محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الثلاثاء، 19 مارس 2013

بداية ونهاية. بينهما قليل من الحياة

 سعد : حاسس إني بعيد عن ربنا يا محمد . خايف منه وكل يوم أعيط، و بتكسف أعيط قدام العيال ، فبطلع فوق السطح بالليل وافضل أعيط لوحدي .

- محمد : خايف من ربنا ليه؟ أنت عشت طول عمرك فقير وهتموت فقير .. موظف كحيان في الحكومة بتربي عيالك بالعافية وتطلع تصطاد بالسنارة السمك بتاع الغدا.

- سعد : حتى الصيد مبئتش بقدر عليه من يوم ما تعبت ..... سرطان المعدة مبهدلني يا محمد يا اخويا .

- محمد : ان شاء الله هتخف وترجع زي الفل .

- سعد : أنا بروح آخد جرعة الكيماوي مرتين في الأسبوع .. الجرعة لسه مخلصتش ورغم كدة الدكتور قالي خليك في بيتك اسبوعين تلاتة وبعدين تعالى .. أنا خايف يكون الدكتور شايف إنه مفيش فايدة وعايزني أموت وسط عيالي .

- محمد : عيالك عاملين إيه صحيح ؟

- سعد : الحمد لله ، علياء بنتي مخطوبة ، هتخلص كلية تربية السنة دي . نفسي أعيش لحد ما أجوزها .. آخدها من إيدها واطلع بيها الكوشة واتصور معاها وأوصلها لحد باب بيتها . تحس إن أبوها واقف جمبها .

عيالي ملهمش غيري..و خايف يتلطموا من بعدي.

- محمد : إحنا في الشغل بنمضيلك كل يوم عشان لو خدت أجازة مرضي الحوافز هتتشال وانت في أمس الحاجة ليها .

- سعد : كتر خيرك ، أشكرلي كل الزملاء والنبي . وقولهم يسامحوني لو كنت زعلت حد.

- محمد : أنت عمرك ما زعلت حد يا سعد .. طول عمرك في حالك .. وطول عمرك مصاب .

فاكر لما كنا بنلعب كورة زمان ، كلنا لابسين كوتشي باتا وانت الوحيد اللي حافي ، ويومها دخل في رجلك مسمار مصدي وكنت هتموت ؟

طب فاكر في السبعينات بعد الحرب عالطول لما كنا في تالتة كلية تجارة وكنت بتغششنا في الامتحان والدكتور المراقب ساب اللجنة كلها وجه مسكك انت.. ولغالك الامتحان واضطريت تعيد السنة.

طبعا لولا إن الحاجة أمك راحت باست على راس الدكتور كان رفدك من الكلية .

- سعد : ههههههههه .. أمي دي الله يرحمها اتغلبت بينا بعد موت ابويا .. ربتنا احنا الستة لوحدها .. واشتغلت كل حاجة عشان تصرف علينا.

تصدق نفسي العب كورة.. ونفسي أرجع اصطاد.. نفسي آكل بصارة.

محمد : هتعيش وتموت فقير كدة حتى في أحلامك.. طب يا آخي قول نفسي آكل ريش ضاني.

سعد : احنا اتعودنا ع الفقر يا محمد .

محمد : طب منفسكش تصطاد من البحر .. تعالى اتسند عليا نروح نقعد على البحر شوية أنا معايا العربية .

ثم اتكأ على كتفه واهنا هزيلا، هيكل عظمي ممصوص. وهبط درجات السلم وركب السيارة. وفي الطريق ظل ينظر عبر النافذة إلى البيوت والناس، يتحرك بعينيه بين السماء والتراب.

ووصل إلى شاطئ البحر وجلس على كرسي صغير.. وظل يتأمل الماء.. لا يقوى على حمل سنارته البلاستيكية، وسرح ببصره نحو آخر شعاع شمس يتماس مع صفحة البحر يشبع بصره منه. فعساه لا يأتي هنا مرة أخرى.

--

وبعدها بيومين .. جلس محمد إلى جوار صديقه سعد على سريره البسيط في غرفة نومه التي تساقطت لونها من أثر الرطوبة ، يكتم دموعه و يودعه بنظرات أخيرة قبل تأهب الجمع لحمله لمثواه الأخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق