محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الأحد، 31 مارس 2013

الله لا يحكم العالم

في المدرسة الابتدائية أصرت المدرسة أن أحفظ حديث الرسول" والله لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم " .. وتابعت , أن الرسول كان ينصح زوجته التي تطهو اللحم – وقليلا ما كان يذوق محمد اللحم – أن تكثر من المرق حتى تعطي لجارتها منه .. يجب أن يشاركك جارك ما هو أكثر من الرائحة , حتى لو كانت مشاركة زهيدة تتمثل في طبق مرق .

عدت من المدرسة وتناولت اللحم وكان لي جار لا يعرف طعمه إلا كل بضعة أشهر مرة , فسألت من حولي لماذا لا نقتسم الطعام جميعا , فالطعام يفسد عند البعض من كثرته بينما هناك بطون خاوية في مكان آخر تحتاج له .

المشكلة ليست في الندرة إنما في سوء التوزيع .

نقلت لهم ما حفظته في المدرسة في حصة التربية الدينية , ولكنهم نظروا لي بدهشة وضحك بعضهم على كلامي ووصفني آخرون أني شيوعي .. لم أفهم لماذا يضحكون , ولم أدرك معنى الكلمة التي وصفوني بها , ولكني كنت على يقين من أن هناك شيئا خطأ , وأن هؤلاء الناس لم يحضروا حصة الدين في الصف الخامس الابتدائي , حينما كانوا صغار !!

جاء وقت الصلاة فذهبت للمسجد .. وبعد التسليم حدثت مشادة بين اثنين .. احدهما يقول "حرما " للجالس الى جواره , ولكن الثاني اصر على أنها بدعة لم يأت بها الرسول !! وهنا أدركت كيف يضيع الاسلام .

شوقي يقول واصفا الرسول : الاشتراكيون أنت إمامهم . . لولا دعاوى القوم والغلواء .

الاشتراكية لن تكسب ببيت شعر يا شوقي .. الرأسمالية تكسب حتى من دون شعر وبلاغة .

*

أما في حصة التربية الدينية في الصف الاول الاعدادي قالت لي المعلمة أن النبي هاجر من مكة الى المدينة حينما اشتد عليه أذى الكفار وأنه وبضع مئات استقروا في يثرب بعد أن تركوا أموالهم وديارهم , وكانوا بلا أي ممتلكات بعد أن انسلخوا من حياتهم من أجل ايمانهم بالدين الجديد .. تضحية حقيقية .. وبعد أن استقر المهاجرون وسط سكان المدينة أصر هؤلاء السكان أن يتشاركوا أموالهم وأرضهم ونساءهم مع المهاجر الفقير الذي تشققت قدمه من رمال الصحراء وتقشف وجهه من حرارة الشمس .

أحدهم قال لأخيه : انظر في زوجاتي أيهم أعجب لك فأطلقها فتقضي عدتها وتتزوجها أنت بلا مهر أو تكلفة .. هل هؤلاء بشر ؟!! كيف تخلصوا من كل سوءات النفس البشرية من أنانية وأحقاد وغرور .. ماذا فعل محمد بقلوبهم .. كيف وصل بهم الى تلك المرتبة من الرقي .. كيف جعل رجال الصحراء الغلاظ يتصرفون بتلك الطريقة !!

مضى على تلك الواقعة أكثر من الف سنة وصار أتباع محمد أكثر انحطاطا وكنزا للمال وكرها للغير , وصاروا منكفئون على ذواتهم وغير مكترثين بمعاناة الغير .

*

في مطلع التسعينات كانت هناك قمة طارئة في الجامعة العربية لتقرير مشاركة الدول العربية ضمن القوة الدولية لمهاجمة العراق وردعها عن احتلال الكويت .. طبعا لم تكن قوة دولية , ولكن أمريكا بعد أن انفردت بقرار الحرب , وفسرت بيان الامم المتحدة الصادر برقم 688 وفق هواها أرادت أن تسبغ على هجومهاعلى العراق شرعية دولية منفصلة عن مجلس الامن .

القرار كان معد سلفا .. دول الخليج تكره العراق , وحسني مبارك تلقى وعود مغرية بإنقاذ الاقتصاد المصري وأن الدولارات ستنهال عليه من كل حدب وصوب , وكانت قمة مشوشة معروف قرارها مسبقا , وأثناء النقاش قال صدام حسين في محاولة بائسة للمقاومة , وكان يوجه كلامه للرئيس المصري المتزعم القمة " أن عوائد بترول العراق والكويت ستصل الى أفقر فلاحة تقبع في ريف مصر " .. صدام حسين كان يحب مصر , وكان صادقا في وعده .

لا أدافع عن الرجل .. فهو سفاح مهووس .. قام بعمليات إبادة جماعية لأكراد الشمال ومارس القمع والاضطهاد على شيعة الجنوب .. وأدخل العراق في حروب عشوائية لعشر سنوات متتالية ابتداءا مع ايران ونهاية بالكويت استنزف فيها موارد وطنه .

ليس خاف على أحد أن العراق كانت صاحبة قرار شن الحرب على ايران عام 1980 بمباركة أمريكية , حيث أرادت أمريكا محاصرة الثورة الصاعدة بقيادة الخوميني .. أمريكا تضرب بعضنا ببعض .. تنفق الدولتان أكثر من مئة مليار دولار في حرب عشوائية على ترسيم الحدود عند " شط العرب " وأمريكا تشرب النبيذ وتستمتع بهذا العرض الوحشي .

وأثناء هذا الود بين نظام صدام وبين الادارة الامريكية , قرر الرجل اجتياح الكويت .. ظن أن أمريكا تفي بالعهد وتحافظ على بقاء الصداقات الدائمة .. ولا يعلم أن العلاقات بين الدول لا تحكمها الأخلاقيات , إنما السعي خلف المصحلة حتى لو أدى إلى ان تنفض الدولة يدها من أي تعهد قامت به في السابق .. ألتقى صدام بالسفيرة الامريكية " غلاسبي " وأخبرها بنيته في الغزو , وأراد أن يعرف قرار أمريكا حول هذا الشأن , قامت السفيرة بإجراء اتصالات مكثفة بالادارة الامريكية في واشنطن , وكان الرد : على بركة الله يا حاج صدام .. هذا شأن داخلي ولا علاقة لأمريكا به .

ثم بعد اندلاع الحرب سارعت امريكا باستصدار قرار من مجلس الأمن , يؤكد على دور المجتمع الدولي في حفظ السلم والأمن الدوليين , وأن ما يجري في العراق ليس شأنا داخليا , إنما يمس الصعيد الدولي ككل , مما يستوجب التواصل الدبلوماسي ثم العسكري لتحجيم تلك المخاطر . . والبس يا عم صدام عشان نازلين .

طبعا "جملة حفظ السلم والأمن الدوليين " جملة مطاطة قابلة لتفاسير عديدة .. هم من يضعون المبدأ وهم من يفسروه وهم من يطبقوه .. ونحن مجموعة من الخراف الضالة لا تدري ماذا يصنع بها .. يسكتون عن الصومال خمس سنوات كاملة ولكن يتدخلون في العراق في شهور , ولا أحد يتحدث عن مخيمات اللاجئين في فلسطين ولبنان .. طب إيمان حجو ماتت .. عادي ياعم هتخش الجنة برضو . وأهم حاجة متقلش للجالس الى جوارك " حرما " أو " تقبل الله " لأنها حرام .

*

البعض لا يدرك أن فاتورة حرب الخليج مضاف عليها عشرة مليارات دولار - كربح هامشي - دفعتهم السعودية من عوائد النفط .. ههههههه .. يقتلونا بسلاح أمريكي ونفط سعودي .. وبيت الله الحرام يصلي التراويح مش 12 ركعة لا 22 عشان السنة .

أمريكا تنقذ الضعفاء .. تحمي اكراد العراق .. تنتصر لجلال طالباني .. ولكنها تغض الطرف عن أكراد تركيا الذين تقتلهم الحكومة التركية بالطائرات .. بس تركيا دولة صديقة في حلف الناتو .. ولا تمثل خطرا كبيرا .. وبعدين اللي هيموتوا هناك هيخشوا الجنة برضو .. دا انت بايخ بشكل .. مستخسر فيهم الجنة يعني !!

*

كيف كان يمكن تجنب هذا الوضع المأزوم داخل العراق .. أكراد سنة , عرب سنة , عرب شيعة .. اختلاف عرقي وديني وثقافي .. هل دولة القانون هي الحل .. تداول السلطة والمساواة الكاملة والتشريعات الموحدة .. علمانية ؟؟ بس العلمانية كفر .. طب والقتل هو اللي حلال ؟!! صرت غير متأكد من أي شيء .

*

منذ عدة ايام تطالعنا صورة السيدة "كريستين لاجارد" مديرة صندوق النقد الدولي , التي تقف على رأس مؤسسة مالية تتحكم في مصير العالم .. تجلس المرأة في ثقة ويحيطها مجموعة من الرجال الذين يحاولون اظهار رباطة الجأش ولكن قلوبهم واجفة .. محافظ البنك المركزي ووزير المالية ووزير الاستثمار وسيادة الرئيس .. كنا نحتاج الى فنان من طراز مايكل أنجلو ليرسم صورة موازية لرائعته " العشاء الآخير للسيد المسيح " .

لم يعد أمير المؤمنين يؤم الناس في الصلوات ويتخذ القينات والجواري , ولكنه صار يستجدي من أجل حفنة دولارات لتعينه على تطبيق الشريعة وإرساء الخلافة . سيقطع أمير المؤمنين يد السارق .. في أوطاني من يختلس مائتي جنيه ليدفع المصروفات التعليمية لابنه يصير لصا خطيرا وجب قطع يده , ومن يسرق مليارا يصير مستثمرا يجب احترامه . أحدهم يذهب الى أبو زعبل والثاني يذهب لشواطئ بالما دي مايوركا .

من يقترض من البنك خمسة آلاف جنيه من أجل شراء جهاز لابنته يكون متعاملا بالربا ومصيره المحتوم في نار أعدها الله للكافرين , ومن يستدين بخمسة مليارات دولار يقول فضيلة الشيخ أنها " مصروفات إدارية " .

مهاتير محمد صانع نهضة ماليزيا , الرجل الاسلامي القح الذي اعتمد العلمانية في وطنه ليتغلب على معضلة المالايو وانهاء الصراع الطائفي والعرقي , سألوه ماذا فعلت لصنع هذا التقدم المذهل ؟؟ قال لهم – ابتداء – لم استمع لنصائح البنك الدولي .. تقريبا محدش في الوطن العربي سمع كلام مهاتير .. أو سمعوه بس محدش عرف يترجم . المشكلة في الترجمة !!

لن أتحدث كثيرا عن أن أمريكا تسعى للسيطرة على منطقة الشرق التي تمثل مخزنا مهما للنفط وسوقا استهلاكيا ضخما تبيع فيها منتجاتها , ومكانا ممتازا لتنامي شركاتها الضخمة العابرة للقارات والتي تمتلك رؤوس أموال تفوق رؤوس أموال دول , وأن أمريكا في سبيل ذلك تلجأ لكل الوسائل , السلاح والاقتصاد والثقافة , وأن البنك الدولي أحد أذرع الولايات المتحدة التي تحوط بها حكومات المنطقة حينما تغريهم بالاقتراض , وتنهك اقتصاد الدول بخدمات الديون ثم تستغل هذه القروض في تمرير مواقف وشروط سياسية بعينها , كما أن هذا يسمح لها بالاطلاع على تفاصيل الموازنة العامة للدولة المقترضة , فتصير مكشوفة لها .. فعلوا هذا قديما مع الخديو اسماعيل وكان تمهيدا للاحتلال .

ولكني تذكرت الحديث الذي حفظته في الصف الخامس الابتدائي الذي يؤكد على نفي الايمان عن الجار المسلم الشبعان الذي يجاور رجلا جائعا .. وتذكرت مقولة صدام حسين بأن عوائد النفط ستستفيد منها الفلاحة المصرية في أقاصي الريف .. وتذكرت وعود دول الخليج بمساعدة الاقتصاد المصري بعد استقرار الاوضاع , وأن هذه دول اسلامية عربية مجاورة لنا , وأنها تمتلك فوائض ضخمة يستحسن – من باب تطبيق الشريعة – أن تضعها تحت تصرف مصر لتتمكن من النهوض وصناعة تنمية .. أم تطبيق الشريعة هو ملاحقة النساء في الشوارع !!

وتذكرت الشيخ زايد عليه رحمة الله , الذي أراد مساعدة مصر , وكان يقول دائما : منذ بضعة عقود كنا دول صحراوية متخلفة وشعوبا بدوية ضائعة , وكانت مصر ترسل المهندس ليبني والطبيب ليداوي والمدرس ليمحو الجهل ورجال القضاء والقانون ليصنوا التشريعات , وكنا اذا أردنا الترفيه ضبطنا موجات الراديو أو هوائي التلفاز ناحية القاهرة لنستمع الى أم كلثوم أو نتأمل سعاد حسني أو ننصت الى حوارات يوسف السباعي وثروت أباظة وطه حسين .

*

حينما أراد ناصر بناء السد , امتنع البنك الدولي عن تمويل المشروع بدعوى أن ناصر يشكل خطرا على مصالح امريكا , فغنى عبد الحليم " قلنا هنبني وادينا بنينا السد العالي " .. ولم يكذب ناصر ولم يكذب حليم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق