محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الخميس، 28 مارس 2013

هنا يجلس عم عادل


هنا بيته ومحل رزقه ومكان نومه وصحوه . كرسي بلاستيكي باهت ومتهالك ومنضدة خشبية تقف على ثلاثة أرجل سليمة وتتعكز على قدم رابعة مركونة فوق حجر . إنه يملأ الولاعات الغاز طيلة اليوم . ينتهي ببضع جنيهات يأكل بها لقيمات وجبته الوحيدة . ثم يضع شالا فوق رأسه عند غياب النهار ويغمض عينيه حتى الصباح .

لاحظته وتيقنت من أنه لا بيت له . تحدثت معه . سألته عن حاله وبيته وماضيه الحزين ولماذا انتهى به الحال الى هنا . فوق كرسي على جانب الطريق .

قال أنه صانيعي رخام ماهر . ولكنه وقع من فوق السئآلة منذ خمس سنوات وكسر أنفه وشج رأسه وتأذت قدماه بشدة . إنه في الستين من عمره ولا طاقة له بعمل يدوي آخر . ولا طاقة له أن يبدأ حياته في أي طريق آخر . لقد ماتت زوجته التي تحملت معه مشقة الحياة . وتهدم بيته القديم الكامن في منطقة القلعة ولا توجد إمكانية لإعادة البناء .

وتلك الغرفة الرطبة التي أقام فيها لسنوات طرد منها لعدم دفعه الأجرة لعدة شهور متتابعة . فوجد في الطريق مأواه . هنا يجلس رجل بلغ الستين ولا بيت ولا زوجة ولا مورد رزق .

آذان المغرب يدوي في كل مكان ليذكرني أننا في مجتمع مسلم .

خطواتي المثقلة بالهموم تقودني الى حيث النداء . على باب المسجد أقف وأنا اتسائل لماذا نصلي إذن طالما أن تلك هي آثار الصلاة على مجتمعنا . مجتمع رأسمالي متوحش قائم على النزعة الاستهلاكية والأنانيه واختفت من داخله قيم التكافل والتراحم والإيثار . أين الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة !! مجتمع أنهكه حكم ظالم تحت يد طغاة وتبديد للثروات وسوء إدارة , ورجال دين نصفهم يغرد داخل السرب ونصفهم الثاني يحدثنا عن الثعبان الاقرع وعن عدة المطلقة وطهر الحائض ونقاب المرأة .

دخلت لأصلي وانا غير مقتنع . تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة وصمت مؤقت ثم قراءة آيات متتالية . بضع دقائق . ثم تسليمة الختام . المسجد به أجهزة تكييف مركزية باهظة الثمن . وبه سجاد فاخر تغوص فيه رأسك وقدماك . القبلة منحوتة من الرخام الفاخر وماء الذهب نقشت به الألواح . اسم الله واسم محمد .

ألم يكن الاجدى أن نصلي في مساجد من طوب لبن وأرضية من الحصى – وتلك سنة النبي – وندخر هذه الملايين لناس تبيت في الشارع . عم عادل أحق بالاموال من بيت الله . عم عادل أحق بالاموال من الحج والعمرة وأزياء المحجبات .

خرجت من المسجد وأنا ناقم على كل شيء . وتساءلت . هل هذه صلاة مقبولة فعلا !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق