محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الثلاثاء، 19 مارس 2013

رسائل إلى ريم .. عن الإسلام نحكي

 

يقول الله في سورة الأنبياء ( وعلمناه صنعة لبوس )

المُعلِم هنا هو الله , والمُعلَم هو النبي داوود , ونوع التعليم هو صناعة الدروع التي تحمي الانسان في الحرب .

فكانت الصفة اللصيقة بالنبي داوود أنه يجيد الصناعة وتطويع المعادن , مشطها وسردها , لتأخذ هيئة جسد الانسان فيستعملها للحماية من البأس والحروب .

لاحظي يا ريم , لم يقل الله علمناه السيف . ولكن الدرع . والدرع رمز للحماية وليس رمز البغي والظلم . هذه واحدة .

والثانية , أن صناعات الحرب وصناعة قطع السلاح التي تحمي الناس , مندوبة في القرآن وكانت صفة من صفات نبي يوحى له . نحن مخاطبون بهذا القرآن ومأمورون بالتصديق بأنبيائه واعتبارهم نموذجا يحتذى . والله يضرب لنا فيه الامثال من أجل العظة . فهل نحن نمتلك صناعة دروع الحرب الحمائية ؟؟

بالمصطلحات الحديثة , منظومة صواريخ دفاع جوي , مثلا , تحمينا من القصف . مدافع بازوكا توقف تقدم الدبابات ؟؟ هل نصنعها أم نستوردها من الخارج بالعملة الصعبة ؟؟ ثم نستورد النسخ الاقدم ويمتلكون هم الاحدث .

هل نتقن "صنعة لبوس" الواردة في القرآن , أم تخلينا عنها ؟ هل يريدون تطبيق الشريعة يا ريم ؟ اذن أخبريهم أن يكثفوا جهودهم لصناعة صواريخ بالستية أو توماهوك . أو يصنعوا طائرة درون بدون طيار .. وهذا يحتاج الى علم واقتصاد قوي وديمقراطية . ذاك اسلام .

لازالت احتفظ بقصاصة الجريدة التي فيها هذا الخبر .. وزارة الدفاع الامريكية تطالب بسرعة تسليم مصر صفقة طائرات f16 تم الاتفاق عليها .. والكونجرس يبحث تخفيض المعونة العسكرية .

 

كان هذا اثناء احداث حصار السفارة الامريكية ورفع اعلام القاعدة فوقها .. امريكا تقول لكم أنتم مجموعة صبية لا تجيدون سوى الصراخ . أما صناعة الحرب فنحن من ننتجها . خذوا بعض هذه الألعاب وتسلوا بها يا صغار . ولا تحلموا بالمزيد . ثم هنيئا لكم الصراع والجهل والتعصب .

 

*

هزيمة 56 ونكسة 67 قامت على فكرة واحدة وخطة واحدة . ضرب الطائرات المصرية على الارض واستهداف مواقع حيوية بصواريخ الجو . هنا يصير الجيش جسدا بلا أطراف . كسيح يحاور أسدا هائجا .

 

وبعد 56 قبلنا قوات دولية لمراقبة الحدود على ارضنا . وقبلنا باتفاقية القسطنطينية 1888 المتعلقة بتنظيم المرور في قناة السويس . والاختصاص الالزامي لمحكمة العدل الدولية عليها .

 

ثم قام ناصر بمغامرة في مايو 67 , اذ اوقف الملاحة في خليج العقبة وطالب بترحيل القوات الدولية . اعتبرتها اسرائيل بادرة حرب . وقامت بهجوم على اربعة جبهات وانتزعت القدس الشرقية وسيناء وغزة والجولان . وصدر القرار 242 من مجلس الامن للانسحاب من "اراض" احتلت , كما ورد في النسخة الانجليزية من الاتفاقية , وليس من "الاراضي" .

 

طبعا القرار يصدر بخمس لغات , الانجليزية / الفرنسية / الصينية / الروسية / الاسبانية .. وليس من بينها اللغة العربية ! وضعك الداخلي ينعكس على ثقلك الدولي حتما .

 

حاولت اسرائيل أن تبرر هجومها لكسب تعاطف دولي . القانون الدولي لا يجيز كسب ارض من خلال حرب الا في حالة الضربات الاستباقية للدفاع عن النفس . ونجحت اسرائيل في خلق حالة تضليل بنت عليها موقفا شرعيا أنها كانت في حالة دفاع .

 

هجومها عام 67 كان على ذات المواقع وبنفس الخطة التي قامت بها في 56 . ولم نتعلم . ولم نسحب القوات . ولم يكن لدينا منظومة دفاع جوي .

 

عزيزتي ريم, لم تُمنى مصر بخسارة فادحة في يونيو نظرا لغياب التدين الشكلي ( حجاب النساء ) ولم تحدث النكسة لندرة الاعمال التعبدية .. ولكن لغياب صنعة لبوس .. لغياب آية مهمة في القرآن . لم نقرأها ولم نفهمها ولمن نعمل بها . وتلك كانت النتيجة . خسائر وحروب واحتلال .. الاقوياء يخشى بعضهم بعضا . ونحن لا يخشانا أحد .

 

ومرت سنوات وبنيت خطة الحرب في اكتوبر العظيم على استكمال منظومة الصواريخ . خطة المآذن العالية أو جيرانيت . كانت تعتمد على تقدم 12 كيلو في الضفة الشرقية ونشر وحدات مشاة ميكانيكية ومدفعية ثقيلة تحت غطاء الصواريخ . وكان العظيم محمد علي فهمي يقوم عليها بجدارة .

 

*

أعود الى صنعة لبوس الواردة في القرآن .. صناعة الدروع .. مهنة النبي داوود .. وتطبيق الشريعة وقيمة العمل .. والاستقلال الوطني .. والموقف الدولي .. سلسلة متراكبة واحدة تلو الاخرى . وهذا هو التدين .

 

وهذا هو الدين الحافز الذي ينقلنا من وضع متخلف الى وضع أفضل . بقوة السواعد والعقول . وبدفع الايمان والعقيدة . فالعمل بلا عقيدة حيوانية , والعقيدة بلا عمل سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا .

 

لذلك يصر الله دوما في القرآن على تراتبية تلك الثنائية ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .

 

دعونا نتساءل عن الشريعة ..

 

الشريعة تبدأ بالاسلام , والايمان مثناة .. الشهادتان والتسليم بالكتب والرسل والبعث والحساب . ثم العبادة اليومية وهي الصلاة , وعبادة مرة في السنة وهي الصوم , ومرة في العمر وهو الحج , والزكاة على المقتدر .

 

الشهادتان والتسليم بالكتب والرسالات والبعث أمر لن يأخذ وقت . والصلوات اليومية بضع دقائق . وهنا يظل لديك يوما كاملا , يجب أن تملأه بالعمل . لأن الله قرن الايمان بالعمل .

 

لدينا الحديث الشهير الخاص بالرجل الذي اقسم أمام النبي أنه لن يقوم الا بالفروض . وقال الرسول أفلح ان صدق . ووصية الرسول للإمام بعدم الاطالة في الصلاة فلا يشق على المصلين من خلفه . جميل . اذن كفاية الاسلام تتأتى باقتطاع اقل القليل من الوقت . وكذلك الايمان . كيف نكمل حياتنا لتكون امتدادا لموجبات العبودية ؟

 

العمل ، والسلوك .

 

يقول الله, ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض ) . نعم نحن مأمورون بالانتشار فيها . والانتشار دلالة العمل والسفر والتواصل .

 

فهل نستطيع الانتشار في الارض وحدنا دون مساعدة غيرنا من الأمم ؟؟ نحن لا نصنع طائرة لنعبر المحيط . ولا نصنع هاتف نقال لنتحدث عبر الحدود . الخمسة الكبار في مجلس الامن ليس من بينهم طرف عربي أو مسلم . رغم أننا مليار ونصف بما يمثل ربع العالم . فهل احسنا الانتشار .

 

الخمسة الكبارفي مجلس الامن هم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية . المنتصر يحكم العالم . ونحن دوما مهزومون . مهزومون في حشايا الفقه التقليدي النقلي . ومهزومون في السلوك والعمل والبناء . ونفر الى الله بصحيفة اعمال خاوية . نفر بالتصوف أو السلفية أو الحسبنة على الظالم .

 

يا عزيزتي إن الله لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم .

 

تجدي في القرآن كلمة "عمل" وكافة مشتقاتها مثل, يعملون /عامل / أعمالكم / أعمالنا / عاملون .. الخ . قد وردت عدد مرات أكثر مما وردت كلمة "الصلاة" . فالعمل ورد أكثر م 300 مرة بمشتقاته. بينما الصلاة 100 مرة فقط . وفي ذلك دلالة واضحة .

 

لو كانت الصلاة شعيرة تعبدية كبيرة ورئيسية في الاسلام . فالعمل هو الحياة وهو الانسان وهو الارض التي خلقها الله وهو الاصلاح الذي يبتغيه , ليخيب ظن الملائكة فينا حين قالت في بداية النشأ " يفسد فيها ويسفك الدماء ! " .

 

*

يقول الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين :

 

قال الله تعالى لنبيه ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) . قال أهل التأويل , فإذا فرغت من أمور الدنيا فانصب في عبادة ربك , وليس هذا القول ترغيبا لنبيه فيها ولكن ندبه الى أخذ البلغة منها . لهذا قال الرسول : ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا , ولكن خيركم من اخذ من هذه وهذه .

 

وتصحيحا للمفاهيم . أخبرهم الرسول في حديث المفلس . كما عند الامام مسلم . أنه رجل يصوم ويصلي ويتعبد . ولكنه يؤذي الناس . من ضرب واعتداء واستيلاء على المال والحقوق . فكان عمل الدنيا ماحق لعمل الدين . وكان عمل الدين وحده لا يغني عن عمل الدنيا . فهما متلازمان .

 

ايضا المنافق الذي يكذب او يخون او يغدر يظل منافقا ولو صام وصلى . فالعبادة التي لا تنهض بالسلوك وتحسن من اداء الانسان لمهامه الاجتماعية لا خير فيها .

 

وعندما أخبروه عن امرأة تطيل قيام الليل فتوجع قدميها في القنوت , وتسرد صيام النهار فترهق جسدها من الامتناع . ولكنها سليطة اللسان وتؤذي جيرانها . فقال الرسول لهم : هي في النار .

 

ومر بهم شاب قوي ممشوق , فتمنى الصحابة أن يكون معهم في الحرب في سبيل الله ليكون انتصارا وعزة . فصحح لهم الرسول وقال : لو كان يسعى ليكفي نفسه سؤال الناس فهو في سبيل الله . ولو كان يسعى على أبويه فهو في سبيل الله .

 

يريد الرسول أن يعلمهم أن العمل الدنيوي جهاد . وأن البحث عن لقمة العيش منجاة . على مستوى الفرد ومستوى الدول .. فالدولة المسلمة هي التي تكفي نفسها سؤال غيرها . فهل فعلنا ؟

 

ثم يقول الله ( يا أيها اللذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) .

 

والصدقة عمل عبادي عظيم فيه تكافل وايثار وخير . ولكن كبر النفوس والميل للأذى يبطل هذه الصدقة . فلكي يصير العمل الديني مقبولا , يجب أن يقترن بسلوك انساني راق وطبيعة بشرية عذبة . فالله لا يريد منكم المال والنفقة ولكنه يريدكم في رفقة آمنة ايها البشر .

 

لازلت مصر على أن الايمان هو قدرنا , والدين عامل رئيسي في تكوين ثقافة المجتمع . ومن خلاله تستمد الكثير من قيم وسلوكيات البشر . وعلى حسب قرائته يكون وسيلة نهضة وتنمية واصلاح , او وسيلة تعصب واستبداد وقشورية فكرية .

 

*

تحياتي لك يا ريم . وعذرا على طول الجفاء . لم اكتب لك منذ زمن . ولكنك ايضا لا تردين علي الخطابات . فرجاءا راجعي صندوقك البريدي . لا اطالبك بالكثير , فقط ورقة بيضاء ارسليها لي وعليها اسمك . هذا يكفيني جدا . فأنا رجل قنوع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق