محمد الدويك

صورتي
Egypt
حينما ولدت حاولوا تعليمي المشي والكلام وآداب الطعام وفنون التعامل اللائق مع الناس . ولكن أحدا لم يعلمني كيف أفكر وأن أصل الى الحق , بالبحث والتجربة والملاحظة والوصول الى نتيجة . وكأن العلم حرام .. وكأن تجربة نبي الله ابراهيم ركام علاه الغبار فلا أمل في بعثه من جديد . فلنتحرر قليلا مما غرس بدواخلنا من آثام وخطايا .. ونبذل محاولة أخرى للفهم . فالله وضع العقل بنسب متفاوتة في خلقه , ولكنه ألقى رسالاته وعقد تكليفاته على أكثر الكائنات اكتمالا للعقل . الكائن الوحيد الذي استطاع تدوين تاريخه ونقله لمن بعده . فالفاهمون هم المخاطبون بالوحي .. وهم اصحاب العقول الذين ننشدهم هنا .

الأربعاء، 27 مارس 2013

العالمين والناس




----

أول آية في القرآن الكريم يا ريم بعد البسملة، هي "الحمد لله رب العالمين" وآخر سورة في القرآن هي سورة "الناس" . القرآن يبدأ بالعالمين وينتهي للناس. لماذا إذن يصنعون منه نسخة محلية خانقة لا تصلح إلا لساكني القرية أو الريف أو البادية!

إنه لا يخاطب فئة أو طائفة أو جماعة بعينها. لا يتحدث للعرب أو المسلمين أو المؤمنين، فدائرته أوسع من ذلك بكثير. وجاء بمنظومة فكرية تسع كل الناس وك
ل العالمين، وتلائم تغير ظروف الزمان وعوامل المكان. نسخة تليق بالتاريخ والبشر والجغرافيا. تصلح لمن يسمع بيتهوفن أو فيروز أو النقشبندي أو الروك أند رول.

ولذلك كانت الاستثناءات فيه أكثر من القاعدة. إن لم تستطع الصيام فعدة من أيام أُخر وإن لم تجد الماء فاستخدم التراب ولو لم تجد الوقت اجمع الصلاة كي لا تتركها. ولو كنت ستهلك فكل الميتة ولحم الخنزير. فلم يجعل في الدين من حرج أو عنت أو مشقة. إنه يرافقك ويترفق بك ويبحث لك عن حلول ويضع لك دوما البدائل. ويحنوا عليك ولا يضع عليك الأغلال.

ونزل بكلمات عامة وبسيطة ومفهومة تدعو لفضائل الأعمال والسعي في الأرض وطلب الرزق والكف عن تلويث البيئة والتكافل والحب.

وجاءته الجارية فاختبرها بكلمتين ثم حكم عليها بالإيمان المباشر وتركها لربها، ويجيئه الأعرابي يسأله عن الدين فيجيب بكلمات بسيطة ثم يتركه لفطرته وحياته ومشاغله. لا يرهق أحدا ولا يلاحق أحدا ولا يتتبع أحدا بكثرة الجدل.

وينهاهم عن كثرة السؤال والقيل والقال وإضاعة المال. وتكون أفضل الاعمال كلمة حق أو شهادة حق أو كلمة طيبة أو كلمة مسؤولة أمام سلطان جائر. ليكون ديننا دين "الكلمة" . إبراز أهمية الكلمة وشرف الكلمة والوفاء بالكلمة. الوفاء بالعهد والعقد والأمانة والحقوق. وكلها كلمة.

وتفهم نوازع الضعف البشري وما يمليه من هوى وزلل وخطأ. وجعل التوبة بادئة لصفحة جديدة، وجعل التطهر من الذنوب بأبسط الطرق، مجرد وضوءك لصلاة.

ووضع قاعدة أن الحسنات يذهبن السيئات، لو لم يكن من الخطأ بد، حسنا، لتفعل مقابل كل خطيئة الف حسنة ومقابل كل ذنب ألف طاعة. لتكن إيجابيا ولا تدع الإحباط واليأس يؤثر عليك. وحتى يحول المخطئ إلى طاقة عمل وإنتاج وعطاء بدلا من يأسه واكتئابه وانزوائه.

فالله يثق فيك، لذلك أعطاك عقلا هو أعظم ما في الكون. ويحبك، لذلك جعل المغفرة والعفو هما الأساس. ويترفق بك، لذلك جعل خاتمة رسالاته عنوانها : تخفيف ورحمة.

دعينا نغادر الدين الوضعي يا ريم إلى الدين الإلهي. نغادر دين الأسلاف والفقهاء والحواشي والفروعيات والجدالات ونعود إلى نور ورحمة وهداية وعمل ومغفرة وجنة.

نسيت أن أقول لك يا فتاتي، أن الله تحدث في القرآن عن الجنة بوصفين؛ جنة الدنيا وجنة الآخرة . جنة الدنيا هي العمل والزراعة والإنتاج والإنشاء. التي تكون بادئة لجنة الآخرة.. سؤالي يا ريم هل نحن المسلمون ننشئ جنانا أم نخلق خرابا !

تحياتي أيتها الملهمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق