محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الجمعة، 22 مارس 2013

حلم واحد كبير

تعرفين يا ريم طبعا متى حصلت مصر على استقلالها .. المرة الأولى التي نصير فيها دولة مستقلة ذات سيادة .

تقولين لا !

أين تعيشين يا أميرتي ؟؟ وكيف مررت بكل سنوات التعليم تلك دون أن تعلمي ؟؟

 

... مصر حصلت على استقلالها يا ريم في تصريح 28 فبرارير 1922 .. يجب ألا تنسي هذا التاريخ أبدا .

دعيني أحكي لك بعض الأشياء . إلى حين انتهاء قهوتك .

كان سعد زغلول ورفاقه يجمعون توكيلات من المصريين ليكونوا وفدا مفوضا للحديث باسم المصريين، للتفاوض مع الأنجليز للمطالبة بالاستقلال . كان ذلك تحديدا عام 1918 . ولما ضاقت سلطات الاحتلال بما يفعله سعد زغلول واسماعيل صدقي وعلي شعراوي قاموا بنفيهم خارج البلاد . 

وذلك تفكير المستبد في كل وقت يا عزيزتي .. يظنون أن سبب المشكلة يكمن في القيادات الفكرية التي تؤلب الناس ، ويتناسى المستبد أن المشكلة تكمن في تصرفاته المنحرفة .

وهنا اشتعل غضب الناس فكان نواة الثورة التلقائية التي خرجت دون تنظيم عام 1919. الطلاب .. النساء .. الوطنيون .. المشايخ .. الكنيسة .. الخ.

كانت ثورة بلا قائد وبلا توجيه .. الروح الوطنية التي زرعها عرابي ومحمود سامي البارودي وعبد الله النديم ومصطفى كامل ، والوعي الذي تبناه أحمد لطفي السيد ، أثمر شيئا طيبا في ضمائر الناس.

وعاد سعد ورفاقه .. وبدأ الاحتلال يلملم ذيوله بعض الشيء نظرا ليقظة الشعب وبداية مطالبته بحقوقه كاملة . وخلال سنوات قليلة ألغت بريطانيا الحماية على مصر وأعطتها الاستقلال الكامل ، ولكن وفقا لتحفظات أربعة.

كي تجلس للتفاوض يجب أن تكون حققت وضعا جيدا على الأرض .. موقعك على الأرض يحدد موقفك في التفاوض .. هكذا يعرف كل دارسي استراتيجيات الحرب والسياسة.

ورغم أن "الوفد" الذي مثل مصر في المفاوضات ، والذي تحول إلى حزب ظل يحمل ذات الإسم لم يقبل التحفظات ، إلا أنه تعامل مع الواقع العملي للحصول على أفضل نتائج ممكنة.

بعد ذلك تشكلت لجنة لصياغة دستور لمصر المستقلة مكونة من 30 فرد وبرئاسة حسين رشدي. لبداية الدخول لحقبة جديدة من تاريخ الوطن .

كل ما قلته يا ريم كان من أجل سطور قليلة قادمة ..

تذكرين الخلاف الذي حدث أثناء صياغة جملة "السيادة للشعب" في الدستور الأخير 2012 والتي قال عنها بعض المتشددين أنها مخالفة للعقيدة لأنه لا سيادة إلا لله. 

هذه الجملة كانت في صدر دستور 23 ، والذي شارك في وضعه مفتي مصر ، الشيخ محمد بخيت ، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية الشيخ عبد الحميد البكري . ولم يثيروا أية مشاكل بشأنها ، بل أكدا على أن الحاكم في الإسلام يستمد شرعيته من الناس وليس من الله.

ثم كانت المادة التي تحدد دين الدولة الإسلام في موضع متأخر جدا من الدستور ، في المادة 149 . ولم يتحدث الدستور عن الشريعة أو مصادر التشريع أو أي شيء من ذلك.

تعرفين يا ريم أن حزب الوفد وقتها كان يمثل السواد الأعظم من شعب مصر . حتى أنه كان ينتصر على الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية ، وعل أحزاب القصر والأحزاب الممولة من الانجليز .

وتعرفين مصطفى النحاس باشا الزعيم الأشهر للحزب ورئيس وزراء مصر وقتها .. النحاس ياريم كان رجلا مستقيما خلوقا لا يعاقر الخمر ولا يرتكب الفاحشة ، وكان جادا محافظا على صلواته .

لكنه عندما وجد أن جمعية مصر الفتاة ، برئاسة احمد حسين ، قد كتبت اسم "الله" في برنامجها السياسي ، قال : أن اسم الله في البرامج السياسية مجرد شعوذة تدل على فقر الفكر ، ورغبة في الهروب من تقديم حلول واقعية لمشاكل الناس.

وكان يرى أن مصر شعبها يدين بالإسلام عقيدة وعبادة وخلقا وتراثا ، منذ قرون ، وأنه لا فائدة من التأكيد على ذلك في الدساتير أو البرامج السياسية لأنه يعد ابتذال وعبث . وأن الإسلام لا يعرف سلطة روحية لبشر على بشر .

وأنه يجب تنزيه الدين عن إقحامه في صراعات السياسة . وذلك من أجل الحفاظ على الدين ذاته وعلى مكانة مصر في العالم الإسلامي .

وكانت مصر تعيش هموما أكبر تتمثل في الحصول على الإستقلال وإقامة حياة دستورية سليمة وضمان حقوق المصريين الاجتماعية والاقتصادية.

يقول المستشار طارق البشري يا ريم أن النحاس قبل أن يقول هذا الكلام ، وقبل أن يعتمدها حزب الوفد منهجا ، كانت الناس تؤمن بها في سياق ثقافي ووطني عام .

الأمر الآن صار مختلفا بعض الشيء يا ريم . فعندما يغيب حلم واحد كبير ، تضيع الناس في أحلام جانبية تافهة.

وعندما يغيب مفهوم الوطن ، فالانتماءات تتجاذبها العصبيات المتطرفة والصراعات الفردية المتنازعة .

السياسة هي انعكاس لثقافة الشعب . وثقافة الشعب تنعكس على شعارات السياسة ، مثلا بمثل . ونحن لدينا مهمة شاقة وطويلة مع شعبنا الذي عانى الأمية والفقر وموجات التجهيل والإسفاف والتشدد الديني وغياب روح الإنتماء للوطن والأرض.

سأبدأ تلك المهمة قطعا عزيزتي . فقط حينما ينتهي فنجان قهوتك .


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق