محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الخميس، 28 مارس 2013

لن ينتصر الرسول

وأثناء أزمة سب الرسول ، كان الشيخ محمد حسان يصرخ من فوق كرسيه في الاستديو مخاطبا المشاهدين:

انصر رسولك ولو برسالة SMS !


ولا يعلم المشاهد أن عوائد الرسالة لن تصل للفقراء أو البحث العلمي أو تصنيع السلاح. ولكن لجيب الشيخ وشركة الاتصالات ومنتجي القناة. ليتحولوا إلى نادي المليونيرات ، على حساب سب الرسول.

تذكر الإحصاءات أن رسائل الـ SMS وحدها كانت توفر لقناة الشيخ حسان قرابة مليون جنيه شهريا!

أمامي تقرير صحفي رصين يرصد ثروة الشيخ محمد حسان من عقارات وفيلات وشاليهات وملكيات زراعية وأسطول سيارات. بعضهم سيجيب أن الله لم يمنع أن تكون ثريا. لا بأس. ولكن الثراء يجب أن يكون نتيجة عمل ما. زراعة قوية أو صناعة صامدة أو شبكة تجارية تفيد الناس. أو بناءا على الإبداع والابتكار في الفن أو العلوم.

أما أن تكون ثريا لمجرد أنك داعية أو واعظ أو تحكي بعض القصص. فهذا أمر مريب. وقد يكون مدمر. لأن الدعوة إلى الله فيها مشقة وتضحية. ويجب أن يكون سالكها قدوة. خاصة في مجتمع غلبه الفقر والمرض والتدهور. في مجتمع نصف الأسر لا تمتلك صرف صحي وهناك من يزيد عن 9 ملايين عاطل و30% من الأطفال تحت سن 5 سنوات مصابين بمرض التقزم. كما تعلن التقارير الحكومية لمجلس الوزراء.

كما أنه يصدر نموذج للشباب أنك تستطيع أن تكون ثريا من لا شيء. أو ثريا على حساب الدين.

أترك هذا وأقلب في كتب السيرة في سنوات الدعوة الأولى حيث خباب ابن الأرت الذي يحرقوه بالنار حيا. ومعاناة آل ياسر ومقتل سمية على يد أبي جهل بحربة في فرجها. ومصعب الفتى المدلل جميل الثوب والعطر الذي ترك كل ذلك و عاش حياة متقشفة بسبب إيمانه. وأبو بكر الذي ضربوه بالنعال على وجهه.

ثم تنزل الآيات لتحثهم على الصبر والتضحية . لتكونا القيمة الأولى في الإسلام بعد الإيمان بالله. ثم عندما يصيروا أقوياء يحثهم على العفو والتراحم.

وبذلك يصير الإيمان محصورا بين صبر وعفو. بين تضحية ورحمة.

كان من السهل أن ينصر الله رسوله والمؤمنين معه منذ اللحظة الأولى، ولكنه يريد أن يشرع لعقيدة الإنسان القائمة على العمل الجاد والدعوة بالحسنى والصبر.. وأن يكون الانتصار لعقيدة السماء قادم على يد البشر.. بالعمل والإخلاص والكفاح لسنوات.. الدم والدموع والعرق.. وليس من خلال الفهلوة أو العشوائية أو ضربات الحظ السريعة.

لو أن رسول الله كان حيا بيننا وسمع الشيخ حسان يتحدث عن النصرة عبر رسالة SMS ، لعرف أنه من هنا يموت الإسلام وتأتي الهزيمة.

*

لن أنسى كلام الدكتور زويل عن رجل أعمال أمريكي ثري اسمه "جولدن مور". عندما أرادت الجامعة التي يعمل بها الدكتور زويل في بنسلفانيا اعتمادات مالية ينفق منها على بعض البحوث العلمية. قالوا له أن بعض الأثرياء يقومون بالتطوع لتمويل البحوث. وذكروا له اسم جولدن مور صاحب شركات Intel الشهيرة.

ذهب الدكتور زويل له فوجد رجلا بسيطا يقوم بتصليح هوائي التلفاز "بيظبط الإريل" بنفسه، وقابله بحفاوة وسمع منه مشروع البحث، وفي ثوان احضر الرجل شيكا ومضى على 600 مليون دولار !

لم يصدق الدكتور زويل الرقم . ولكنها حقيقة .

بيل جيتس أحد أثرياء العالم، تم اتهامه في قضية تهرب ضريبي، فكان رده أن تنازل عن نصف ثروته! ما يزيد عن 15 مليار دولار!

هل يستطيع أحد مشايخنا أن يتنازل عن نصف ثروته لدعم الاقتصاد أو تنمية البحث العلمي! هل سمعنا عن ذلك من قبل!! مجرد اسئلة تدور في خيالي.

السؤال الأهم، من هو الأكثر ورعا وزهدا، جولدن مور أم الشيخ حسان!!

هناك أثرياء عرب مسلمين يشترون ساعة يد بملايين الدولارات.. لم أسمع الشيخ محمد حسان يتوجه لهم بالخطاب. ولكني سمعته يتحدث عن لم المعونة من بائعة الجرجير!

*

يسألني سائل، وكيف ننتصر للرسول أيها المتحذلق الذي لا يكف عن النقد.

قبل أن أشرع في الإجابة، أحب أن أقول أن العقيدة الدينية كانت هي العاصم الأخير للشعوب المؤمنة في ظل التحلل السياسي وصراعات القصر وموجات الإحتلال الأجنبي. كانت الناس لا ترتكب الجريمة حتى لو لم يكن هناك بوليس. وكانت تحسن عملها وترضى بالرزق ولا تكذب أو تخون بناءا على التزام عقيدي بحت.

وهذا هو الدور الذي يلعبه الإيمان في المجتمع. بعضهم ضل الطريق ونزع الدين من قلوب الناس ليجعله أمرا ظاهريا بحت. ثم نزع بقايا الدين في المجتمع ليقحمه في دهاليز السياسة. ليكفر الناس بالسياسة والدين معا.

دعني أقرأ لك عنوان أحد الأبواب في صحيح مسلم.. باب النفقة على الأقربين ولو كانوا مشركين.

تريد الانتصار للرسول، ابحث عن أقاربك المحتاجين للنفقة.. تعليم / سكن / علاج / سداد ديون / زواج.. الخ . واكفلهم. وكل على قدر استطاعته. وشجع غيرك من أثرياء العائلة على ذلك.

ملحوظة، هذا الباب في صحيح مسلم معنون بـ: النفقة على الأهل "ولو كانوا مشركين" !

وهنا دلالة مهمة، وهي أن هناك روابط بين البشر تتجاوز رابطة العقيدة. وأن المسئولية والمشاعر الإنسانية تتجاوز حدود الالتزام الديني. بعض الوقت.

وقياسا على ذلك . نستطيع أن نستنبط روابط انسانية أخرى تحقق أهدافا طيبة بين البشر وقد تكون مستقلة عن الدين. ولكنها لا تصادمه أو تلغيه. مثل رابطة الوطنية والانتماء للأرض. الوطنية التي لا يعرفها الشيوخ ويعتبروها دربا من الكفريات.

*

حديثان يرويهما الإمام مسلم في باب الزكاة، أن الرسول قال لصحابته: على كل مسلم صدقة.

الرسول لم يقل على كل مسلم غني أو موسر أو رغد العيش. كونك مسلم فهو يحثك على العطاء والحنان، حتى لو امتلكت القليل. كونك مسلم يضع عليك مسئولية اجتماعية تجاه الجماعة التي تعيش معها.

عالم الإجتماع الفرنسي الشهير "دور كايم" تحدث عن فكرة مهمة هي، الضمير الجمعي.. حيث أنه إذا اصطدمت عواطف الفرد الشخصية بالواجبات الاجتماعية فإنه غالبا ما يتغاضى عن مشاعره الداخلية ويخضع للمثل العليا في المجتمع. لذلك فمسئولية المصلحين والمثقفين ورجال الدين بناء هذا الضمير الجمعي الذي يحد من غلواء جشع الانسان وظلمه وميله للاعتداء.

إن بناء الضمير الجمعي لجماعة بعينها من البشر لا تقل أهمية عن بناء نظام سياسي محكم. وللأسف رجال الدين في مصر قاموا ببناء أسوأ ضمير جمعي لنا منذ الانفتاح وموجات التدين الوهابي. ثم زادت الطين بلة عندما اختلطت السياسة بالدين فرأينا وجها سيئا مليئا بالكذب والانتهازية وغياب القيم لرجال الدين الذين مارسوا السياسة.

كان الأديب الروسي "ليو تولستوي" مشغولا بالأسباب التي تؤدي الى نشوب الحروب بين الدول والجماعات البشرية. وتعددت المذاهب في هذا الشأن. فهناك من قال أن الدول المتشابهة في العقيدة لا تتقاتل "هيتنتجتون". وهذا تفسير خاطئ لما شهدته أوروبا "المسيحية" من حروب دامية. وحروب قبائل الهوتو والتوتسي في افريقيا. وقتال العباسيين والعلويين في صدر القرون الإسلامية الأولى.

والبعض أعادها إلى تضارب المصالح وصراع النفوذ والجشع والبحث عن الثورة.

تلستوي قال أن حالة الاستعداء المزعومة والمتوهمة هي التي تفترض العداء وتورث الكراهية وتجعلنا نعيش صراعات أبدية.

ومن هنا رأى أن محمدا الرسول قدم خدمة جليلة للمجتمع الإنساني بأن جعل أمة بأكملها تجنح للسكينة وتؤثر عيشة الزهد.

فالإنسان الذي يؤثر السكينة لن تكون لديه رغبة في استعداء الاخرين أو قتالهم. ومن يؤثر الزهد لن يقيم حروبا من أجل العدوان على حق غيره. وبذلك تنتهي أسباب الصراع في العالم والتي تكمن هناك بداخل أعماق النفس البشرية.

الآن ، هل ما نفهمه ونمارسه من ديننا يدعو للسكينة والزهد، أم يحفز على العداء والكراهية !

إجابة السؤال تحدد موقعنا من فهم الدين ودوره في الحياة.

*

الفيلسوف والمصلح الديني "كالفن" وضع نظريته على أساس: العمل كوسيلة للخلاص الديني.

أجد هذا واضحا في الحديث التالي من كتاب الإمام مسلم والذي يسير معنا في ذات السياق.

يقول الرسول في أكثر من رواية أنه في كل يوم تطلع فيه الشمس على كل جزء من جسد الانسان صدقة.

فيسأله الرجال، أرأيت إن لم يجد مالا؟

وهنا يضع الرسول البدائل التي تمثل الصدقات.

فيقول :

تعدل بين اثنين .. تعين غيرك على دابته .. الكلمة الطيبة .. تعمل بيديك فتنفع نفسك .. تمسك عن الشر.

راجع كافة تصرفاتنا اليومية وقارنها بالحديث الذي يحض على "العدل" و "العمل" و "مساعدة الناس تطوعيا" و "إمساك عن الشر" . ستكتشف أننا في مجتمع ترك الإسلام منذ عقود. بينما تمسك بمظاهره لإخماد ضميره، والتي يساعده المشايخ في تضخيم تلك المظاهر كي تتحول إلى عملة رديئة تطرد العملة الجيدة. وفقا لقانون الصرف عند الاقتصادي جريشام.

هذه الروايات تصلح لأن تكون الضمير الجمعي للناس كما عند دوركايم . وتصلح لأن تكون ميثاق أخلاقي يتعلق بالعمل والانتاجية والعطاء كما عند كالفن. وتصلح لأن تنشر حالة السكينة في النفوس لتجنب ويلات الصراعات الكبرى كما عند تولستوي.

يذكر أن البشرية في الألفي سنة الأخيرة بعد الميلاد ، قد شهدت صراعات لمدة 1790 سنة ، ولم تشهد سلاما إلى مدة 220 سنة فقط، رغم وجود ثلاثة أديان كبرى ، و 8900 معاهدة دولية. وفقا لمعهد بحوث هايدلبرج الألماني.



اقرأ المقال علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - لن ينتصر الرسول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق