص ولويس التاسع . وها انا أمشي فوق خطواتهم ورفاتهم بعجلات سيارة صنعها خواجة ياباني ينتمي لحضارة الساموراي.
أبو العلاء المعري يقول :
خفف الوطءَ . ما أظنُ أديمَ الأرضِ إلا من هذه الأجسادِ
أي ، لا تدوس الأرض بقوة لأن رمال الأرض إنما نبتت من أجساد بشر راحلون .
*
اسمحيلي أميرتي أن أستعين على الطريق ببعض الحكاوي ..
كلمة ساموراي كانت تميز طبقة من المقاتلين الذين يسهرون على حفظ الأمن.. ومعناها : " الذي يضع نفسه في الخدمة" . وهكذا الفرسان دوما على مر الدهر .
والساموراي الحديث ترك سيفه ودروعه القتالية وبدأ في صناعة كل ما يخدم الإنسان . إنها الحرب الحديثة ولكن بأدوات أخرى . وتلك رسالته التي تلائم العصر .
*
أما عن تحتمس الثالث ، فهو قد تربى يتيما على يد الملكة حتشبسوت . زوجة أبيه . وظلت تدربه على البطولة عشرين سنة .
وعندما تولى من بعدها كان اسطوريا بحق . صنع جيشا نظاميا متدربا يحمي حركة التجارة . وتمدد في الجنوب إلى ما بعد بلاد النوبة . وتمدد في الشمال الشرقي وراء المتوسط حتى وصل للشام .
وكان يسمح بالحرية الدينية لشعوب البلدان المفتوحة .
البعض يعتبره أول امبراطور في التاريخ . وكان يقود جيشا لا يغلب . وهو أول من قسم الجيش الى قلب وجناحين . واللورد اللنبي درس خططه أثناء مواجهته للعثمانيين .
هذا الرجل الأسطورة تربى على يد امرأة . حكمت مصر .. لن أقبل بعد اليوم أن يقودنا التخلف إلى ما قبل العصر الحجري ياريم . سأقف لهم بالمرصاد .
الغريب أنه في كل العصور حكمت مصر امرأة .. حتشبسوت عند الفراعنة . وكليوباترا السابعة وقت البطالمة . وشجر الدر في الدولة الإسلامية .
نحن وطن له تاريخ لمن يحاول أن ينسينا ذلك .
*
أما عن لويس التاسع الذي مشى على ذات الأرض قبل ثمانية قرون ناحية المنصورة ، فقد واجهه أمراء المماليك ، فخر الدين يوسف بن شيخ ، وركن الدين بيبرس ، وردوه من حيث أتى . وبدأت حركة التحرير ضد الصليبيين الذين احتلوا بلاد الشرق ، من هنا من مصر .
المماليك كانوا يكثرون من الألقاب الفخيمة لسد عجز نفسي داخلهم أنهم عبيد .
كأنهم يريدون نسيان ماضيهم ومحوه بتلك الألقاب التي تصبغهم بالوقار .. كما أنهم عمدوا إلى الإكثار من المظاهر الدينية من مساجد ذات قباب ومآذن شامخات ، ليكسروا حدة المواجهة الشعبية .
لو أنك واثق من نفسك فأنت لن تحتاج إلى كل هذه الألقاب التي تسبق اسمك . يكفيك اسمك الذي نشأت به طفلا وتموت به شيخا.
ولو انك تحكم بالحق فلن تحتاج إلى استغلال الدين لضمان الطاعة .
*
وانهزم المماليك على يد سليم الأول العثماني القادم من جوار البسفور .. لنبدأ عصرا جديدا دام لخمسة قرون .. الغريب يا ريم أن ذلك التحول الكبير حدث عام 1517 ..
تحديدا في يوم 25 يناير !
ربما هي مصادفة .. ولكن المصادفات تحكم التاريخ أيضا .
هل تعلمي أن طالب طائش في صربيا اغتال ولي عهد النمسا ، بالمصادفة ، فكانت النتيجة هي نشوب الحرب العالمية الأولى لمدة اربع سنوات 1914 – 1918 . ليموت الملايين .
ظلم البشر لا ينتهي يا ريم ..
لذلك نويت أن أترك كل شيء وآتي لك . فهلا انتظرتيني على المرفأ بثوبك الأزرق القديم ، حيث أول لقاء !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق