محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الثلاثاء، 19 مارس 2013

رسائل إلى ريم.. الثقافة لا السياسة

 

قلت لك يا ريم قبل ذلك أنني أعول على البشر أكثر من أي شيء آخر. النصوص الدستورية مهما بلغت من عظمة ستظل حبرا على ورق بلا فائدة. وأعظم كتب الطب النظرية لا تستطيع أن تداوي أحدا ما لم تتحول إلى طب سريري وصناعة دواء. ومن يمشي إلى جوار الشاطئ بحذاءه الرياضي ويقرأ كتابا عن السباحة لن يتعلمها طالما لم يجرب بنفسه ويبتل جسده بالماء.


الدول القمعية يا ريم كانت حريصة على صياغة دساتير مثالية تنص على حفظ الحقوق وحماية الحريات وتؤكد على كرامة الانسان. مثلا الاتحاد السوفيتي عندما سقط كان يمتلك أحد هذه الدساتير ودستور مصر الدائم الصادر عام 1971 ينص في مواد من 41 لـ 46 على كافة الحريات الفردية التي تكفلها المواثيق الدولية ولكن تم اختراقها باصطناع حالة الطوارئ.


في دولة مثل جنوب افريقيا تجد فروقا طبقية شاسعة بين الناس رغم النصوص الرنانة في دستورهم على الحفاظ على العدالة الاجتماعية والتوازن الطبقي وتوزيع الثروة.


اليزيد بن معاوية ، خليفة بني أمية ، كان سفاحا وقتل آلاف على رأسهم الحسين بن علي حفيد الرسول ، ورغم ذلك كان يكتب الشعر الرقيق واعتبره البعض من شعراء بني أمية البارزين ، وقال في قصيدة :


وقوس حاجبها من كل ناحية . . ونبل مقلتها ترمي به كبدي


وعلي بن أبي طالب حينما جلس لمناقشة بعض الخارجين عن طوعه والمطالبين بتحكيم كتاب الله وضع المصحف بين يديهم وقال : انطق يا كتاب الله ؟؟ فاندهشوا ، فقال لهم انما هو حبر على ورق وتنطق به ألسنة الرجال . الغريب أن يحتد أحدهم على علي لأنه لا يطبق شرع الله !! في إشارة واضحة إلى أن المتنطعين والغلاة في الدين موجودون منذ زمن بعيد.


ما أريد قوله هو أن الضمانة الوحيدة لحماية الحريات وحفظ الحقوق وتحقيق العدل ليست النصوص المكتوبة إنما الارادة السياسية والرقابة الشعبية ويقظة الناس.. التعليم والوعي ونشر الثقافة.


سخاروف أبو القنبلة النووية الروسية، كان يرى أن الاتحاد السوفيتي مهدد بالسقوط لأنه لا يسمح بالنقد.. وأن النقد هو الوسيلة الوحيدة لتصحيح انحراف مسار أي نظام سياسي وأن الأمة التي تتخلى عن التقييم والنقد والتصحيح الدائم مقضي عليها بالفشل.. وقد كان.


إنها مشكلة بشر يا ريم. لذلك نزلت الرسالات السماوية تعالج نفوسهم وضمائرهم أولا، وكان الرسول يقول: خلوا بيني وبين الناس.. الله في السماء تحدث للناس فأولى بنا أن نتحدث لهم لنقنعهم بالخير. والخير داخل نفوسنا جميعا يحتاج لمن يحيه لأنه لو ترك هكذا يموت. وتلك وظيفة الثقافة والتربية والوعي التي غفل عنها الجميع إلى صراع سياسي ساذج بلا قيمة واقعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق